الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)
.ذكر قتل جماعة من خفاجة: ثم إن سلطاناً أرسل إليه يقول له إن عقيلاً قد قاربوا الأنبار، ويطلب منه إنفاذ العسكر، فقال ذو السعادتين: أنا أركب وآخذ العساكر؛ ثم دافعه إلى أن فات وقت السير، فانتقض على سلطان ما دبره، فأرسل يقول: قد أخذت جماعة من عقيل؛ ثم إن ذا السعادتين صنع طعاماً كثيراً، وحضر عنده سلطان وكاتبه النصراني وجماعة من أعيان خفاجة، فأمر أصحابه بقتل كثير منهم، وقبض على سلطان وكاتبه وجماعته، ونهب بيوتهم وما فيها، وحبس سلطاناً ومن معه ببغداد، حتى شفع فيهم أبو الحسن بن مزيد، وبذل مالاً عنهم فأطلقوا. وذكر ابن نباتة وغيره هذه الحادثة. .ذكر القدح في نسب العلويين المصريين: .ذكر أخذ بني خفاجة الحجاج: .ذكر عدة حوادث: .سنة ثلاث وأربعمائة: .ذكر قتل قابوس: وكان سبب قتله أنه كان مع كثرة فضائله ومناقبه، عظيم السياسة، شديد الأخذ، قليل العفو، يقتل على الذنب اليسير، فضجر أصحابه منه، واستطالوا أيامه، واتفقوا على خلعه والقبض عليه. وكان حينئذ غائباً عن جرجان، فخفي عليه الأمر، فلم يشعر ذات ليلة إلا وقد أحاط العسكر بباب القلعة التي كان بها، وانتهبوا أمواله، ودوابه، وأرادوا استنزاله من الحصن، فقاتلهم هو ومن معه من خواصه وأصحابه، فعادوا ولم يظفروا به، ودخلوا جرجان واستولوا عليها، وعصوا عليه بها، وبعثوا إلى ابنه منوجهر، وهو بطبرستان، يعرفونه الحال، ويستدعونه ليولوه أمرهم، فأسرع السير نحوهم خوفاً من خروج الأمر عنه، فالتقوا، واتفقوا على طاعته إن هو خلع أباه، فأجابهم إلى ذلك على كرهٍ. وكان أبوه شمس المعالي قد سار نحو بسطام عند حدوث هذه الفتنة لينظر فيما تسفر عنه، فأخذوا منوجهر معهم، عازمين على قصد والده وإزعاجه من مكانه، فسار معهم مضطراً، فلما وصل إلى أبيه أذن له وحده دون غيره، فدخل عليه وعنده جمع من أصحابه المحامين عنه، فلما دخل عليه تشاكيا ما هما فيه، وعرض عليه منوجهر أن يكون بين يديه في قتال أولئك القوم ودفعهم وإن ذهبت نفسه. فرأى شمس المعالي ضد ذلك، وسهل عليه حيث صار الملك إلى ولده، فسلم إليه خاتم الملك، ووصاه بما يفعله، واتفقا على أن ينتقل هو إلى قلعة جناشك يتفرغ للعبادة إلى أن يأتيه اليقين وينفرد منوجهر بتدبير الملك. وسار إلى القلعة المذكورة مع من اختاره لخدمته، وسار منوجهر إلى جرجان، وتولى الملك وضبطه ودارى أولئك الأجناد، وهم نافرون، خائفون من شمس المعالي ما دام حياً، فما زالوا يحتالون ويجيلون الرأي حتى دخلوا إلى منوجهر وخوفوه من أبيه مثل ما جرى لهلال بن بدر مع أبيه، وقالوا له: مهما كان والدك في الحياة لا نأمن نحن ولا أنت؛ واستأذنوه في قتله، فلم يرد عليهم جواباً، فمضوا إليه إلى الدار التي هو فيها، وقد دخل إلى الطهارة متخففاً، فأخذوا ما عنده من كسوة، وكان الزمان شتاء، وكان يستغيث: أعطوني ولو جل دابة! فلم يفعلوا فمات من شدة البرد؛ وجلس ولده للعزاء، ولقب القادر بالله منوجهر فلك المعالي. ثم إن منوجهر راسل يمين الدولة، ودخل في طاعته، وخطب له على منابر بلاده، وخطب إليه أن يزوجه بعض بناته، ففعل، فقوي جنانه، وشرع في التدبير على أولئك الذين قتلوا أباه، فأبادهم بالقتل والتشريد. وكان قابوس غزير الأدب، وافر العلم، له رسائل وشعر حسن، وكان عالماً بالنجوم وغيرها من العلوم، فمن شعره: .ذكر موت ايلك الخان وولاية أخيه طغان خان: فلما توفي ولي بعده أخوه طغان، فراسل يمين الدولة وصالحه، وقال له: المصلحة للإسلام والمسلمين أن تشتغل أنت بغزو الهند، وأشتغل أنا بغزو الترك، وأن يترك بعضنا بعضاً؛ فوافق ذلك هواه، فأجابه إليه، وزال الخلاف، واشتغلا بغزو الكفار. وكان ايلك الخان خيراً، عادلاً، حسن السيرة، محباً للدين وأهله، معظماً للعلم وأهله، محسناً إليهم. .ذكر وفاة بهاء الدولة وملك سلطان الدولة: ولما توفي ولي الملك بعده ابنه سلطان الدولة أبو شجاع، وسار من أرجان إلى شيراز، وولى أخاه جلال الدولة أبا طاهر بن بهاء الدولة البصرة، وأخاه أبا الفوارس كرمان. .ذكر ولاية سليمان الأندلس الدولة الثانية: وكان سليمان أديباً شاعراً بليغاً، وأريق في أيامه دماء كثيرة لا تحد، وقد تقدم ذكر ذلك سنة أربعمائة، وكان البربر هم الحاكمين في دولته لا يقدر على خلافهم، لأنهم كانوا عامة جنده، وهم الذين قاموا معه حتى ملكوه، وقد تقدم ذكر ذلك. .ذكر عدة حوادث: وفيها تقلد الرضي الموسوي، صاحب الديوان المشهور، نقابة العلويين ببغداد، وخلع عليه سواد، وهو أول طالبي خلع عليه السواد. وفيها توفي أبو بكر الخوارزمي واسمه محمد بن موسى، الفقيه الحنفي؛ وأبو الحارث محمد بن محمد بن عمر العلوي، نقيب الكوفة، وكان يسير الحاج عشر سنين؛ وأبو عبدالله الحسن بن حامد بن علي بن مروان، الفقيه الحنبلي، وله تصانيف في الفقه؛ والقاضي أبو بكر محمد بن الطيب المتكلم الأشعري:، وكان مالكي المذهب، رثاه بعضهم فقال: وفيها قتل أبو الوليد عبدالله بن محمد، المعروف بابن الفرضي الأندلسي: بقرطبة، قتله البربر. ثم دخلت: .سنة أربع وأربعمائة: .ذكر فتح يمين الدولة ناردين: ثم إن الله تعالى منح المسلمين أكتافهم فهزموهم، وأكثروا القتل فيهم، وغنموا ما معهم من مالٍ، وفيل، وسلاح، وغير ذلك. ووجد في بيت بد عظيم حجراً منقوراً دلت كتابته على أنه مبني منذ أربعين ألف سنة، فعجب الناس لقلة عقولهم. فلما فرغ من غزوته عاد إلى غزنة، وأرسل إلى القادر بالله يطلب منه منشوراً، وعهداً بخراسان وما بيده من الممالك، فكتب له ذلك، ولقب نظام الدين. .ذكر ما فعله خفاجة دفعة أخرى: وهب على المنهزمين من بنى خفاجة ريح شديدة حارة، فقتلت منهم نحو خمسمائة رجل، وأفلت منهم جماعة ممن كانوا أسروا من الحجاج، وكانوا يرعون إبلهم وغنمهم، فعادوا إلى بغداد، فوجد بعضهم نساءهم قد تزوجن وولدن، واقتسمت تركاتهم. .ذكر استيلاء طاهر بن هلال على شهرزور: .ذكر عدة حوادث: وفيها توفي القاضي أبو الحسن علي بن سعيد الإصطخري، وهو شيخ من شيوخ المعتزلة ومشهوريهم، وكان عمره قد زاد على ثمانين سنة، وله تصانيف في الرد على الباطنية. ثم دخلت: .سنة خمس وأربعمائة: .ذكر غزوة تانيشر: فلما قاربوا مقصدهم لقوا نهراً شديد الجرية، صعب المخاضة، وقد وقف صاحب تلك البلاد على طرفه، يمنع من عبوره، ومعه عساكره، وفيلته التي كان يدل بها. فأمر يمين الدولة شجعان عسكره بعبور النهر، وإشغال الكافر بالقتال ليتمكن باقي العسكر من العبور، ففعلوا ذلك، وقاتلوا الهنود، وشغلوهم عن حفظ النهر، حتى عبر سائر العسكر في المخاضات، وقاتلوهم من جميع جهاتهم إلى آخر النهار، فانهزم الهند، وظفر المسلمون، وغنموا ما معهم من أموال وفيلة، وعادوا إلى غزنة موفرين ظافرين. .ذكر قتل بدر بن حسنويه وإطلاق ابنه هلال وقتله: وكان سبب قتله أنه سار إلى الحسين بن مسعود الكردي ليملك عليه بلاده، فحصره بحصن كوسحد، فضجر أصحاب بدر منه لهجوم الشتاء، فعزموا على قتله، فأتاه بعض خواصه وعرفه ذلك، فقال: فمن هم الكلاب حتى يفعلوا ذلك! وأبعدهم، فعاد إليه، فلم يأذن له، فقال من وراء الخركاة: الذي أعلمتك قد قوي العزم عليه؛ فلم يلتفت إليه. وخرج فجلس على تل، فثاروا به، فقتله طائفة منهم تسمى الجورقان، ونهبوا عسكره، وتركوه وساروا. فنزل الحسين بن مسعود، فرآه ملقىً على الأرض، فأمر بتجهيزه وحمله إلى مشهد علي، عليه السلام، ليدفن فيه، ففعل ذلك. وكان عادلاً، كثير الصدقة والمعروف، كبير النفس، عظيم الهمة. ولما قتل هرب الجورقان إلى شمس الدولة أبي طاهر بن فخر الدولة بن بويه، فدخلوا في طاعته. وكان طاهر بن هلال بن بدر هارباً من جده بنواحي شهرزور، فلما عرف بقتله بادر يطلب ملكه، فوقع بينه وبين شمس الدولة حرب، فأسر طاهر وحبس وأخذ ما كان قد جمعه بعد أن ملك نائباً من أبيه هلال، وكان عظيماً، وحمله إلى همذان، وسار اللرية والشاذنجان إلى أبي الشوك، فدخلوا في طاعته. وحين قتل كان ابنه هلال محبوساً عند الملك سلطان الدولة، كما ذكرنا، فلما قتل بدر استولى شمس الدولة بن فخر الدولة بن بويه على بعض بلاده، فلما علم سلطان الدولة بذلك أطلق هلالاً وجهزه وسيره ومعه العساكر ليستعيد ما ملكه شمس الدولة من بلاده. فسار إلى شمس الدولة، فالتقيا في ذي القعدة، واقتتل العسكران، فانهزم أصحاب هلال، وأسر هو، فقتل أيضاً، وعادت العساكر التي كانت معه إلى بغداد على أسوإ حال. وكان ممن أسر معه أبو المظفر أنوشتكين الأعرابي، وكان في مملكة بدر سابور خواست، والدينور، وبروجرد، ونهاوند، وأسداباذ، وقطعة من أعمال الأهواز، وما بين ذلك من القلاع والولايات. .ذكر الحرب بين علي بن مزيد وبين بني دبيس: وسببها أنهم كانوا قد قتلوا أبا الغنائم بن مزيد أخا أبي الحسن في حرب بينهم، وقد تقدم ذكرها، وحالت الأيام بينه وبين الأخذ بثأره، فلما كان الآن تجهز لقصدهم، وجمع العرب، والشاذنجان، والجوانية، وغيرهما من الأكراد وسار إليهم، فلما قرب منهم خرجت زوجته ابنة دبيس وقصدت أخاها مضر بن دبيس ليلاً، وقالت له: قد أتاكم ابن مزيد فيما لا قبل لكم به، وهو يقنع منكم بإبعاد نبهان قاتل أخيه، فأبعدوه، وقد تفرقت هذه العساكر. فأجابها أخوها مضر إلى ذلك، وامتنع أخوه حسان. فلما سمع ابن مزيد بما فعلته زوجته أنكره، وأراد طلاقها، فقالت له: خفت أن أكون في هذه الحرب بين فقد أخٍ حميم، أو زوج كريم، ففعلت ما فعلت رجاء الصلاح؛ فزال ما عنده منها، وتقدم إليهم، وتقدموا إليه بالحلل والبيوت، فالتقوا واقتتلوا، واشتد القتال لما بين الفريقين من الدخول، فظفر ابن مزيد بهم، وهزمهم وقتل حسان ونبهان ابني دبيس، واستولى على البيوت والأموال، ولحق من سلم من الهزيمة بالحويزة. ولما ظفر بهم رأى عندهم مكاتبات فخر الملك يأمرهم بالجد في أمره، ويعدهم النصرة، فعاتبه على ذلك، وحصل بينهما نفرة، ودعت فخر الملك الضرورة إلى تقليد ابن مزيد الجزيرة الدبيسية، واستثنى مواضع منها: الطيب وقرقوب وغيرهما، وبقي أبو الحسن هناك إلى جمادى الأولى. ثم إن مضر بن دبيس جمع جمعاً، وكبس أبا الحسن ليلاً، فهرب في نفر يسير، واستولى مضر على حلله وأمواله، وكل ماله، ولحق أبو الحسن ببلد النيل منهزماً. .ذكر ملك شمس الدولة الري وعوده عنها: .ذكر عدة حوادث: وله نوادر كثيرة منها أنه شرب قفاعاً في دار فخر الملك، فلم يستطبه، فجلس مفكراً، فقال له الفقاعي: في أي شيء تفكر؟ فقال: في دقة صنعتك، كيف أمكنك الخراء في هذه الكيزان الضيقة كلها. وفي رمضان منها قتل القاضي أبو القاسم يوسف بن أحمد بن كج الفقيه، وكان من أئمة أصحاب الشافعي، وكان قاضي الدينور، قتله طائفة من عامتها خوفاً منه، وتوفي أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن نباتة السعدي الشاعر؛ والقاضي أبو محمد بن الأكفاني، قاضي بغداد، وولي بعده قضاء القضاة أبو الحسن بن أبي الشوارب البصري. وتوفي أبو أحمد عبد السلام بن الحسن البصري الأديب؛ وأبو القاسم هبة الله بن عيسى، كاتب مهذب الدولة بالبطيحة، وهو من الكتاب المفلقين، ومكاتباته مشهورة؛ وكان ممدحاً، وممن مدحه ابن الحجاج. وتوفي أيضاً عبدالله بن محمد بن محمد بن عبدالله بن إدريس أبو سعيد الإدريسي، الاستراباذي، الحافظ، نزيل سمرقند، وهو مصنف تاريخ سمرقند. وتوفي أيضاً الحاكم أبو عبدالله محمد بن عبدالله النيسابوري، صاحب التصانيف الحسنة المشهورة؛ وأبو الحسن بن عياض، وكان يلقب الناصر، وكان يتولى الأهواز، وقام ولده بنكير مقامه؛ وأبو عي الحسين بن الحسين بن حمكان الهمذاني، الفقيه الشافعي، وكان إماماً عالماً. ثم دخلت: .سنة ست وأربعمائة: .ذكر الفتنة بين باديس وعمه حماد: وسبب ذلك أن باديس أبلغ عن عمه حماد قوارص وأموراً أنكرها، فاغضى عليها، حتى كثر ذلك عليه،! وكان لباديس ولد اسمه المنصور أراد أن يقدمه ويجعله ولي عهده، فأرسل إلى عمه حماد يقول له بأن يسلم بعض ما بيده من الأعمال التي أقطعه إلى نائب ابنه المنصور، وهي مدينة تيجس، وقصر الإفريقي وقسطنطينة، وسير إلى تسليم ذلك هاشم بن جعفر، وهو من كبار قوادهم، وسير معه عمه إبراهيم ليمنع أخاه حماداً من أمر إن أراده. فسار إلى أن قاربا حماداً، ففارق إبراهيم هاشماً، وتقدم إلى أخيه حماد، فلما وصل إليه حسن له الخلاف على باديس، ووافقه على ذلك، وخلعا الطاعة، وأظهرا العصيان، وجمعا الجموع الكثيرة، فكانوا ثلاثين ألف مقاتل. فبلغ ذلك باديس، فجمع عساكره وسار إليهما، ورحل حماد وأخوه إبراهيم إلى هاشم بن جعفر والعسكر الذين معه، وهو بقلعة شقنبارية، فكان بينهم حرب انهزم فيها: ابن جعفر ولجأ إلى باجة، وغنم حماد ماله وعدده، فرحل باديس إلى مكان يسمى قبر الشهيد، فأتاه جمع كثير من عسكر عمه حماد، ووصلت كتب حماد وإبراهيم إلى باديس أنهما ما فارقا الجماعة، ولا خرجا عن الطاعة، فكذبهما ما ظهر من أفعالهما من سفك الدماء، وقتل الأطفال، وإحراق الزروع والمساكن، وسبي النساء. ووصل حماد إلى باجة فطلب أهلها منه الأمان، فأمنهم، واطمأنوا إلى عهده، فدخلها يقتل وينهب ويحرق ويأخذ الأموال. وتقدم باديس إليه بعساكره، فلما كان في صفر سنة ست وأربعمائة، وصل حماد إلى مدينة أشير، وهي له، وفيها نائبه، واسمه خلف الحميري، فمنعه خلف من دخولها، وصار في طاعة باديس، فسقط في يد حماد، فإنها هي كانت معولة لحصانتها وقوتها. ووصل باديس إلى مدينة المسيلة، ولقيه أهلها، وفرحوا به، وسير جيشاً إلى المدينة التي أحدثها حماد، فخربوها إلا أنهم لم يأخذوا مال أحمد، وهرب إلى باديس جماعة كثيرة من جند القلعة التي له، وفيها أخوه إبراهيم، فأخذ إبراهيم أبناءهم، وذبحهم على صدور أمهاتهم، فقيل إنه ذبح بيده منهم ستين طفلاً، فلما فرغ من الأطفال قتل الأمهات. وتقارب باديس وحماد، والتقوا مستهل جمادى الأولى، واقتتلوا أشد قتال وأعظمه، ووطن أصحاب باديس أنفسهم على الصبر أو الموت لما كان حماد يفعله لمن يظفر به، واختلط الناس بعضهم ببعض، وكثر القتل، ثم انهزم حماد وعسكره لا يلوي على شيء، وغنم عسكر باديس أثقاله وأمواله، وفي جملة ما غنم منه عشرة آلاف درقة مختارة لمط، ولولا اشتغال العسكر بالنهب لأخذ حماد أسيراً. وسار حتى وصل إلى قلعته تاسع جمادى الأولى، وجاء إلى مدينة دكمة، فتجنى على أهلها، فوضع السيف فيهم، فقتل ثلاثمائة رجل. فخرج إليه فقيه منها وقال له: يا حماد إذا لقيت الجيوش انهزمت، وإذا قاومتك الجموع فررت، وإنما قدرتك وسلطانك على أسير لا قدرة له عليك؛ فقتله وحمل جميع ما في المدينة من طعام وملح وذخيرة إلى القلعة التي له. وسار باديس خلفه، وعزم على المقام بناحيته، وأمر بالبناء، وبذل الأموال لرجاله، فاشتد ذلك على حماد، وأنكر رجاله، وضعفت نفسه، وتفرق عنه أصحابه. ثم مات ورو بن سعيد الزناتي المتغلب على ناحية طرابلس، واختلفت كلمة زناتة، فمالت فرقة مع أخيه خزرون، وفرقة مع ابن ورو، فاشتد ذلك أيضاً على حماد، وكان يطمع أن زناتة تغلب على بعض البلاد، فيضطر باديس إلى الحركة إليهم.
|