الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
فقدَّم قوله: «يُغَشِّي»- وهو جملة- على «أسْوَد» وما بعده، وهُنَّ مفردات، وعِند هذا القَائِل أنه يُبْدَأ بالمُفْرَد، ثم بالظَّرْف أو عديله، ثم بالجُمْلة، وعلى ذلك جاء قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} [غافر: 28] {وهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام: 155].قال أبو حيَّان: وفيها دليل على بطلان من يَعْتَقِد وجوب تَقْديم الوصْفِ بالاسْمِ على الوَصْف بالفِعْل إلا في ضَرُورَة، ثُمَّ ذكر الآية الآخرى.قال شهاب الدين: وليْسَ في هاتين الآيتين الكَرِيمتين ما يَرُدُّ قول هذا القَائِل، أمَّا هذه الآية فيحتمل أن يكون قوله تعالى: {يُحِبُّهُم ويُحِبُّونَه} جملة اعتراض، لأنَّ فيها تأكيدًا وتَشدِيدًا للكلام.وجملة الاعْتِرَاض تقع بين الصِّفة ومَوْصُوفها، كقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: 76] ف {عَظِيم} صفة لـ {قَسَم}، وقد فصل بينهما بقوله: {لَوْ تَعْلَمُون}، فكذلك فصل هنا بين {بِقَوْم}، وبين صفتهم وهي {أذِلَّة}، {أعِزَّة} بقوله: {يُحِبُّهم ويُحِبُّونه}، فعلى هذا لا يكون لها مَحَلٌّ من الإعراب.وأمَّا {وهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام: 155] فلا نسلّم أن {مباركٌ} صفة، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: هو مُبارك ولو استدلَّ على ذلك بآيتين غير هاتَيْن لكان أقْوى، وهما قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ} [الأنبياء: 2]، {وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرحمن مُحْدَثٍ} [الشعراء: 5] فقدَّم الوصف بالجار على الوَصْفِ بالصَّرِيح، وكذا يحتمل أن يُقَال: لا نسلِّم أن {مِنْ رَبِّهم} و{مِنَ الرَّحْمن} صفتان لجواز أن يكونا حاليْنِ مُقدَّمين من الضَّمِير المسْتَتِر في {مُحْدَث} أي: مُحَدث إنزالهُ حال كَوْنه من رَبِّهِم.و{أذلَّة} جمع ذَلِيل بمعنى متعطّف؛ ولا يُرَادُ به الذليل الذي هو ضعيف خَاضِعٌ مُهَان: ولا يجوز أن يكُون جمع «ذَلُول»؛ لأن ذَلُولًا يجمع على «ذُلُل» لا على أذِلَّة، وإن كان كلام بَعْضِهِم يوهِمُ ذلك.قال الزَّمَخْشَرِي: ومن زَعَم أنَّه من «الذُّل» الذي هو نَقِيضُ الصُّعُوبة، فقد غَبِيَ عن أن «ذَلُولًا» لا يُجْمَع على «أذِلَّة».و{أذلَّة} و{أعِزَّة} جمعان لـ «ذلل» و«عَزِيز» وهما مِثَالا مُبَالَغَة، وعدَّى {أذلّة} بـ {على} وإن كان أصْلُه أن يتعدّى باللاَّم لما ضُمِّن من معنى الحُنُوِّ والعطف، والمعنى: عَاطِفين على المؤمنين على وجه التَّذَلُّل والتَّواضُع، ويجُوزُ أن يكون المعنى أنَّهُم مع شَرَفِهم وعلو طَبَقَتِهِم وفَضْلِهِم على المُؤمنين خافِضُون لهم أجنحتهم؛ كقوله تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الكفار رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] ذكر هَذَيْن الوَجْهَيْن الزَّمخْشَري.قال أبو حيَّان: قيل: «أو لأنَّه على حَذْفِ مضافٍ، التَّقدير: على فَضْلِهِم على المُؤمِنِين، والمعنى: أنَّهُمْ يَذِلُّون، ويَخْضَعُون لمن فُضِّل عَلَيْه مع شَرَفِهِم وعلو مَكَانتهم».وذكر آيَة الفَتْح، وهذا هو قَوْلُ الزَّمَخْشَرِي بعينه، إلا أن قوله: «عَلى حَذْفِ مُضَافٍ» يوهم حَذْفه، وإقامَةِ المُضَاف إليه مَقَامَه، وهنا حَذفَ «عَلَى» الأولى، وحذف المُضَاف إليه، والمُضَاف معًا.قال شهابُ الدِّين: ولا أدْرِي ما حَمَلَهُ على ذلك؟ ووقع الوصف في جانب المَحبَّة بالجُمْلَة الفِعْلِيَّة، لأنَّ الفِعْل يَدُلُّ على التَّجَدد والحُدُوثِ وهو مُنَاسِب، فإن مَحَبَّتَهُمْ لله تعالى تَجَدُّدُ طاعَاتِه وعبادَتِه كُلَّ وقت، ومحبَّةُ اللَّه إياهم تجد ثوابه وإنْعامه عليهم كُلَّ وَقْت، ووقع الوَصْفُ في جَانِبِ التَّواضُع للمُؤمنين والغِلْظَةِ على الكَافِرين بالاسْمِ الدَّال على المُبَالَغة، دلالة على ثُبُوتِ ذَلِك واسْتِقْرَاره، وأنه عَزِيزٌ فِيهِم، والاسْم يدلُّ على الثُّبُوت والاسْتِقْرار، وقدم الوصْفَ بالمحبَّة مِنْهم المتعلّق بالمؤمنين على وَصْفِهم المتعلِّق بالكَافرين؛ لأنه آكَدُ وألْزَمُ منه، ولِشَرفِ المُؤمِن أيْضًا، والجُمْهُور على جَرِّ {أذلَّةٍ}- {أعِزَّةٍ} على الوصف كما تقدَّم.قال الزَّمَخْشري: «وقُرِئ «أذِلَّةً وأعِزَّةً» بالنَّصْب على الحَالِ».قلت: الذي قرأ {أذلَّةً}، هو عبد الله بن مَسْعُود- رضي الله عنه-، إلا أنَّه قرأ بَدَل {أعِزَّة}: {غُلظَاءَ على الكَافِرِين} وهو تفسيرٌ، وهي حال من {قَوْم}، وجازَ ذلك، وإنْ كان {قَوْم} نَكِرة لقُرْبِهِ من المَعْرِفة؛ إذ قد تُخَصَّصُ بالوَصْف.فصل:معنى {أذِلَّة} أي: أرقَّاء رحماء، كقوله تعالى: {واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة} [الإسراء: 24] من قولهم دابَّه ذَلُولٌ، أي: تَنْقَادُ سَهْلةً، وليْسَ من الذُّل في شَيْءٍ {أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين} يُعَادُنهم ويُغَالِبُونهم، من قولهم: عَزَّه إذا غَلَبَه.قوله تعالى: {يُجَاهِدُون} يحتمل ثلاثة أوْجُه:أحدها: أن يكُون صِفَةً أخرى لـ {قوم}، ولذلك جاء بِغَيْر واو، كما جاءت الصِّفَتان قَبْلَهُ بِغَيْرها.الثاني: أنه في محلِّ نَصْبٍ على الحالِ من الضَّمِير المُسْتَكِنِّ في {أعِزَّة}، أي: يَعُزُّون مُجَاهِدِين.قال أبُو البقاء: وعلى هذا فيجُوز أن تكون مِنَ الضَّمير في {أذلَّة}، أي: يَتَواضَعُون للمُؤمنين حال كَوْنِهِم مُجاهدين، أي: لا يَمْنَعُهم الجِهَادُ في سَبيلِ اللَّه من التَّواضُع للمُؤمِنِين، وحاليَّتُهَا من ضمير {أعِزَّة} أظْهَرُ من حاليَّتها ممَّا ذكرت، وذلك لَمْ يَسُغْ أن يَجْعَل المسْألة من التَّنازُع.الثالث: أن يكون مُسْتَأنفًا، سِيقَ للإخْبار بأنّهم يُجَاهِدُون في نُصْرَةِ دينِ اللَّه تعالى.قوله تعالى: {ولا يَخَافُون} فيه أوجه:أحدها: أن يكُون مَعْطُوفًا على {يُجَاهِدُون} فتجري فيه الأوْجُه السَّابقة فيما قَبْله.الثاني: أن تكُون «الواوُ» للحَالِ، وصاحب الحال فاعل {يُجَاهِدُون}، قال الزَّمَخْشَرِي: «أي: يُجَاهِدُون وحالهم في المُجَاهَدَةِ غَيْرُ حَالِ المُنافِقِين».وتَبِعَهُ أبو حيَّان ولم يُنْكِر عليه، وفيه نَظَر؛ لأنهم نَصُّوا عَلَى أن المُضَارع المَنْفِي بـ «لاَ» أو «مَا» كالمُثْبَتِ في أنَّه لا يجوزُ أن تباشِرَه واو الحَال، وهذا كما تَرَى مضارع مَنْفِيٌّ بـ «لاَ»، إلاَّ أن يُقَال: إن ذلك الشَّرْط غير مُجْمَعٍ عليه، ولكن العِلَّةَ التي مَنَعُوا لها مُبَاشَرة «الواو» للمُضَارع المُثْبت موجودة في المُضَارع المَنْفِي بـ «لاَ» و«مَا»، وهي أنَّ المُضَارع المُثْبَتَ بِمَنْزِلة الاسْمِ الصَّرِيح، فإنَّك إذا قُلْتَ: «جاء زَيْد يَضْحَكُ» كان في قُوة «ضَاحِكًا» و«ضَاحِكًا» لا يجوز دخول «الوَاو» عليه، فكذلكَ ما أشْبَهَه وهُوَ في قُوَّتِهِ، وهذه مَوْجُودة في المَنْفِي، فإن قولك: «جَاءَ زَيْدٌ يَضْحَكُ» في قوَّة «غَيْر ضَاحِكٍ» و«غيْر ضاحك» لا تَدْخل عليه الواو إلاَّ أنَّ هذا يُشْكِلُ بأنَّهم نَصُّوا على أنَّ المنفي بـ «لَمْ» و«لَمَّا» يجُوز فيه دخول الواو، مع أنَّه في قولك: «قَامَ زيدٌ لَمْ يَضْحَكْ» بمنزلة «غَيْرِ ضَاحِك» ومن دخول الواو، وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم} [البقرة: 214] ونحوه.الثالث: أن تكون «الواوُ» للاستِئْنَاف، فيكون ما بَعْدَها جُمْلةً مُسْتَأنَفَةً مُسْتَقِلَّة بالإخْبار، وبهذا يَحْصُلُ الفَرْق بين هَذَا الوَجْهِ، وبين الوَجْهِ الذي جُوِّزَت فيه أن تكون «الوَاو» عَاطِفَةً، مع اعْتِقَادِنا أن {يُجَاهِدُون} مستَأنفٌ، وهو وَاضِح.و«اللَّوْمَةُ»: المرَّة من اللَّوْمِ.قال الزمخشري: وفيها وفي التَّنْكِير مبالغتان، كأنَّه قيل: «لا يخافُون شيئًا قط من لَوْم أحَد من اللُّوَّام»، و«لومة» مصدر مُضاف لِفاعِلِه في المعنى.فإن قِيلَ: هل يجُوزُ أن يكُونَ فاعِلُهُ مَحْذُوفًا، أي: لا يَخَافُون لَوْمَة لائِمٍ إيَّاهم؟فالجوابُ أنَّ ذلك لا يجُوز عند الجُمْهُور؛ لأنَّ المصدر المحدُودَ بتاء التَّأنيثِ لا يَعْمَل، فلو كان مَبْنيًّا على التَّاء عمل، كقوله: [الطويل] فأعمل «رَهْبَة»؛ لأنه مَبْنِيٌّ على «التَّاء»، ولا يجُوز أن يعمل المَحْدُود بالتَّاءِ إلا في قَليلٍ في كلامهم؛ كقوله: [الطويل] يصف رَجُلًا سقى رَجُلًا مَاءً فأحْيَاهُ به، وتيمّم بالتُّراب.والمَلاَ: التُّراب، فنصب «المَلاَ» بـ «ضَرْبة»، وهو مصدر محدُود بالتَّاء وأصل {لاَئِم}: لاَوِم؛ لأنه من اللَّوْم، فَأعِلَّ كـقَائِم.قوله تعالى: {ذلك} في المُشَار إليه ثلاثةُ أوجه:أظهرُها: أنه جَمِيع ما تقدَّم من الأوْصَاف التي وُصِفَ بها القَوْم، من المحبّةِ، والذِّلَّة، والعِزَّة، والمُجَاهدة في سبيل الله، وانتِفَاء خوف اللاَّئِمَة من كل أحَدٍ، واسْمُ الإشارَة يَسُوغُ فيه ذلك، أعْنِي: أنه يقع بِلَفْظِ الإفْرَاد مُشَارًا به لأكثر مِنْ وَاحدٍ، وقد تقدَّم تَحْقِيقُهُ في قوله تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} [البقرة: 68].والثاني: أنَّه مشار به إلى حُبِّ اللَّه لهم، وحُبِّهم لَهُ.والثالث: أنَّه مشارٌ به إلى قوله: {أذِلَّةٍ}، أي: لِينُ الجَانِب، وترك التَّرَفُّع، وفي هذين تَخْصِيصٌ غير وَاضِح، وكأنَّ الحَامِل على ذلك من مَجِيء اسمِ الإشَارَةِ مُفْرَدًا.و{ذَلِك} مبتدأ، و{فَضْلُ الله} خبرُه.و{يُؤتِيهِ} يحتمل ثلاثة أوجُه:أظهرُهَا: أنه خَبَرٌ ثانٍ.والثاني: أنه مُسْتَأنف.والثالث: أنَّه في مَحَلِّ نصب على الحَالِ، كقوله تعالى: {وهذا بَعْلِي شَيْخًا} [هود: 72]. اهـ. باختصار. .التفسير الإشاري: قال الألوسي:ومن باب الإشارة في الآيات على ما قاله بعض العارفين: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق مُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكتاب} يحتمل أن يكون الكتاب الأول إشارة إلى علم الفرقان، والثاني إشارة إلى علم القرآن، والأول هو ظهور تفاصيل الكمال، والثاني هو العلم الإجمالي الثابت في الاستعداد، ومعنى كونه مهيمنًا عليه حافظًا عليه بالإظهار، ويحتمل أن يكون الأول إشارة إلى ما بين أيدينا من المصحف، والثاني إشارة إلى الجنس الشامل للتوراة التي دعوتها للظاهر والإنجيل الذي دعوته للباطن، وكتابنا مشتمل على الأمرين حافظ لكل من الكتابين {فاحكم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ الله} من العدل الذي هو ظل المحبة التي هي ظل الوحدة التي انكشفت عليك {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} في تغليب أحد الجانبين إما الظاهر وإما الباطن {لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً} موردًا كمورد النفس ومورد القلب ومورد الروح {ومنهاجا} [المائدة: 48] طريقًا كعلم الأحكام والمعارف التي تتعلق بالنفس وسلوك طريق الباطن الموصل إلى جنة الصفات وعلم التوحيد والمشاهدة الذي يتعلق بالروح وسلوك طريق الفناء الموصل إلى جنة الذات، وقال بعضهم: إن لله سبحانه بحارًا للأرواح وأنهارًا للقلوب وسواقي للعقول، ولكل واحد منها شرعة في ذلك ترد منها كشرعة العلم وشرعة القدرة وشرعة الصمدية وشرعة المحبة إلى غير ذلك، وله عز وجل طرق بعدد أنفاس الخلائق كما قال أبو يزيد قدس سره، والمراد بها الطرق الشخصية لا مطلقًا وكلها توصل إليه سبحانه، وهذا إشارة إلى اختلاف مشارب القوم وعدم اتحاد مسالكهم، وقد قال جل وعلا: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} [البقرة: 60] وفرق سبحانه بين الأبرار والمقربين في ذلك، وقلما يتفق اثنان في مشرب ومنهج، ومن هنا ينحل الإشكال فيما حكي عن حضرة الباز الأشهب مولانا الشيخ محيي الدين عبد القادر الكيلاني قدس سره أنه قال: لا زلت أسير في مهامه القدس حتى قطعت الآثار فلاح لي أثر قدم من بعيد فكادت روحي تزهق فإذا النداء هذا أثر قدم نبيك محمد صلى الله عليه وسلم فإن ظاهره يقتضي سبقه للأنبياء والرسل أرباب التشريع عليهم الصلاة والسلام ونحوهم من الكاملين وهو كما ترى، ووجهه أنه قدس سره قطع الآثار في الطريق الذي هو فيه، وذلك يقتضي السبق على سالكي ذلك الطريق لا غير، فيجوز أن يكون مسبوقًا بمن ذكرنا من السالكين طريقًا آخر غير ذلك الطريق، وهذا أحسن ما يخطر لي في الجواب عن ذلك الإشكال نظرًا إلى مشربي، ومشارب القوم شتى {وَلَوْ شَاء الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحدة} متفقين في المشرب والطريق {ولكن مِنكُمْ وَمَا ءاتاكم} أي ليظهر عليكم ما آتاكم بحسب استعداداتكم على قدر قبول كل واحد منكم {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} أي الأمور الموصلة لكم إلى كمالكم الذي قدر لكم بحسب الاستعدادات المقربة إياكم إليه بإخراجه إلى الفعل {إلى الله مَرْجِعُكُمْ} في عين جمع الوجود على حسب المراتب {فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: 48] وذلك بإظهار آثار ما يقتضيه ذلك الاختلاف {وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ} حسب ما تقتضيه الحكمة ويقبله الاستعداد {بِمَا أنزَلَ الله} إليك من القرآن الجامع للظاهر والباطن {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ واحذرهم أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ الله} فتقصر على الظاهر البحت أو الباطن المحض وتنفي الآخر {فَإِن تَوَلَّوْاْ فاعلم أَنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} كذنب حجب الأفعال لليهود.
|