الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن
.ومن باب الصبي يحج: قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالروحاء فلقي ركبًا فسلم عليهم فقال من القوم فقالوا المسلمون فقالوا ومن أنتم قال: رسول الله ففزعت امرأة فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفَّتها فقالت يا رسول الله هل لهذا حج قال نعم ولك أجر».قلت: إنما كان له من ناحية الفضيلة دون أن يكون ذلك محسوبًا عن فرضه لو بقي حتى يبلغ ويدرك مدرك الرجال. وهذا كالصلاة يؤمر بها إذا أطاقها وهي غير واجبة عليه وجوب فرض ولكن يكتب له أجرها تفضيلا من الله ويكتب لمن يأمره بها ومن شده إليها أجر. فإذا كان له حج فقد علم أن من سنته أن يوقف به في المواقف ويطاف به حول البيت محمولا إن لم يطق المشي وكذلك السعي بين الصفا والمروة في نحوها من أعمال الحج. وفي معناه المجنون إذا كان مأيوسًا من إفاقته.وفي ذلك دليل على أن حجه إدا فسد أو دخله نقص فإن جبرانه واجب عليه كالكبير وإن اصطاد صيدا لزمه الفداء كما يلزم الكبير.وفي وجوب هذه الغرامات عليه في ماله كما يلزمه لو أتلف مالا لإنسان فيكون غرمه في ماله أو وجوبها على وليه إذ كان هو الحامل له على الحج والنائب عنه في ذلك نظر وفيه اختلاف بين الفقهاء، وقال بعض أهل العراق لا يحج بالصبي الصغير والسنة أولى ما اتبع..ومن باب المواقيت: قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس وعن ابن طاوس عن أبيه قالا «وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن وقال أحدهما ولأهل لليمن يلملم قال فهن لهم ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة وقد كان من دون ذلك. قال ابن طاوس: من حيث أنشأ قال وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها».قلت: معنى التحديد في هذه المواقيت أن لا تتعدى ولا تتجاوز إلا باستصحاب الإحرام وقد أجمعوا أنه لو أحرم دونها حتى يوافي الميقات محرمًا أجزأه وليس هذا كتحديد مواقيت الصلاة فإنها إنما ضربت حدًا لئلا تقدم الصلاة عليها.وفي الحديث بيان أن المدني إذا جاء من الشام على طريق الجحفة فإنه يحرم من الجحفة ويصير كأنه شامي وإذا أتى اليماني على ذي الحليفة أحرم منه وصار كأنه إنما جاء من المدينة.وفيه أن من كان منزله وراء هذه المواقيت مما يلي مكة فإنه يحرم من منزله الذي هو وطنه، وفيه أن ميقات أهل مكة في الحج خاصة مكة. والمستحب للمكي أن يحرم قبل أن يخرج إلى الصحراء إذا بلغ طرف البلد أحرم قبل أن يصحر فأما إذا أراد العمرة فإنه لا يحرم لها من جوف مكة لكنه يخرج إلى أدنى الحل فيحرم منه ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بعائشة فيعمرها من التنعيم.وفي قوله ممن كان يريد الحج والعمرة بيان أن الإحرام من هذه المواقيت إنما يجب على من كان عند مروره بها قاصدا حجا أو عمرة دون من لم يرد شيئا منهما فلو أن مدنيا مر بذي الحليفة وهولا يريد حجا ولا عمرة فسار حتى قرب من الحرم فأراد الحج أو العمرة فإنه يحرم من حيث حضرته النية ولا يجب عليه دم كما يجب على من خرج من بيته يريد الحج والعمرة فطوى الميقات وأحرم بعدما جاوزه.وذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق إلى أن عليه دمًا إن لم يرجع إلى الميقات ودلالة الحديث توجب أن لا دم عليه.قال أبو داود: حدثنا هشام بن بهرام المدائني حدثنا المعافى بن عمران عن أفلح عن القاسم بن محمد عن عائشة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عِرْق».قال: وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع، حَدَّثنا سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن ابن عباس قال: «وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق العقيق».قلت: الحديث في العقيق أثبت منه في ذات عرق والصحيح منه أن عمر بن الخطاب وقتها لأهل العراق بعد أن فتحت العراق وكان ذلك في التقدير على موازاة قرن لأهل نجد، وكان الشافعي يستحب أن يحرم أهل العراق من العقيق فإن أحرموا من ذات عرق أجزأهم وقد تابع الناس في ذلك عمر بن الخطاب إلى زماننا هذا.قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبى فديك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يُحَنِّس عن يحيى بن أبي سفيان الأخنس عن جدته حكيمة عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أهل بحجة أو عمره من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو وجبت له الجنة شك عبد الله أيتهما قال».قلت: في هذا جواز تقديم الإحرام على الميقات من المكان البعيد مع الترغيب فيه وقد فعله غير واحد من الصحابة وكره ذلك جماعة أنكر عمر بن الخطاب على عمران بن الحصين إحرامه من البصرة وكرهه الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح ومالك بن أنس. وقال أحمد بن حنبل وجه العمل المواقيت وكذلك قال إسحاق قلت يشبه أن يكون عمر إنما كره ذلك شفقا أن يعرض للمحرم إذا بعدت مسافته آفة تفسد إحرامه ورأى أن ذلك في قصير المسافة أسلم..ومن باب الحائض تهل بالحج: قال أبو داود: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو معمر حدثنا مروان بن شجاع عن خصيف عن عكرمة ومجاهد عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «النفساء والحائض إذا أتتا على الوقت تغتسلان وتحرمان وتقضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت».قلت: فيه من العلم استحباب التشبه من أهل التقصير بأهل الفضل والكمال والاقتداء بأفعالهم طمعا في درك مراتبهم ورجاء لمشاركتهم في نيل المثوبة، ومعلوم أن اغتسال الحائض والنفساء قبل أوان الطهر لا يطهرهما ولا يخرجهما عن حكم الحدث وإنما هو لفضيلة المكان والوقت.ومن هذا الباب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأسلميين أن يمسكوا بقية نهار عاشوراء عن الطعام وكذلك القادم في بعض نهار الصوم يمسك بقية نهاره في مذاهب الفقهاء. والعادم الماء والتراب والمصلوب على الخشبة والمحبوس في الحش والمكان القذر يصلون على حسب الطاقة عند بعضهم ولا يجزئهم وعليهم الإعادة عند الإمكان وهذا باب غريب من العلم. وفي أمره صلى الله عليه وسلم الحائض والنفساء بالاغتسال دليل على أن الطاهر أولى بذلك.وفيه دليل على أن المحدث إذا أحرم أجزأه إحرامه وفيه بيان أن الطواف لا يجوز إلاّ طاهرا وهو قول عامة أهل العلم إلاّ أنه قد حكي، عَن أبي حنيفة أنه قال إذا طاف جنبا وانصرف من مكة لم يلزمه الإعادة ويجبره بدم وعند الشافعي أن الطواف لا يجزئه إلاّ بما يجزئ به الصلاة من الطهارة وستر العورة فإن ترك شيئا منهما أعاد..ومن باب الطيب عند الإحرام: قال أبو داود: حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا إسماعيل بن زكريا عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: «كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم».قلت «وبيص المسك» بريقه يقال وبص الشيء وبصّ أيضًا بصيصًا إذا برق وفيه من الفقه أن للمحرم أن يتطيب قبل إحرامه بطيب يبقى أثره عليه بعد الإحرام وإن بقاءه بعد الإحرام لا يضره ولا يوجب عليه فدية وهو مذهب أكثر الصحابة. روي عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يفعل ذلك وأن ابن عباس رئي محرما وعلى رأسه مثل الرُب من الغالية. وقال مسلم بن صُبيح رأيت ابن الزبير وهو محرم وفي رأسه ولحيته من الطيب ما لو كان لرجل لاتخذ عنه رأس مال وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق.وقال مالك بن أنس يكره الطيب للمحرم. وقال أبو حنيفة أن تطيب بما يبقى أثره بعد الإحرام كانت عليه الفدية وشبهوه باللباس يستصحب الإحرام والحديث حجة على من كره ذلك. ومما يفرق به بين الطيب واللباس أن سبيل الطيب الاستهلاك وسبيل الثياب الاستبقاء ولذلك صار إذا حلف أن لا يتطيب وعلى بدنه طيب لا يحنث مع ترك إزالته ولو حلف لا يلبس وعليه ثياب لزمه نزعه عن نفسه وإلا حنث..ومن باب في التلبيد: قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يهل ملبّدًا».قلت: تلبيد الشعر قد يكون بالصمغ وقد يكون بالعسل وإنما يفعل ذلك بالشعر ليجتمع ويتلبد فلا يتخلله الغبار ولا يصيبه الشعث ولا يقع فيه الدبيب..ومن باب الهدي: قال أبو داود: حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة حدثنا محمد بن إسحاق قال: قال عبد الله بن نجيح حدثني مجاهد عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي عام الحديبية في هدايا رسول الله صلى الله عليه وسلم جملا كان لأبي جهل في رأسه بُرة من فضة يغيظ بذلك المشركين».قلت: فيه من الفقه أن الذكران في الهدي جائزة وقد روي عن عبد الله بن عمر أنه كان يكره ذلك في الإبل ويرى أن يهدي الإناث منها.وفيه دليل على جواز استعمال اليسير من الفضة في لجم المراكب من الخيل وغيرها، وفى معناه لو كتبت بغلة بحلقة فضة أو نحوها جاز.والبرة حلقة تجعل في أنف البعير وتجمع على البرين.وقوله: «يغيظ بذلك المشركين» معناه أن هذا الجمل كان معروفًا بأبي جهل فحازه النبي صلى الله عليه وسلم في سلبه فكان يغيظهم أن يروه في يده وصاحبه قتيل سليب..ومن باب هدي البقر: قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عثمان، قال: حَدَّثنا محمد بن مهران الرازي حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عمن اعتمر من نسائه بقرة بينهن».قلت: البقرة تجزي عن سبعة كالبدنة من الإبل، وفيه بيان جواز شركة الجماعة في الذبيحة الواحدة.وممن أجاز ذلك عطاء وطاوس وسفيان الثوري والشافعي.وقال مالك بن أنس لا يشتركون في شيء من الهدي والبدن والنسك.وعن أبي حنيفة أنه قال إن كانوا كلهم يريدون النسك فجائز وإن كان بعضهم يريد النسك وبعضهم اللحم لم يجز وعند الشافعي يجوز على الوجهين معًا.وفيه دليل على أن القارن لا يلزمه أكثر من شاة وذلك أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن قارنات بدليل قوله لعائشة «طوافك بالبيت يكفيك لحجك وعمرتك»، ولقولها: «إن نسائك ينصرفن بحج وعمرة وأنصرف بحج». وحكي عن الشعبي أنه قال على القارن بدنه.وزعم داود أنه لا شيء على القارن وإنما فر بذلك عن القياس وذلك أن أكثر أهل العلم قاسوا دم القران على دم المتعة إذ هو منصوص عليه ولم يكن عنده في القارن نص فأبطله.قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر التمري وأبو الوليد الطيالسي قالا: حَدَّثنا شعبة عن قتادة قال أبو الوليد قال: سمعت أبا حسان عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا ببدنته فأشعرها من صفحة سنامها الأيمن ثم سلت الدم عنها وقلدها نعلين ثم أتى براحلته فلما قعد عليها واستوت به على البيداء أهل بالحج».قلت: الإشعار أن يطعن في سنامها بمبضع أو نحو ذلك حتى يسيل دمها فيكون ذلك علَمًا أنها بدنه ومنه الشعار في الحروب وهو العلامة التي يعرف بها الرجل صاحبه ويميز بذلك بينه وبين عدوه.وفيه بيان أن الإشعار ليس من جملة ما نهي عنه من المثلة ولا أعلم أحدا من أهل العلم أنكر الإشعار غير أبي حنيفة وخالفه صاحباه وقالا في ذلك بقول عامة أهل العلم، وإنما المثلة أن يقطع عضو من البهيمة يراد به التعذيب أو تبان قطعة منها للأكل كما كانوا يفعلون ذلك من قطعهم أسنمة الإبل واليات الشاء يبينونها والبهيمة حية فتعذب بذلك، وإنما سبيل الإشعار سبيل ما أبيح من الكي والتبزيغ والتوديج في البهائم وسبيل الختان والفصاد والحجامة في الآدميين؛ وإذا جاز الكي واللدغ بالميسم ليعرف بذلك ملك صاحبه جاز الإشعار ليعلم أنه بدنه نسك فتتميز من سائر الإبل وتصان فلا يعرض لها حتى تبلغ المحل وكيف يجوز أن يكون الإشعار من باب المثلة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة وأشعر بدنه عام حج وهو متأخر.وفيه أيضًا من السنة التقليد وهو في الإبل كالإجماع من أهل العلم.وفيه أن الإشعار من الشق الأيمن وهو السنة، وقد اختلفوا في ذلك فذهب الشافعي وأحمد بن حنبل إلى أن الإشعار في الشق الأيمن.وقال مالك يشعر في الشق الأيسر وروي ذلك عن ابن عمر.قلت: ويشبه أن يكون هذا من المباح لأن المراد به التشهير والإعلام فبأيهما حصل هذا المعنى جاز والله أعلم.وقال الشافعي يشعر البقر كالإبل. وقال مالك تشعر إن كانت لها أسنمة وإلا فلا.وقوله سلت الدم بيده أي أماطه بأصبعه وأصل السلت القطع، ويقال سلت الله أنف فلان أي جدعه.وقوله استوت على البيداء أي علت فوق البيداء. وقال الخليل أتينا أبا ربيعة الأعرابي وهو فوق سطح فلما رآنا قال استووا يريد اصعدوا.قال أبو داود: حدثنا هناد حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور والأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي غنمًا مقلدة».فيه من الفقه أن الغنم قد يقع عليها اسم الهدي، وزعم بعضهم أن الغنم لا ينطلق عليها اسم الهدي، وفيه أن الغنم يقلد وبه قال عطاء والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.وقال أصحاب الرأي لا يقلد الغنم وكذلك قال مالك..ومن باب من بعث بهديه وأقام: قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا ابن عون عن القاسم بن محمد وعن إبراهيم زعم أنه سمعه منهما ولم يحفظ حديث هذا من حديث هذا ولا حديث هذا من حديث هذا قالا قالت أم المؤمنين «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهدي وأنا فتلت قلائدها بيدي من عهن كان عندنا ثم أصبح فينا حلالًا يأتي ما يأتي الرجل من أهله».قلت: وممن قال بظاهر الحديث فلم ير الرجل يكون بتقليد الهدي محرما حتى يحرم مالك والشافعي، وقال سفيان الثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق إذا أراد الحج وقلد فقد وجب عليه.وقال أصحاب الرأي إذا ساق الهدي ثم قلده فقد وجب عليه الإحرام فإن لم تكن له نية فهو بالخيار بين حجة أو عمرة، وروي عن ابن عمر أنه كان يقول إذا قلد هديه فقد أحرم وكذلك قال عطاء، والعهن الصوف المصبوغ ألوانًا.
|