الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ} فإنه لا يضرك في الدنيا والآخرة، وقرىء {فَلاَ يَحْزُنكَ} من أحزن وليس بمستفيض. {إلَيْنَا مَرْجعُهُمْ} في الدارين. {فَنُنَبّئُهُم بمَا عَملُوا} بالإهلاك والتعذيب. {إنَّ الله عَليمٌ بذَات الصدور} فمجازٍ عليه فضلًا عما في الظاهر.{نُمَتّعُهُمْ قَليلًا} تمتيعًا أو زمانًا قليلًا فإن ما يزول بالنسبة إلى ما يدوم قليل. {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إلى عَذَابٍ غَليظٍ} يثقل عليهم ثقل الأجرام الغلاظ أو يضم إلى الإحراق الضغط.{وَلَئن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره بحيث اضطروا إلى إذاعته. {قُل الحمد للَّه} على إلزامهم والجائهم إلى الإعتراف بما يوجب بطلان معتقدهم. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن ذلك يلزمهم.{للَّه مَا في السموات والأرض} لا يستحق العبادة فيهما غيره {إنَّ الله هُوَ الغنى} عن حمد الحامدين. {الحميد} المستحق للحمد وإن لم يحمد.{وَلَوْ أَنَّما في الْأَرْض منْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ} ولو ثبت كون الأشجار أقلامًا، وتوحيد {شَجَرَةٍ} لأن المراد تفصيل الآحاد. {والبحر يَمُدُّهُ من بَعْده سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} والبحر المحيط بسعته مدادًا ممدودًا بسبعة أبحر، فأغنى عن ذكر المداد بمده لأنه من مد الدواة وأمدها، ورفعه للعطف على محل أن ومعموليها وبمده حال أو للابتداء على أنه مستأنف أو الواو للحال، ونصبه البصريان بالعطف على اسم {أَن} أو إضمار فعل يفسره {يَمُدُّهُ} وقرىء {تمده} و{يمده} بالياء والتاء.{مَّا نَفدَتْ كلمات الله} بكتبها بتلك الأقلام بذلك المداد وإيثار جمع القلة للإشعار بأن ذلك لا يفي بالقليل فكيف بالكثير. {أَنَّ الله عَزيزٌ} لا يعجزه شيء. {حَكيمٌ} لا يخرج عن علمه وحكمته أمر، والآية جواب لليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمروا وفد قريش أن يسألوه عن قوله تعالى: {وَمَا أُوتيتُم مّن العلم إلاَّ قَليلًا} وقد أنزل التوراة وفيها علم كل شيء.{مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إلاَّ كَنَفْسٍ واحدة} إلا كخلقها وبعثها إذ لا يشغله شأن عن شأن لأنه يكفي لوجود الكل تعلق إرادته الواجبة مع قدرته الذاتية كما قال: {إنَّمَا أَمْرُنَا لشَىْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} {إنَّ الله سَميعٌ} يسمع كل مسموع {بَصيرٌ} يبصر كل مبصر لا يشغله إدراك بعضها عن بعض فكذلك الحق.{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُولجُ اليل في النهار وَيُولجُ النهار في اليل وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ يَجْرى} كل من النيرين يجري في فلكه. {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى منتهى معلوم الشمس إلى آخر السنة والقمر إلى آخر الشهر. وقيل إلى يوم القيامة والفرق بينه وبين قوله: {لأَجَلٍ مُّسَمًّى} أن ال {أَجَلٌ} ها هنا منتهى الجري وثمة غرضه حقيقة أو مجازًا وكلا المعنيين حاصل في الغايات. {وَأَنَّ الله بمَا تَعْمَلُونَ خَبيرٌ} عالم بكنهه.{ذلك} إشارة إلى الذي ذكر من سعة العلم وشمول القدرة وعجائب الصنع واختصاص الباري بها. {بأَنَّ الله هُوَ الحق} بسبب أنه الثابت في ذاته الواجب من جميع جهاته، أو الثابت إلهيته. {وَأَنَّ مَّا تَدْعُونَ من دُونه الباطل} المعدوم في حد ذاته لأنه لا يوجد ولا يتصف إلا بجعله أو الباطل إلهيته، وقرأ البصريان والكوفيون غير أبي بكر بالياء. {وَأَنَّ الله هُوَ العلى الكبير} مترفع على كل شيء ومتسلط عليه.{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الفلك تَجْرى في البحر بنعْمَة الله} بإحسانه في تهيئة أسبابه وهو استشهاد آخر على باهر قدرته وكمال حكمه وشمول إنعامه والباء للصلة أو الحال، وقرىء {الفلك} بالتثقيل و{بنعمات الله} بسكون العين، وقد جوز في مثله الكسر والفتح والسكون. {ليُريَكُمْ مّنْ ءاياته} دلائله. {إنَّ في ذلك لآيات لّكُلّ صَبَّارٍ} على المشاق فيتعب نفسه بالتفكر في الأفاق والأنفس. {شَكُورٍ} يعرف النعم ويتعرف مانحها، أو للمؤمنين فإن الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر.{وَإذَا غَشيَهُمْ} علاهم وغطاهم. {مَّوْجٌ كالظلل} كما يظل من جبل أو سحاب أو غيرهما، وقرىء كالظلال جمع ظلة كقلة وقلال. د {دَعَوُا الله مُخْلصينَ لَهُ الدين} لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد. {فَلَمَّا نجاهم إلَى البر فَمنْهُمْ مُّقْتَصدٌ} مقيم على الطريق القصد الذي هو التوحيد، أو متوسط في الكفر لانزجاره بعض الانزجار. {وَمَا يَجْحَدُ بآياتنا إلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ} غدار فإنه نقض للعهد الفطري، أو لما كان في البحر والختر أشد الغدر. {كَفُورٌ} للنعم.{يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ واخشوا يَوْمًا لاَّ يَجْزى وَالدٌ عَن وَلَده} لاَ يقضي عنه، وقرىء {لا يجزىء} من أجزأ إذا أغنى والراجع إلى الموصوف محذوف أي لا يجزى فيه. {وَلاَ مَوْلُودٌ} عطف على {وَالدٌ} أو مبتدأ خبره. {هُوَ جَازٍ عَن وَالده شَيْئًا} وتغيير النظم للدلالة على أن المولود أولى بأن لا يجزي، وقطع طمع من توقع من المؤمنين أن ينفع أباه الكافر في الآخرة. {إنَّ وَعْدَ الله} بالثواب والعقاب. {حَقّ} لا يمكن خلفه. {فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور} الشيطان بأن يرجيكم التوبة والمغفرة فيجسركم على المعاصي.{إنَّ الله عندَهُ علْمُ الساعة}.علم وقت قيامها. لما روي أن الحرث بن عمرو أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: متى قيام الساعة؟ وإني قد ألقيت حباتي في الأرض فمتى السماء تمطر؟ وحمل امرأتي أذكر أم أنثى؟ وما أعمل غدًا وأين أموت؟ فنزلت. وعنه عليه الصلاة والسلام: «مفاتح الغيب خمس» وتلا هذه الآية. {وَيُنَزّلُ الغيث} في إبانه المقدر له والمحل المعين له في علمه، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بالتشديد. {وَيَعْلَمُ مَا في الأرحام} أذكر أم أنثى أتام أم ناقص. {وَمَا تَدْرى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسبُ غَدًا} من خير أو شر وربما تعزم على شيء وتفعل خلافه. {وَمَا تَدْرى نَفْسٌ بأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ} كما لا تدري في أي وقت تموت. روي أن ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظم إليه، فقال الرجل من هذا؟ قال: ملك الموت فقال كأنه يريدني فمر الريح أن تحملني وتلقيني بالهند ففعل فقال الملك: كان دوام نظري إليه تعجبًا منه إذ أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك، وإنما جعل العلم لله تعالى والدراية للعبد لأن فيها معنى الحيلة فيشعر بالفرق بين العلمين، ويدل على أنه إن أعمل حيلة وأنفذ فيها وسعه لم يعرف ما هو الحق به من كسبه وعاقبته فكيف بغيره مما لم ينصب له دليل عليه، وقرىء {بأية أرض} وشبه سيبويه تأنيثها بتأنيث كل في {كُلُّهُنَّ}.{إنَّ الله عَليمٌ} يعلم الأشياء كلها. {خَبيرٌ} يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها.وعنه عليه الصلاة والسلام: «من قرأ سورة لقمان كان له لقمان رفيقًا يوم القيامة، وأعطي من الحسنات عشرًا عشرًا بعدد من عمل بالمعروف ونهى عن المنكر». اهـ.
|