فصل: باب اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ لِلْحَرْثِ

مساءً 7 :49
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
29
الإثنين
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*1*المجلد الخامس

*2*كتاب المزارعة

*3*باب فَضْلِ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ إِذَا أُكِلَ مِنْهُ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب المزارعة - باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه، وقول الله تعالى ‏(‏أفرأيتم ما تحرثون‏)‏ الآية‏)‏ كذا للنسفي والكشميهني، إلا أنهما أخرا البسملة، وزاد النسفي ‏"‏ باب ما جاء في الحرث والمزارعة وفضل الزرع الخ ‏"‏ وعليه شرح ابن بطال، ومثله للأصيلي وكريمة إلا أنهما حذفا لفظ ‏"‏ كتاب المزارعة ‏"‏ وللمستملي ‏"‏ كتاب الحرث ‏"‏ وقدم الحموي البسملة وقال‏:‏ ‏"‏ في الحرث ‏"‏ بدل كتاب الحرث‏.‏

ولا شك أن الآية تدل على إباحة الزرع من جهة الامتنان به، والحديث يدل على فضله بالقيد الذي ذكره المصنف‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ أشار البخاري إلى إباحة الزرع، وأن من نهى عنه كما ورد عن عمر فمحله ما إذا شغل الحرث عن الحرب ونحوه من الأمور المطلوبة، وعلى ذلك يحمل حديث أبي أمامة المذكور في الباب الذي بعده‏.‏

والمزارعة مفاعلة من الزرع وسيأتي القول فيها بعد أبواب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ح و حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ وَقَالَ لَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا أَبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا قتيبة الخ‏)‏ أخرج هذا الحديث عن شيخين حدثه به كل منهما عن أبي عوانة، ولم أر في سياقهما اختلافا، وكأنه قصد أنه سمعه من كل منهما وحده فلذلك لم يجمعهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما من مسلم‏)‏ أخرج الكافر لأنه رتب على ذلك كون ما أكل منه يكون له صدقة، والمراد بالصدقة الثواب في الآخرة وذلك يختص بالمسلم، نعم ما أكل من زرع الكافر يثاب عليه في الدنيا كما ثبت من حديث أنس عند مسلم، وأما من قال إنه يخفف عنه بذلك من عذاب الآخرة فيحتاج إلى دليل، ولا يبعد أن يقع ذلك لمن لم يرزق في الدنيا وفقد العافية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو يزرع‏)‏ ‏"‏ أو ‏"‏ للتنويع لأن الزرع غير الغرس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مسلم‏)‏ كذا للنسفي وجماعة، ولأبي ذر والأصيلي وكريمة ‏"‏ وقال لنا مسلم ‏"‏ وهو ابن إبراهيم، وأبان هو ابن يزيد العطار، والبخاري لا يخرج له إلا استشهادا، ولم أر له في كتابه شيئا موصولا إلا هذا، ونظيره عنده حماد بن سلمة فإنه لا يخرج له إلا استشهادا ووقع عنده في الرقاق ‏"‏ قال لنا أبو الوليد حدثنا حماد بن سلمة ‏"‏ وهذه الصيغة وهي‏:‏ ‏"‏ قال لنا ‏"‏ يستعملها البخاري - على ما استقرئ من كتابه - في الاستشهادات غالبا، وربما استعملها في الموقوفات‏.‏

ثم إنه ذكر هنا إسناد أبان ولم يسق متنه، لأن غرضه منه التصريح بالتحديث من قتادة عن أنس‏.‏

وقد أخرجه مسلم عن عبد بن حميد عن مسلم بن إبراهيم المذكور بلفظ ‏"‏ أن نبي الله رأى نخلا لأم مبشر امرأة من الأنصار فقال‏:‏ من غرس هذا النخل، أمسلم أم كافر‏؟‏ فقالوا‏:‏ مسلم، قال بنحو حديثهم ‏"‏ كذا عند مسلم‏.‏

فأحال به على ما قاله، وقد بينه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من وجه آخر عن مسلم بن إبراهيم وباقيه ‏"‏ فقال لا يغرس مسلم غرسا فيأكل منه إنسان أو طير أو دابة إلا كان له صدقة ‏"‏ وأخرج مسلم هذا الحديث عن جابر من طرق منها بلفظ ‏"‏ سبع ‏"‏ بدل بهيمة، وفيها ‏"‏ إلا كان له صدقة فيها أجر ‏"‏ ومنها ‏"‏ أم مبشر أو أم معبد ‏"‏ على الشك، وفي أخرى ‏"‏ أم معبد ‏"‏ بغير شك، وفي أخرى ‏"‏ امرأة زيد بن حارثة ‏"‏‏:‏ وهي واحدة لها كنيتان وقيل اسمها خليدة، وفي أخرى ‏"‏ عن جابر عن أم مبشر ‏"‏ جعله من مسندها‏.‏

وفي الحديث فضل الغرس والزرع والحض على عمارة الأرض، ويستنبط منه اتخاذ الضيعة والقيام عليها‏.‏

وفيه فساد قول من أنكر ذلك من المتزهدة وحمل ما ورد من التنفير عن ذلك على ما إذا شغل عن أمر الدين، فمنه حديث ابن مسعود مرفوعا ‏"‏ لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا ‏"‏ الحديث، قال القرطبي‏:‏ يجمع بينه وبين حديث الباب بحمله على الاستكثار والاشتغال به عن أمر الدين، وحمل حديث الباب على اتخاذها للكفاف أو لنفع المسلمين بها وتحصيل ثوابها‏.‏

وفي رواية لمسلم ‏"‏ إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة ‏"‏ ومقتضاه أن أجر ذلك يستمر ما دام الغرس أو الزرع مأكولا منه ولو مات زارعه أو غارسه ولو انتقل ملكه إلى غيره، وظاهر الحديث أن الأجر يحصل لمتعاطي الزرع أو الغرس ولو كان ملكه لغيره لأنه أضافه إلى أم مبشر ثم سألها عمن غرسه، قال الطيبي‏:‏ نكر مسلما وأوقعه في سياق النفي وزاد من الاستغراقية وعم الحيوان ليدل على سبيل الكناية على أن أي مسلم كان حرا أو عبدا مطيعا أو عاصيا يعمل أي عمل من المباح ينتفع بما عمله أي حيوان كان يرجع نفعه إليه ويثاب عليه‏.‏

وفيه جواز نسبة الزرع إلى الآدمي، وقد ورد في المنع منه حديث غير قوي أخرجه ابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة مرفوعا‏:‏ لا يقل أحدكم زرعت، ولكن ليقل حرثت، ألم تسمع لقول الله تعالى‏:‏ ‏(‏أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون‏)‏ ورجاله ثقات، إلا أن مسلم بن أبي مسلم الجرمي قال فيه ابن حبان ربما أخطأ‏.‏

وروي عبد بن حميد من طريق أبي عبد الرحمن السلمي بمثله من قوله غير مرفوع، واستنبط منه المهلب أن من زرع في أرض غيره كان الزرع للزارع وعليه لرب الأرض أجرة مثلها، وفي أخذ هذا الحكم من هذا الحديث بعد، وقد تقدم الكلام على أفضل المكاسب في كتاب البيوع‏.‏

والله الموفق‏.‏

*3*باب مَا يُحَذَّرُ مِنْ عَوَاقِبِ الِاشْتِغَالِ بِآلَةِ الزَّرْعِ أَوْ مُجَاوَزَةِ الْحَدِّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع أو مجاوزة الحد الذي أمر به‏)‏ هكذا للأصيلي وكريمة، ولابن شبويه ‏"‏ أو تجاوز ‏"‏ وللنسفي وأبي ذر ‏"‏ جاوز ‏"‏ والمراد بالحد ما شرع، أعم من أن يكون واجبا أو مندوبا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ الْحِمْصِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ وَرَأَى سِكَّةً وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الذُّلَّ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَاسْمُ أَبِي أُمَامَةَ صُدَيُّ بْنُ عَجْلَانَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن سالم‏)‏ هو الحمصي يكنى أبا يوسف وليس له ولا لشيخه في هذا الصحيح غير هذا الحديث، والألهاني بفتح الهمزة، ورجال الإسناد كلهم شاميون وكلهم حمصيون إلا شيخ البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي أمامة‏)‏ في رواية أبي نعيم في المستخرج ‏"‏ سمعت أبا أمامة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سكة‏)‏ بكسر المهملة هي الحديدة التي تحرث بها الأرض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا أدخله الله الذل‏)‏ أي رواية الكشميهني ‏"‏ إلا دخله الذل ‏"‏ وفي رواية أبي نعيم المذكورة ‏"‏ إلا أدخلوا على أنفسهم ذلا لا يخرج عنهم إلى يوم القيامة ‏"‏ والمراد بذلك ما يلزمهم من حقوق الأرض التي تطالبهم بها الولاة، وكان العمل في الأراضي أول ما افتتحت على أهل الذمة فكان الصحابة يكرهون تعاطي ذلك‏.‏

قال ابن التين‏:‏ هذا من إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات، لأن المشاهد الآن أن أكثر الظلم إنما هو على أهل الحرث‏.‏

وقد أشار البخاري بالترجمة إلى الجمع بين حديث أبي أمامة والحديث الماضي في فضل الزرع والغرس وذلك بأحد أمرين‏:‏ إما أن يحمل ما ورد من الذم على عاقبة ذلك ومحله ما إذا اشتغل به فضيع بسببه ما أمر بحفظه، وإما أن يحمل على ما إذا لم يضيع إلا أنه جاوز الحد فيه‏.‏

والذي يظهر أن كلام أبي أمامة محمول على من يتعاطى ذلك بنفسه، أما من له عمال يعملون له وأدخل داره الآلة المذكورة لتحفظ لهم فليس مرادا، ويمكن الحمل على عمومه فإن الذل شامل لكل من أدخل على نفسه ما يستلزم مطالبة آخر له، ولا سيما إذا كان المطالب من الولاة‏.‏

وعن الداودي هذا لمن يقرب من العدو، فإنه إذا اشتغل بالحرث لا يشتغل بالفروسية فيتأسد عليه العدو، فحقهم أن يشتغلوا بالفروسية وعلى غيرهم إمدادهم بما يحتاجون إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏:‏ اسم أبي أمامة صدي بن عجلان الخ‏)‏ كذا وقع للمستملي وحده‏.‏

قلت‏:‏ وليس لأبي أمامة في البخاري سوى هذا الحديث، وحديث آخر في الأطعمة، وله حديث آخر في الجهاد من قوله يدخل في حكم المرفوع‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ لِلْحَرْثِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب اقتناء الكلب للحرث‏)‏ الاقتناء بالقاف افتعال من القنية بالكسر وهي الاتخاذ؛ قال ابن المنير‏:‏ أراد البخاري إباحة الحرث بدليل إباحة اقتناء الكلاب المنهي عن اتخاذها لأجل الحرث، فإذا رخص من أجل الحرث في الممنوع من اتخاذه كان أقل درجاته أن يكون مباحا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ إِلَّا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا كَلْبَ غَنَمٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ صَيْدٍ وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سلمة عن أبي هريرة‏)‏ في رواية مسلم من طريق الأوزاعي ‏"‏ حدثني يحيي بن أبي كثير حدثني أبو سلمة حدثني أبو هريرة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أمسك كلبا‏)‏ في رواية سفيان بن أبي زهير ثاني حديثي الباب ‏"‏ من اقتنى كلبا ‏"‏ وهو مطابق للترجمة، ومفسر للإمساك الذي هو في هذه الرواية، ورواه أحمد ومسلم من طريق الزهري عن أبي سلمة بلفظ ‏"‏ من ‏"‏ اتخذ كلبا إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية ‏"‏ وأخرجه مسلم والنسائي من وجه آخر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ من اقتنى كلبا ليس كلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان ‏"‏ فأما زيادة الزرع فقد أنكرها ابن عمر، ففي مسلم من طريق عمرو بن دينار عنه ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم ‏"‏ فقيل لابن عمر‏:‏ إن أبا هريرة يقول ‏"‏ أو كلب زرع ‏"‏ فقال ابن عمر‏:‏ إن لأبي هريرة ‏"‏ زرعا ‏"‏ ويقال أن ابن عمر أراد بذلك الإشارة إلى تثبيت رواية أبي هريرة وأن سبب حفظه لهذه الزيادة دونه أنه كان صاحب زرع دونه، ومن كان مشتغلا بشيء احتاج إلى تعرف أحكامه، وقد روى مسلم أيضا من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا ‏"‏ من اقتنى كلبا ‏"‏ الحديث، قال سالم‏:‏ وكان أبو هريرة يقول‏:‏ ‏"‏ أو كلب حرث ‏"‏ وكان صاحب حرث، وأصله للبخاري في الصيد دون الزيادة، وقد وافق أبا هريرة على ذكر الزرع سفيان بن أبي زهير كما تراه في هذا الباب، وعبد الله بن مغفل وهو عند مسلم في حديث أوله ‏"‏ أمر بقتل الكلاب ورخص في كلب الغنم والصيد والزرع‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو ماشية‏)‏ ‏"‏ أو ‏"‏ للتنويع لا للترديد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن سيرين وأبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إلا كلب غنم أو حرث أو صيد‏)‏ ، أما رواية ابن سيرين فلم أقف عليها بعد التتبع الطويل، وأما رواية أبي صالح فوصلها أبو الشيخ عبد الله بن محمد الأصبهاني في ‏"‏ كتاب الترغيب ‏"‏ له من طريق الأعمش عن أبي صالح ومن طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو حرث فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراطا ‏"‏ لم يقل سهيل ‏"‏ أو حرث‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو حازم عن أبي هريرة‏:‏ كلب ماشية أو صيد‏)‏ وصلها أبو الشيخ أيضا من طريق زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت عن أبي حازم بلفظ ‏"‏ أيما أهل دار ربطوا كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية نقص من أجرهم كل يوم قيراطان ‏"‏ قال ابن عبد البر‏:‏ في هذا الحديث إباحة اتخاذ الكلاب للصيد والماشية، وكذلك الزرع لأنها زيادة حافظ، وكراهة اتخاذها لغير ذلك، إلا أنه يدخل في معنى الصيد وغيره مما ذكر اتخاذها لجلب المنافع ودفع المضار قياسا، فتمحض كراهة اتخاذها لغير حاجة لما فيه من ترويع الناس وامتناع دخول الملائكة للبيت الذي هم فيه‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏"‏ نقص من عمله ‏"‏ - أي من أجر عمله - ما يشير إلى أن اتخاذها ليس بمحرم، لأن ما كان اتخاذه محرما امتنع اتخاذه على كل حال سواء نقص الأجر أو لم ينقص، فدل ذلك على أن اتخاذها مكروه لا حرام‏.‏

قال‏:‏ ووجه الحديث عندي أن المعاني المتعبد بها في الكلاب من غسل الإناء سبعا لا يكاد يقوم بها المكلف ولا يتحفظ منها فربما دخل عليه باتخاذها ما ينقص أجره من ذلك‏.‏

ويروى أن المنصور سأل عمرو بن عبيد عن سبب هذا الحديث فلم يعرفه فقال المنصور‏:‏ لأنه ينبح الضيف، ويروع السائل ا هـ‏.‏

وما ادعاه من عدم التحريم واستند له بما ذكره ليس بلازم، بل يحتمل أن تكون العقوبة تقع بعدم التوفيق للعمل بمقدار قيراط مما كان يعمله من الخير لو لم يتخذ الكلب، ويحتمل أن يكون الاتخاذ حراما، والمراد بالنقص أن الإثم الحاصل باتخاذه يوازي قدر قيراط أو قيراطين من أجر فينقص من ثواب عمل المتخذ قدر ما يترتب عليه من الإثم باتخاذه وهو قيراط أو قيراطان، وقيل سبب النقصان امتناع الملائكة من دخول بيته أو ما يلحق المارين من الأذى، أو لأن بعضها شياطين، أو عقوبة لمخالفة النهي، أو لولوغها في الأواني عند غفلة صاحبها فربما يتنجس الطاهر منها، فإذا استعمل في العبادة لم يقع موقع الطاهر‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ المراد أنه لو لم يتخذه لكان عمله كاملا، فإذا اقتناه نقصن من ذلك العمل، ولا يجوز أن ينقص من عمل مضى وإنما أراد أنه ليس عمله في الكمال عمل من لم يتخذه ا هـ‏.‏

وما ادعاه من عدم الجواز منازع فيه، فقد حكى الروياني في ‏"‏ البحر ‏"‏ اختلافا في الأجر هل ينقص من العمل الماضي أو المستقبل، وفي محصل نقصان القيراطين فقيل من عمل النهار قيراط ومن عمل الليل آخر وقيل من الفرض قيراط ومن النفل آخر، وفي سبب النقصان يعني كما تقدم، واختلفوا في اختلاف الروايتين في القيراطين والقيراط فقيل‏:‏ الحكم الزائد لكونه حفظ ما لم يحفظه الآخر أو أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أولا بنقص قيراط واحد فسمعه الراوي الأول ثم أخبر ثانيا بنقص قيراطين في التأكيد في التنفير من ذلك فسمعه الراوي الثاني‏.‏

وقيل ينزل على حالين‏:‏ فنقصان القيراطين باعتبار كثرة الأضرار باتخاذها، ونقص القيراط باعتبار قلته‏.‏

وقيل يختص نقص القيراطين بمن اتخذها بالمدينة الشريفة خاصة والقيراط بما عداها، وقيل يلتحق بالمدينة في ذلك سائر المدن والقرى ويختص القيراط بأهل البوادي، وهو يلتفت إلى معنى كثرة التأذي وقلته‏.‏

وكذا من قال يحتمل أن يكون في نوعين من الكلاب‏:‏ ففيما لابسه آدمي قيراطان وفيما دونه قيراط‏.‏

وجوز ابن عبد البر أن يكون القيراط الذي ينقص أجر إحسانه إليه لأنه من جملة ذوات الأكباد الرطبة أو الحرى، ولا يخفى بعده‏.‏

واختلف في القيراطين المذكورين هنا هل هما كالقيراطين المذكورين في الصلاة على الجنازة واتباعها‏؟‏ فقيل بالتسوية، وقيل اللذان في الجنازة من باب الفضل واللذان هنا من باب العقوبة وباب الفضل أوسع من غيره، والأصح عن الشافعية إباحة اتخاذ الكلاب لحفظ الدرب إلحاقا للمنصوص بما في معناه كما أشار إليه ابن عبد البر، واتفقوا على أن المأذون في اتخاذه ما لم يحصل الاتفاق على قتله وهو الكلب العقور، وأما غير العقور فقد اختلف هل يجوز قتله مطلقا أم لا‏؟‏ واستدل به على جواز تربية الجرو الصغير لأجل المنفعة التي يؤول أمره إليها إذا كبر، ويكون القصد لذلك قائما مقام وجود المنفعة به كما يجوز بيع ما لم ينتفع به في الحال لكونه ينتفع به في المآل، واستدل به على طهارة الكلب الجائز اتخاذه لأن في ملابسته مع الاحتراز عنه مشقة شديدة، فالإذن في اتخاذه إذن في مكملات مقصوده، كما أن المنع من لوازمه مناسب للمنع منه، وهو استدلال قوي لا يعارضه إلا عموم الخبر الوارد في الأمر من غسل ما ولغ فيه الكلب من غير تفصيل، وتخصيص العموم غير مستنكر إذا سوغه الدليل‏.‏

وفي الحديث الحث على تكثير الأعمال الصالحة، والتحذير من العمل بما ينقصها، والتنبيه على أسباب الزيادة فيها والنقص منها لتجتنب أو ترتكب، وبيان لطف الله تعالى بخلقه في إباحة ما لهم به نفع، وتبليغ نبيهم صلى الله عليه وسلم لهم أمور معاشهم ومعادهم، وفيه ترجيح المصلحة الراجحة على المفسدة لوقوع استثناء ما ينتفع به مما حرم اتخاذه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ رَجُلًا مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ قُلْتُ أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِي وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يزيد بن خصيفة‏)‏ بالمعجمة ثم المهملة ثـم الفاء مصغر، و ‏(‏السائب بن يزيد‏)‏ صحابي صغير مشهور، ورجال الإسناد كلهم مدنيون بالأصالة إلا شيخ البخاري وقد أقام بالمدينة مدة، وفيه رواية صحابي عن صحابي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أزد شنوءة‏)‏ بفتح المعجمة وضم النون بعدها واو ساكنة ثم همزة مفتوحة، وهي قبيلة مشهورة نسبوا إلى شنوءة واسمه الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن النضر بن الأزد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلت أنت سمعت هذا‏)‏ فيه التثبت في الحديث‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏(‏أي ورب هذا المسجد‏)‏ القسم للتوكيد وإن كان السامع مصدقا‏.‏

*3*باب اسْتِعْمَالِ الْبَقَرِ لِلْحِرَاثَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب استعمال البقر للحراثة‏)‏ أورد فيه حديث أبي هريرة في قول البقرة ‏"‏ لم أخلق لهذا إنما خلقت للحراثة ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه في المناقب فإن سياقه هناك أتم من سياقه هنا، وفيه سبب قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ آمنت بذلك ‏"‏ وهو حيث تعجب الناس من ذلك، ويأتي هناك أيضا الكلام على اختلافهم في قوله‏:‏ ‏"‏ يوم السبع ‏"‏ وهل هي بضم الموحدة أو إسكاتها وما معناها‏؟‏ قال ابن بطال‏:‏ في هذا الحديث حجة على من منع أكل الخيل مستدلا بقوله تعالى ‏(‏لتركبوها‏)‏ فإنه لو كان ذلك دالا على منع أكلها لدل هذا الخبر على منع أكل البقر، لقوله في هذا الحديث ‏"‏ إنما خلقت للحرث ‏"‏ وقد اتفقوا على جواز أكلها فدل على أن المراد بالعموم المستفاد من جهة الامتنان في قوله ‏(‏لتركبوها‏)‏ والمستفاد من صيغة إنما في قوله‏:‏ ‏"‏ إنما خلقت للحرث ‏"‏ عموم مخصوص‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى بَقَرَةٍ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا خُلِقْتُ لِلْحِرَاثَةِ قَالَ آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَخَذَ الذِّئْبُ شَاةً فَتَبِعَهَا الرَّاعِي فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي قَالَ آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ وَمَا هُمَا يَوْمَئِذٍ فِي الْقَوْمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب استعمال البقر للحراثة‏)‏ أورد فيه حديث أبي هريرة في قول البقرة ‏"‏ لم أخلق لهذا إنما خلقت للحراثة ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه في المناقب فإن سياقه هناك أتم من سياقه هنا، وفيه سبب قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ آمنت بذلك ‏"‏ وهو حيث تعجب الناس من ذلك، ويأتي هناك أيضا الكلام على اختلافهم في قوله‏:‏ ‏"‏ يوم السبع ‏"‏ وهل هي بضم الموحدة أو إسكاتها وما معناها‏؟‏ قال ابن بطال‏:‏ في هذا الحديث حجة على من منع أكل الخيل مستدلا بقوله تعالى ‏(‏لتركبوها‏)‏ فإنه لو كان ذلك دالا على منع أكلها لدل هذا الخبر على منع أكل البقر، لقوله في هذا الحديث ‏"‏ إنما خلقت للحرث ‏"‏ وقد اتفقوا على جواز أكلها فدل على أن المراد بالعموم المستفاد من جهة الامتنان في قوله ‏(‏لتركبوها‏)‏ والمستفاد من صيغة إنما في قوله‏:‏ ‏"‏ إنما خلقت للحرث ‏"‏ عموم مخصوص‏.‏

*3*باب إِذَا قَالَ اكْفِنِي مَئُونَةَ النَّخْلِ وَغَيْرِهِ وَتُشْرِكُنِي فِي الثَّمَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا قال اكفني مؤنة النخل وغيره‏)‏ أي كالعنب ‏(‏وتشركني في الثمر‏)‏ أي تكون الثمرة بيننا، ويجوز في ‏"‏ تشركني ‏"‏ فتح أوله وثالثه وضم أوله وكسر ثالثه، بخلاف قوله‏:‏ ‏"‏ ونشرككم ‏"‏ فإنه بفتح أوله وثالثه حسب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَتْ الْأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ قَالَ لَا فَقَالُوا تَكْفُونَا الْمَئُونَةَ وَنَشْرَكْكُمْ فِي الثَّمَرَةِ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت الأنصار‏)‏ أي حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وسيأتي في الهبة من حديث أنس قال‏:‏ ‏"‏ لما قدم المهاجرون المدينة قاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم ويكفوهم المؤنة والعمل ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏النخيل‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ النخل ‏"‏ والنخيل جمع نخل كالعبيد جمع عبد وهو جمع نادر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المؤنة‏)‏ أي العمل في البساتين من سقيها والقيام عليها، قال المهلب‏:‏ إنما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا ‏"‏ لأنه علم أن الفتوح ستفتح عليهم فكره أن يخرج شيء من عقار الأنصار عنهم، فلما فهم الأنصار ذلك جمعوا بين المصلحتين‏:‏ امتثال ما أمرهم به، وتعجيل مواساة إخوانهم المهاجرين، فسألوهم أن يساعدوهم في العمل ويشركوهم في الثمر‏.‏

قال‏:‏ وهذه هي المساقاة بعينها‏.‏

وتعقبه ابن التن بأن المهاجرين كانوا ملكوا من الأنصار نصيبا من الأرض والمال باشتراط النبي صلى الله عليه وسلم على الأنصار مواساة المهاجرين ليلة العقبة، قال فليس ذلك من المساقاة في شيء، وما ادعاه مردود لأنه شيء لم يقم عليه دليلا؛ ولا يلزم من اشتراط المواساة ثبوت الاشتراك في الأرض، ولو ثبت بمجرد ذلك لم يبق لسؤالهم لذلك ورده عليهم معنى، وهذا واضح بحمد الله تعالى‏.‏

*3*باب قَطْعِ الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ

وَقَالَ أَنَسٌ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قطع الشجر والنخل‏)‏ أي للحاجة والمصلحة إ ذا تعينت طريقا في نكاية العدو ونحو ذلك‏.‏

وخالف في ذلك بعض أهل العلم فقالوا لا يجوز قطع الشجر المثمر أصلا، وحملوا ما ورد من ذلك إما على غير المثمر وإما على أن الشجر الذي قطع في قصة بني النضير كان في الموضع الذي يقع فيه القتال، وهو قول الأوزاعي والليث وأبي ثور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أنس أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنخل فقطع‏)‏ هو طرف من حديث بناء المسجد النبوي، وقد تقدم موصولا في المساجد، ويأتي الكلام عليه في أول الهجرة، وهو شاهد للجواز لأجل الحاجة، ثم ذكر المصنف حديث ابن عمر في تحريق نخل بني النضير، وهو شاهد للجواز لأجل نكاية العدو، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب المغازي بين بدر وأحد، وفي كتاب تفسير سورة الحشر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ

الشرح‏:‏

و ‏(‏البويرة‏)‏ بضم الموحدة مصغر موضع معروف، و ‏(‏سراة‏)‏ بفتح المهملة و ‏(‏مستطير‏)‏ أي منتشر‏.‏

وأورد القابسي البيت المذكور مخروما بحذف الواو من أوله‏.‏

*3*باب

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ سَمِعَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ قَالَ كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُزْدَرَعًا كُنَّا نُكْرِي الْأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا مُسَمًّى لِسَيِّدِ الْأَرْضِ قَالَ فَمِمَّا يُصَابُ ذَلِكَ وَتَسْلَمُ الْأَرْضُ وَمِمَّا يُصَابُ الْأَرْضُ وَيَسْلَمُ ذَلِكَ فَنُهِينَا وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا للجميع بغير ترجمة، وهو بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله‏.‏

وأورد فيه حديث رافع بن خديج ‏"‏ كنا نكري الأرض بالناحية منها، وسيأتي الكلام عليه مستوفى بعد أربعة أبواب، وقد استنكر ابن بطال دخوله في هذا الباب قال‏:‏ وسألت المهلب عنه فقال‏:‏ يمكن أن يؤخذ من جهة أنه من اكترى أرضا ليزرع فيها ويغرس فانقضت المدة فقال له صاحب الأرض اقلع شجرك عن أرضي كان له ذلك، فيدخل بهذه الطريق في إباحة قطع الشجر‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ الذي يظهر أن غرضه الإشارة به إلى أن القطع الجائز هو المسيب للمصلحة كنكاية الكفار أو الانتفاع بالخشب أو نحوه، والمنكر هو الذي عن العبث والإفساد، ووجه أخذه من حديث رافع بن خديج أن الشارع نهى عن المخاطرة في كراء الأرض إبقاء على منفعتها من الضياع مجانا في عواقب المخاطرة، فإذا كان ينهى عن تضييح منفعتها وهي غير محققة ولا مشخصة فلأن ينهى عن تضييع عينها بقطع أشجارها عبثا أجدر وأولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نكري‏)‏ بضم أوله من الرباعي‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏لسيد الأرض‏)‏ أي مالكها‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏بالناحية منها مسمى‏)‏ ذكره على إرادة البعض أو باعتبار الزرع‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فمما يصاب ذلك وتسلم الأرض ومما يصاب الأرض ويسلم ذلك‏)‏ ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ فمهما ‏"‏ في الموضعين والأول أولى ومعناه فكثيرا ما يصاب، وقد تقدم توجيهه في الكلام على قوله‏:‏ ‏"‏ وكان مما يحرك شفتيه ‏"‏ في بدء الوحي من كلام ابن مالك‏.‏

وزاد الكرماني هنا‏:‏ يحتمل أن تكون مما بمعنى ربما لأن حروف الجر تتناوب ولا سيما ‏"‏ من ‏"‏ التبعيضية تناسب ‏"‏ رب ‏"‏ التقليلية، وعلى هذا لا يحتاج أن يقال إن لفظ ذلك من باب وضع المظهر موضع المضمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأما الذهب والورق‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ والفضة ‏"‏ بدل الورق‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فلم يكن يومئذ‏)‏ أي يكرى بهم، ولم يرد نفي وجودهما‏.‏

ولم يتعرض في هذه الرواية لحكم المسألة وسيأتي بيانه بعد عشرة أبواب إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب الْمُزَارَعَةِ بِالشَّطْرِ وَنَحْوِهِ

وَقَالَ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ إِلَّا يَزْرَعُونَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَزَارَعَ عَلِيٌّ وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاسِمُ وَعُرْوَةُ وَآلُ أَبِي بَكْرٍ وَآلُ عُمَرَ وَآلُ عَلِيٍّ وَابْنُ سِيرِينَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ كُنْتُ أُشَارِكُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ فِي الزَّرْعِ وَعَامَلَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى إِنْ جَاءَ عُمَرُ بِالْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُ الشَّطْرُ وَإِنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ فَلَهُمْ كَذَا وَقَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا فَيُنْفِقَانِ جَمِيعًا فَمَا خَرَجَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَرَأَى ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ وَقَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ أَنْ يُجْتَنَى الْقُطْنُ عَلَى النِّصْفِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَالْحَكَمُ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الثَّوْبَ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ وَنَحْوِهِ وَقَالَ مَعْمَرٌ لَا بَأْسَ أَنْ تَكُونَ الْمَاشِيَةُ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب المزارعة بالشطر ونحوه‏)‏ راعي المصنف لفظ الشطر لوروده في الحديث، وألحق غيره لتساويهما في المعني، ولولا مراعاة لفظ الحديث لكان قوله المزارعة بالجزء أخصر وأبين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال قيس بن مسلم‏)‏ هو الكوفي ‏(‏عن أبي جعفر‏)‏ هو محمد بن علي بن الحسين الباقر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع‏)‏ الواو عاطفة على الفعل لا على المجرور، أي يزرعون على الثلث ويزرعون على الربع، أو الواو بمعني أو، وهذا الأثر وصله عبد الرزاق قال‏:‏ ‏"‏ أخبرنا الثوري قال‏:‏ أخبرنا قيس بن مسلم به ‏"‏ وحكى ابن التين أن القابسي أنكر هذا وقال‏:‏ كيف يروي قيس بن مسلم هذا عن أبي جعفر وقيس كوفي وأبو جعفر مدني ولا يرويه عن أبي جعفر أحد من المدنيين‏؟‏ وهو تعجب من غير عجب، وكم من ثقة تفرد بما لم يشاركه فيه ثقة آخر، وإذا كان الثقة حافظا لم يضره الانفراد‏.‏

والواقع أن قيسا لم ينفرد به فقد وافقه غيره في بعض معناه كما سيأتي قريبا‏.‏

ثم حكى ابن التين عن القابسي أغرب من ذلك فقال‏:‏ إنما ذكر البخاري هذه الآثار في هذا الباب ليعلم أنه لم يصح في المزارعة على الجزء حديث مسند، وكأنه غفل عن آخر حديث في الباب وهو حديث ابن عمر في ذلك وهو معتمد من قال بالجواز، والحق أن البخاري إنما أراد بسياق هذه الآثار الإشارة إلى أن الصحابة لم ينقل عنهم خلاف في الجواز خصوصا أهل المدينة، فيلزم من يقدم عملهم على الأخبار المرفوعة أن يقولوا بالجواز على قاعدتهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزارع علي وابن مسعود وسعد بن مالك وعمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وآل أبي بكر وآل عمر وآل علي وابن سيرين‏)‏ ، أما أثر علي فوصله ابن أبي شيبة من طريق عمرو بن صليع عنه ‏"‏ أنه لم ير بأسا بالمزارعة على النصف‏"‏، وأما أثر ابن مسعود وسعد بن مالك - وهو سعد بن أبي وقاص - فوصلهما ابن أبي شيبة أيضا من طريق موسى بن طلحة قال‏:‏ ‏"‏ كان سعد بن مالك وابن مسعود يزارعان بالثلث والربع ‏"‏ ووصله سعيد بن منصور من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ أن عثمان بن عفان أقطع خمسة من الصحابة الزبير وسعدا وابن مسعود وخبابا وأسامة بن زيد، قال‏:‏ فرأيت جاري ابن مسعود وسعدا يعطيان أرضيهما بالثلث‏"‏‏.‏

وأما أثر عمر بن عبد العزيز فوصله ابن أبي شيبة من طريق خالد الحذاء ‏"‏ أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطاة أن يزارع بالثلث والربع ‏"‏ وروينا في ‏"‏ الخراج ليحيى بن آدم ‏"‏ بإسناده إلى عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عامله‏:‏ انظر ما قبلكم من أرض فأعطوها بالمزارعة على النصف وإلا فعلى الثلث حتى تبلغ العشر‏.‏

فإن لم يزرعها أحد فامنحها، وإلا فأنفق عليها من مال المسلمين، ولا تبيرن قبلك أرضا‏"‏‏.‏

وأما أثر القاسم بن محمد فوصله عبد الرزاق قال‏:‏ ‏"‏ سمعت هشاما يحدث أن ابن سيرين أرسله إلى القاسم بن محمد ليسأله عن رجل قال لآخر‏:‏ اعمل في حائطي هذا ولك الثلث والربع، قال‏:‏ لا بأس، قال فرجعت إلى ابن سيرين فأخبرته فقال‏:‏ هذا أحسن ما يصنع في الأرض‏"‏‏.‏

وروى النسائي من طريق ابن عون قال‏:‏ ‏"‏ كان محمد يعني ابن سيرين يقول‏:‏ الأرض عندي مثل المال المضاربة، فما صلح في المال المضاربة صلح في الأرض وما لم يصلح في المال المضاربة لم يصلح في الأرض‏.‏

قال‏:‏ وكان لا يرى بأسا أن يدفع أرضه إلى الأكار على أن يعمل فيها بنفسه وولده وأعوانه وبقره ولا ينفق شيئا وتكون النفقة كلها من رب الأرض‏"‏‏.‏

وأما أثر عروة وهو ابن الزبير فوصله ابن أبي شيبة أيضا‏.‏

وأما أثر أبي بكر ومن ذكر معهم فروى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق من طريق أخرى إلى أبي جعفر الباقر أنه ‏"‏ سئل عن المزارعة بالثلث والربع فقال‏:‏ إني إن نظرت في آل أبي بكر وآل عمر وآل علي وجدتهم يفعلون ذلك ‏"‏ وأما أثر ابن سيرين فتقدم مع القاسم بن محمد‏.‏

وروى سعيد بن منصور من وجه آخر عنه أنه ‏"‏ كان لا يرى بأسا أن يجعل الرجل للرجل طائفة من زرعه أو حرثه على أن يكفيه مؤنتها والقيام عليها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الرحمن بن الأسود‏:‏ كنت أشارك عبد الرحمن بن يزيد في الزرع‏)‏ وصله ابن أبي شيبة وزاد فيه ‏"‏ وأحمله إلى علقمة، والأسود، فلو رأيا به بأسا لنهياني عنه ‏"‏ وروى النسائي من طريق أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود قال‏:‏ ‏"‏ كان عماي يزارعان بالثلث والربع وأنا شريكهما، وعلقمة والأسود يعلمان فلا يغيران‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعامل عمر الناس على إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر، وإن جاؤوا بالبذر فلهم كذا‏)‏ وصله ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن يحيي بن سعيد ‏"‏ أن عمر أجلى أهل نجران واليهود والنصارى واشترى بياض أرضهم وكرومهم، فعامل عمر الناس إن هم جاؤوا بالبقر والحديد من عندهم فلهم الثلثان ولعمر الثلث، وإن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر، وعاملهم في النخل على أن لهم الخمس وله الباقي، وعاملهم في الكرم على أن لهم الثلث وله الثلثان ‏"‏ وهذا مرسل، وأخرجه البيهقي من طريق إسماعيل بن أبي حكيم عن عمر بن عبد العزيز قال‏:‏ ‏"‏ لما استخلف عمر أجلي أهل نجران وأهل فدك وتيماء وأهل خيبر، واشترى عقارهم وأموالهم، واستعمل يعلى بن منية فأعطى البياض - يعني بياض الأرض - على إن كان البذر والبقر والحديد من عمر فلهم الثلث ولعمر الثلثان، وإن كان منهم فلهم الشطر وله الشطر، وأعطى النخل والعنب على أن لعمر الثلثين ولهم الثلث ‏"‏ وهذا مرسل أيضا فيتقوى أحدهما بالأخر‏.‏

وقد أخرجه الطحاوي من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ إن عمر بن الخطاب بعث يعلى بن منية إلى اليمن فأمره أن يعطيهم الأرض البيضاء ‏"‏ فذكر مثله سواء، وكأن المصنف أبهم المقدار بقوله‏:‏ ‏"‏ فلهم كذا ‏"‏ لهذا الاختلاف، لأن غرضه منه أن عمر أجاز المعاملة بالجزء‏.‏

وقد استشكل هذا الصنيع بأنه يقتضي جواز بيعتين في بيعة، لأن ظاهره وقوع العقد على إحدى الصورتين من غير تعيين، ويحتمل أن يراد بذلك التنويع والتخيير قبل العقد ثم يقع العقد على أحد الأمرين، أو أنه كان يرى ذلك جعالة فلا يضره‏.‏

نعم في إيراد المصنف هذا الأثر وغيره في هذه الترجمة ما يقتضي أنه يرى أن المزارعة والمخابرة بمعنى واحد، وهو وجه للشافعية، والوجه الآخر أنهما مختلفا المعنى‏:‏ فالمزارعة العمل في الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من المالك، والمخابرة مثلها لكن البذر من العامل‏.‏

وقد أجازهما أحمد في رواية، ومن الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر والخطابي‏.‏

وقال ابن سريج بجواز المزارعة وسكت عن المخابرة، وعكسه الجوري من الشافعية، وهو المشهور عن أحمد‏.‏

وقال الباقون لا يجوز واحد منهما، وحملوا الآثار الواردة في ذلك على المساقاة وسيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن لا بأس أن تكون الأرض لأحدهما فينتفعان جميعا، فما خرج فهو بينهما، ورأى ذلك الزهري‏.‏

وقال الحسن‏:‏ لا بأس أن يجتنى القطن على النصف‏)‏ ‏.‏

أما قول الحسن فوصله سعيد بن منصور بنحوه‏.‏

وأما قول الزهري فوصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة بنحوه‏.‏

قال ابن التين‏:‏ قول الحسن في القطن يوافق قول مالك، وأجاز أيضا أن يقول ما جنيت فلك نصفه، ومنعه بعض أصحابه‏.‏

ويمكن أن يكون الحسن أراد أنه جعالة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال إبراهيم وابن سيرين وعطاء والحكم والزهري وقتادة‏:‏ لا بأس أن يعطى الثوب بالثلث أو الربع ونحوه‏)‏ أي لا بأس أن يعطى للنساج الغزل بنسجه ويكون ثلث المنسوج له والباقي لمالك الغزل، وأطلق الثوب عليه بطريق المجاز‏.‏

وأما قول إبراهيم فوصله أبو بكر الأثرم من طريق الحكم أنه سأل إبراهيم عن الحواك يعطى الثوب على الثلث والربع فقال‏:‏ لا بأس بذلك‏.‏

وأما قول ابن سيرين فوصله ابن أبي شيبة من طريق ابن عون سألت محمدا هو ابن سيرين عن الرجل يدفع إلى النساج الثوب بالثلث أو الربع أو بما تراضيا عليه، فقال‏:‏ لا أعلم به بأسا‏.‏

وأما قول عطاء والحكم فوصلهما ابن أبي شيبة‏.‏

وأما قول الزهري فوصله ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن معمر عنه قال‏:‏ لا بأس أن يدفعه إليه بالثلث‏.‏

وأما قول قتادة فوصله ابن أبي شيبة بلفظ‏:‏ أنه كان لا يرى بأسا أن يدفع الثوب إلى النساج بالثلث‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقال معمر‏:‏ لا بأس أن تكرى الماشية على الثلث أو الربع إلى أجل مسمى‏)‏ وصله عبد الرزاق عنه بهذا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ مِائَةَ وَسْقٍ ثَمَانُونَ وَسْقَ تَمْرٍ وَعِشْرُونَ وَسْقَ شَعِيرٍ فَقَسَمَ عُمَرُ خَيْبَرَ فَخَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ مِنْ الْمَاءِ وَالْأَرْضِ أَوْ يُمْضِيَ لَهُنَّ فَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْأَرْضَ وَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْوَسْقَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ اخْتَارَتْ الْأَرْضَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ هو ابن عمر العمري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بشطر ما يخرج منها‏)‏ هذا الحديث هو عمدة من أجاز المزارعة والمخابرة لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لذلك واستمراره على عهد أبي بكر إلى أن أجلاهم عمر كما سيأتي بعد أبواب واستدل به على جواز المساقاة في النخل والكرم وجميع الشجر الذي من شأنه أن يثمر بجزء معلوم يجعل للعامل من الثمرة، وبه قال الجمهور‏.‏

وخصه الشافعي في الجديد بالنخل والكرم، وألحق المقل بالنخل لشبهه به‏.‏

وخصه داود بالنخل‏.‏

وقال أبو حنيفة وزفر‏:‏ لا يجوز بحال لأنها إجارة بثمرة معدومة أو مجهولة، وأجاب من جوزه بأنه عقد على عمل في المال ببعض نمائه فهو كالمضاربة، لأن المضارب يعمل في المال بجزء من نمائه وهو معدوم ومجهول، وقد صح عقد الإجارة مع أن المنافع معدومة فكذلك هنا‏.‏

وأيضا فالقياس في إبطال نص أو إجماع مردود‏.‏

وأجاب بعضهم عن قصة خيبر بأنها فتحت صلحا، وأقروا على أن الأرض ملكهم بشرط أن يعطوا نصف الثمرة، فكان ذلك يؤخذ بحق الجزية فلا يدل على جواز المساقاة‏.‏

وتعقب بأن معظم خيبر فتح عنوة كما سيأتي في المغازي، وبأن كثيرا منها قسم بين الغانمين كما سيأتي، وبأن عمر أجلاهم منها‏.‏

فلو كانت الأرض ملكهم ما أجلاهم عنها‏.‏

واستدل من أجازه في جميع الثمر بأن في بعض طرق حديث الباب ‏"‏ بشطر ما يخرج منها من نخل وشجر ‏"‏ وفي رواية حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر في حديث الباب ‏"‏ على أن لهم الشطر من كل زرع ونخل وشجر ‏"‏ وهو عند البيهقي من هذا الوجه، واستدل بقوله على شطر ما يخرج منها لجواز المساقاة بجزء معلوم لا مجهول، واستدل به على جواز إخراج البذر من العامل أو المالك لعدم تقييده في الحديث بشيء من ذلك، واحتج من منع بأن العامل حينئذ كأنه باع البذر من صاحب الأرض بمجهول من الطعام نسيئة وهو لا يجوز، وأجاب من أجازه بأنه مستثنى من النهي عن بيع الطعام بالطعام نسيئة جمعا بين الحديثين وهو أولى من إلغاء أحدهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكان يعطي أزواجه مائة وسق‏:‏ ثمانون وسق تمر وعشرون وسق شعير‏)‏ كذا للأكثر بالرفع على القطع والتقدير منها ثمانون ومنها عشرون، وللكشميهني ‏"‏ ثمانين وعشرين ‏"‏ على البدل، وإنما كان عمر يعطيهن ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ ما تركت بعد نفقة نسائي فهو صدقة ‏"‏ وسيأتي في بابه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقسم عمر‏)‏ أي خيبر، صرح بذلك أحمد في روايته عن ابن نمير عن عبيد الله بن عمر، وسيأتي بعد أبواب من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ أن عمر أجلي اليهود والنصارى من أرض الحجاز ‏"‏ وسيأتي ذكر السبب في ذلك في كتاب الشروط إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب إِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ السِّنِينَ فِي الْمُزَارَعَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم يشرط السنين في المزارعة‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عمر المذكور في الباب قبله من طريق يحيي بن سعيد عن عبيد الله مختصرا، وقد سبق ما فيه‏.‏

قال ابن التين‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏ إذا لم يشترط السنين ‏"‏ ليس بواضح من الخبر الذي ساقه‏.‏

كذا قال، ووجه ما ترجم به الإشارة إلى أنه لم يقع في شيء من طرق هذا الحديث مقيدا بسنين معلومة‏.‏

وقد ترجم له بعد أبواب ‏"‏ إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله ولم يذكر أجلا معلوما فهما على تراضيهما ‏"‏ وساق الحديث وفيه قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏نقركم ما شئنا ‏"‏ هو ظاهر فيما ترجم له، وفيه دليل على جواز دفع النخل مساقاة والأرض مزارعة من غير ذكر سنين معلومة فيكون للمالك أن يخرج العامل متي شاء، وقد أجاز ذلك من أجاز المخابرة والمزارعة‏.‏

وقال أبو ثور‏:‏ إذا أطلقا حمل على سنة واحدة، وعن مالك‏:‏ إذا قال ساقيتك كل سنة بكذا جاز ولو لم يذكر أمدا وحمل قصة خيبر على ذلك، واتفقوا على أن الكري لا يجوز إلا بأجل معلوم وهو من العقود اللازمة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ عَامَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم يشرط السنين في المزارعة‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عمر المذكور في الباب قبله من طريق يحيي بن سعيد عن عبيد الله مختصرا، وقد سبق ما فيه‏.‏

قال ابن التين‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏ إذا لم يشترط السنين ‏"‏ ليس بواضح من الخبر الذي ساقه‏.‏

كذا قال، ووجه ما ترجم به الإشارة إلى أنه لم يقع في شيء من طرق هذا الحديث مقيدا بسنين معلومة‏.‏

وقد ترجم له بعد أبواب ‏"‏ إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله ولم يذكر أجلا معلوما فهما على تراضيهما ‏"‏ وساق الحديث وفيه قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏نقركم ما شئنا ‏"‏ هو ظاهر فيما ترجم له، وفيه دليل على جواز دفع النخل مساقاة والأرض مزارعة من غير ذكر سنين معلومة فيكون للمالك أن يخرج العامل متي شاء، وقد أجاز ذلك من أجاز المخابرة والمزارعة‏.‏

وقال أبو ثور‏:‏ إذا أطلقا حمل على سنة واحدة، وعن مالك‏:‏ إذا قال ساقيتك كل سنة بكذا جاز ولو لم يذكر أمدا وحمل قصة خيبر على ذلك، واتفقوا على أن الكري لا يجوز إلا بأجل معلوم وهو من العقود اللازمة‏.‏

*3*باب

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو قُلْتُ لِطَاوُسٍ لَوْ تَرَكْتَ الْمُخَابَرَةَ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ قَالَ أَيْ عَمْرُو إِنِّي أُعْطِيهِمْ وَأُغْنِيهِمْ وَإِنَّ أَعْلَمَهُمْ أَخْبَرَنِي يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَلَكِنْ قَالَ أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ خَرْجًا مَعْلُومًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا للجميع بغير ترجمة وهو بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله، وقد أورد فيه حديث ابن عباس في جواز أخذ أجرة الأرض‏.‏

ووجه دخوله في الباب الذي قبله أنه لما جازت المزارعة على أن للعامل جزءا معلوما فجواز أخذ الأجرة المعينة عليها من باب الأولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان قال عمرو‏)‏ هو ابن دينار‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة وغيره عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه‏)‏ ‏.‏

أما المخابرة فتقدم تفسيرها قبل بباب، وإدخال البخاري هذا الحديث في هذا الباب مشعر بأنه ممن يرى أن المزارعة والمخابرة بمعنى، قد رواه الترمذي من وجه آخر عن عمرو بن دينار بلفظ ‏"‏ لو تركت المزارعة ‏"‏ ويقوي ذلك قول ابن الأعرابي اللغوي‏:‏ أن أصل المخابرة معاملة أهل خيبر، فاستعمل ذلك حتى صار إذا قيل خابرهم عرف أنه عاملهم نظير معاملة أهل خيبر‏.‏

وأما قول عمرو بن دينار لطاوس ‏"‏ يزعمون ‏"‏ فكأنه أشار بذلك إلى حديث رافع بن خديج في ذلك، وقد روى مسلم والنسائي من طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قال‏:‏ ‏"‏ كان طاوس يكره أن يؤجر أرضه بالذهب والفضة، ولا يرى بالثلث والربع بأسا، فقال له مجاهد‏:‏ اذهب إلى ابن رافع بن خديج فاسمع حديثه عن أبيه، فقال‏:‏ لو أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه لم أفعله، ولكن حدثني من هو أعلم منه ابن عباس ‏"‏ فذكره‏.‏

وللنسائي أيضا من طريق عبد الكريم عن مجاهد قال‏:‏ ‏"‏ أخذت بيد طاوس فأدخلته إلى ابن رافع بن خديج فحدثه عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض، فأبي طاوس وقال‏:‏ سمعت ابن عباس لا يرى بذلك بأسا ‏"‏ وأما قوله لو تركت المخابرة فجواب‏.‏

لو محذوف، أو هي للتمني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأعينهم‏)‏ كذا للأكثر بالعين‏.‏

المهملة المكسورة من الإعانة، وللكشميهني ‏"‏ وأغنيهم ‏"‏ بالغين المعجمة الساكنة من الغنى والأول هو الصواب وكذا ثبت في رواية ابن ماجة وغيره من هذا الوجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن أعلمهم أخبرني يعني ابن عباس‏)‏ سيأتي بعد أبواب من طريق سفيان وهو الثوري عن عمرو بن دينار عن طاوس ‏"‏ قال‏:‏ قال ابن عباس ‏"‏ وكذلك أخرجه أبو داود من هذا الوجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم ينه عنه‏)‏ أي عن إعطاء الأرض بجزء مما يخرج منها، ولم يرد ابن عباس بذلك نفي الرواية المثبتة للنهي مطلقا وإنما أراد أن النهي الوارد عنه ليس على حقيقته وإنما هو على الأولوية، وقيل المراد أنه لم ينه عن العقد الصحيح وإنما نهى عن الشرط الفاسد، لكن قد وقع في رواية الترمذي ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم المزارعة ‏"‏ وهي تقوي ما أولته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن يمنح‏)‏ بفتح الهمزة والحاء على أنها تعليلية، وبكسر الهمزة وسكون الحاء على أنها شرطية والأول أشهر، وقوله‏:‏ ‏"‏ خرجا ‏"‏ أي أجرة، زاد ابن ماجة والإسماعيلي من هذا الوجه عن طاوس ‏"‏ وأن معاذ بن جبل أقر الناس عليها عندنا ‏"‏ يعني باليمن، وكأن البخاري حذف هذه الجملة الأخيرة لما فيها من الانقطاع بين طاوس ومعاذ، وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث بعد سبعة أبواب إن شاء الله تعالى‏.‏