الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال مجد الدين الفيروزابادي: بصيرة في قول:القول: كل لفظ مذل به اللسان، تامّا كان أو ناقصا، والجمع: أقوال، وجمع الجمع: أقاويل، قال تعالى: {ولوْ تقول عليْنا بعْض الأقاوِيلِ}.والقول والقال والقيل واحد.وقيل: القول في الخير، والقال والقيل في الشر، قال:وقيل يقال: قال يقول قِيلا وقولا وقولة ومقالا ومقالة فيهما، فهو قائل وقال وقوُول وقؤُول.والجمع: قول وقُيّلٌ وقالة وقُوُول وقُؤُول.ونهى صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال، وكثرة السُّؤال، وإِضافة المال.وقال أبو القاسم الأصفهانى: القول يستعمل على أوجه:أظهرها: أن يكون للمركّب من الحروف المبرز بالنّطق، مفردا كان أو جملة.وقد يسمّى الواحد من الاسم والفعل والأداة قولا؛ كما قد تسمّى القصيدة والخطبة قولا.والثّانى: يقال للمتصوّر في النفس قبل الإِبراز باللفظ قول، فيقال: في نفسى قول لم أُظهره، قال تعالى: {ويقولون فِي أنفُسِهِمْ لوْلا يُعذِّبُنا اللّهُ} فجعل ما في اعتقادهم قولا.الثالث للاعتقاد (كقولك: يقول الشافعى) رحمه الله.الرابع: يقال للدّلالة على شيء، كقولك للجدار المائل يقول: إِنِّي ساقط.وقال الشاعر: الخامس: يقال للعناية الصّادقة بالشيء؛ كقولك: فلان يقول بكذا.السّادس: في الإِلهام؛ نحو: {قُلْنا ياذا الْقرْنيْنِ إِمّآ أن تُعذِّب} فإِنّ ذلك لم يكن بخطاب ورد عليه فيما رُوى وذكر، بل كان إِلهاما فسمّاه قولا.وقيل في قوله تعالى: {قالتآ أتيْنا طآئِعِين} إِن ذلك كان بتسخير من الله تعالى لا بخطاب ظاهر ورد عليهما.وقوله: {يقولون بِأفْواهِهِم مّا ليْس فِي قُلُوبِهِمْ} فذكر أفواههم تنبيها على أن ذلك كذب مقول لا عن صحّة اعتقاد؛ كما ذكر الكتابة باليد في قوله: {فويْلٌ لِّلّذِين يكْتُبُون الْكِتاب بِأيْدِيهِمْ}.وقوله: {لقدْ حقّ الْقول على أكْثرِهِمْ} أى عِلم الله تعالى بهم وحكمه عليهم، كما قال: {وتمّتْ كلِمةُ ربِّك}.وقوله: {ذلك عِيسى ابْنُ مرْيم قول الْحقِّ الّذِي فِيهِ يمْتُرُون}، وإِنما سمّاه قول الحقِّ تنبيها على ما قال: {إِنّ مثل عِيسى عِند اللّهِ كمثلِ ءادم خلقهُ مِن تُرابٍ ثُمّ قال لهُ كُن فيكُونُ}.وتسميته قولا كتسميته كلمة في قوله: {وكلِمتُهُ ألْقاها إِلى مرْيم}.وأمّا قوله: {إِنّكُمْ لفِي قول مُّخْتلِفٍ} فمعناه: في أمر البعث، فسمّاه قولا، فإِن المقول فيه يسمّى قولا، كما أنّ المذكور يسمّى ذِكرا.وقوله: {إِنّهُ لقول رسُولٍ كرِيمٍ} نسب القول إِلى الرّسول، وذلك لأنّ القول الصّادر إِليك عن رسول يبلِّغه إِليك عن مرسِل له يصحّ أن تنسبه إِليه تارة، وإِلى رسوله تارة. وكلاهما صحيح.وقوله: {الّذِين إِذآ أصابتْهُم مُّصِيبةٌ قالواْ إِنّا للّهِ وإِنّآ إِليْهِ راجِعون} لم يُرد به القول النطقى فقط، بل أراد ذلك إِذا كان معه اعتقاد وعمل.وقوله تعالى: {ولقدْ وصّلْنا لهُمُ الْقول}، وقوله: {عِبادِ * الّذِين يسْتمِعُون الْقول} المراد بهما القرآن ولهما نظائر.وقوله: {وقُل لّهُمْ فِي أنْفُسِهِمْ قولا بلِيغا} أمر بوعظهم وتذكيرهم، والمبالغة في ذلك.وقوله تعالى: {يا أيُّها الّذِين آمنُواْ اتّقُواْ اللّه وقولواْ قولا سدِيدا * يُصْلِحْ لكُمْ أعْمالكُمْ} يعنى كلمة التوحيد.وقال لموسى وهارون: {فقولا لهُ قولا لّيِّنا}.وأمر بملاطفة الأقارب وبرّهم ورضخهم فقال: {فارْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وقولواْ لهُمْ قولا مّعْرُوفا}. اهـ. .من لطائف وفوائد المفسرين: من لطائف القشيري في السورة الكريمة:قال عليه الرحمة:سورة الحاقة:قوله جل ذكره: (بسم الله الرحمن الرحيم)(بسم الله) كلمة عزيزة تحتاج في سماعها إلى سمع عزيز لم يستعمل في سماع الغيبة، وتحتاج في معرفتها إلى قلب عزيز لم يتبدل في الغفلة والغيبة، لم ينظر صاحبه بعينه إلى ما فيه رتبة، ولم تتبع نفسه اللبس والطبة.قوله جلّ ذكره: {الحآقّةُ ما الحآقّةُ ومآ أدْراك ما الحآقّةُ}.{الحاقة}: اسمٌ للقيامة لأنها تحُقُّ كلّ إنسانٍ بعملهِ خيْرِه وشرِّه.{ومآ أدْراك ما الْحآقّةُ} استفهام يفيد التعظيم لأمرها، والتفخيم لشأنها.قوله جلّ ذكره: {كذّبتْ ثمُودُ وعادٌ بِالْقارِعةِ}.ذكر في هذه السورة: الذين كذّبوا رُسُلهم من الأمم، وأصرُّوا على كُفْرِهم، ولم يقبلوا النصيحة من أنبيائهم، فأهلكهم، وانتقم لأنبيائه منهم.والفائدةُ في ذِكْرِهم: الاعتبارُ بهم، والتحرُّرُ عمّا فعلوا لئلا يُصيبهم ما أصابهم. وعقوبةُ هذه الأمةِ مُؤجّلةٌ مُؤخّرةٌ إلى القيامة، ولكنّ خواصّهم عقوبتُهم مُعجّلة؛ فقومٌ من هذه الطائفة إذا أشاعوا سِرّا، أو أضاعوا أدبا يعاقبهم برياح الحجبة، فلا يبْقى في قلوبهم أثرٌ من الاحتشام للدِّين، ولا مِمّا كان لهم من الأوقات، ويصيرون على خطرٍ في أحوالهم بأنْ يُمْتحنوا بالاعتراض على التقدير والقِسْمة.وأمّا فرعون وقومُه فكان عذابُهم بالغرقِ... كذلك منْ كان له وقتٌ فارغٌ وهو بطاعة ربِّه مشتغِلٌ، والحقُّ عليه مُقْبِلٌ- فإذا لم يشكرْ النعمة، وأساء أدبه، ولم يعْرِفْ قدْر ما أنعم اللّهُ به عليه ردّه الحقُّ إلى أسباب التفرقة، ثم أغرقه في بحار الاشتغال فيتكدر مشْربُه، ويصير على خطرٍ بأن يُدْرِكه سُخْطُ الحقِّ وغضبُه.{إِنّا لمّا طغى الْماءُ حملْناكُمْ فِي الْجارِيةِ (11)}وكذلك تكون مِنّتُه على خواصِّ أوليائه حين يسلمهم في سفينة العافية، والكون يتلاطم في امواجِ بحارِ الاشتغالِ على اختلاف أوصافها، فيكونون بوصف السلام، لا مُنازعة ولا محاسبة لهم مع أحد، ولا توقع شيءٍ من أحدٍ؛ سالمون من الناسِ، والناسُ منهم سالمون.{فإِذا نُفِخ فِي الصُّورِ نفْخةٌ واحِدةٌ (13)}بدأ في وصف القيامة والحساب...قوله جلّ ذكره: {... يوْمئذٍ تُعْرِضُون لا تخْفى مِنكُمْ خافِيةٌ} وفي كلِّ نفسٍ مع هؤلاء القوم محاسبةٌ ومطالبةٌ، منهم منْ يستحق المعاتبة، ومنهم من يستحق المعاقبة.قوله جلّ ذكره: {فأمّا منْ أُوتِى كِتابهُ بِيمِينه فيقول هآؤُمُ اقْرءُواْ كِتابِيهْ إِنِّى ظننتُ إِنِّ مُلاقٍ حِسابِيهْ}.يسلم له السرورُ بنعمة الله، ويأخذ في الحمد والمدح.{فهُو في عِيشةٍ رّاضِيةٍ}.القومُ- غدا- في عيشةٍ راضية لأنه قد قُضِيتْ أوطارُهم، وارتفعت مآربُهم، وحصلت حاجاتُهم، وهم- اليوم- في عيشةٍ راضية إذ كفُّوا مآرِبهم فدفع عن قلوبهم حوائجهم؛ فليس لهم إرادةُ شيءٍ، ولا تمسُّهم حاجةٌ. وإنماهم في روْح الرضا... فعيْشُ أولئك في العطاء، وعيْشُ هؤلاء في الرضاء؛ لأنه إذا بدا عِلْمٌ من الحقيقة أو معنى من معانيها فلا يكون ثمة حاجة ولا سؤال. ويقال لأولئك غدا.{كُلُوا واشْربُوا هنِيئا بِمآ أسْلفْتُمْ في الأيّامِ الخالِيةِ}.ويقال لهؤلاء: اسمعوا واشهدوا... اسمعوا منّا... وانظروا إلينا، واستأنِسوا بقُرْبنا، وطالعوا جمالنا وجلالنا... فأنتم بنا ولنا.قوله جلّ ذكره: {وأمّا منْ أُوتِى كِتابهُ بِشِمالِهِ فيقول ياليْتنِى لمْ أُوت كِتابِيهْ ولمْ أدْرِ ما حِسابِيهْ ياليْتها كانتِ الْقاضِية}.هناك- اليوم- أقوامٌ مهجورون تتصاعد حسارتُهم، ويتضاعف أنينُهم- ليلهم ونهارهم- فليلُهم ويلٌ ونهارهم بُعاد؛ تكدّرتْ مشاربُهم، وخربت أوطانُ أُنْسِهم، ولا بكاؤهم يُرْحم، ولا أنينُهم يُسْمع... فعِنْدهم أنهم مُبْعدون... وهم في الحقيقة من اللّهِ مرحومون، أسبل عليهم الستر فصغّرهم في أعينهم- وهم أكرمُ أهل القصة! كما قالوا:قوله جلّ ذكره: {فلآ أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُون وما لا تُبْصِرُون}.(لا) صلة والمعنى: أُقْسِم؛ كأنه قال: أقسم بجميع الأشياء، لأنه لا ثالث لما يبصرون وما لا يبصرون. وجوابُ القسم.{إِنّهُ لقول رسُولٍ كرِيمٍ}..أي وجيهٍ عند الله. وقول الرسولِ الكريم هو القرآن أو قراءة القرآن.وما هو بقول شاعر ولا بقول كاهن أي أن محمدا ليس شاعرا ولا كاهنا بل هو: {تنزِيلٌ مِّن رّبِّ الْعالمِين}قوله جلّ ذكره: {ولوْ تقول عليْنا بعْض الأقاوِيلِ لأخذْنا مِنْهُ بِالْيمِينِ ثُمّ لقطعْنا مِنْهُ الْوتِين}.أي لو كان محمدٌ يكذب علينا لمنعناه منه وعصمناه عنه، ولو تعمّد لعذّبناه. والقول بعصمة الأنبياء واجب. ثم كان لا ناصر له منكم ولا من غيركم، وهذا القرآن.{وإِنّهُ لتذْكِرةٌ لِّلْمُتّقِين وإِنّا لنعْلمُ أنّ مِنكُم مُّكّذِّبِين وإِنّهُ لحسْرةٌ على الكافِرِين وإِنّهُ لحقُّ اليقِينِ}.حقُّ اليقين هو اليقين فالإضافة هكذا إلى نفس الشيء.وعلوم الناس تختلف في الطرق إلى اليقين خفاء وجلاء؛ فما يقال عن الفرق بين علم اليقين وعين اليقين وحقِّ اليقين يرجع إلى كثرة البراهين، وخفاء الطريق وجلائه، ثم إلى كون بعضه ضروريا وإلى بعضه كسيبا، ثم ما يكون مع الإدراكات. اهـ.
|