الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال ابن عاشور: وقوله: {ولا ترتَدّوا على أدباركم} تحذير ممّا يوجب الانهزام، لأنّ ارتداد الجيش على الأعقاب من أكبر أسباب الانخذال.والارتداد افتعال من الردّ، يقال: ردّه فارتدّ، والردّ: إرجاع السائر عن الإمضاء في سيره وإعادته إلى المكان الذي سار منه.والأدبار: جمع دُبُر، وهو الظهر.والارتداد: الرجوع، ومعنى الرجوع على الأدبار إلى جهة الأدبار، أي الوراء لأنّهم يريدون المكان الذي يمشي عليه الماشي وهو قد كان من جهة ظهره، كما يقُولون: نكص على عقبيه، وركبوا ظهورهم، وارتدّوا على أدبارهم، وعلى أعقابهم، فعدّي بـ {على} الدالّة على الاستعلاء، أي استعلاء طريق السير، نزّلت الأدبار الّتي يكون السير في جهتها منزلة الطريق الّذي يسار عليه.والانقلاب: الرجوع، وأصله الرجوع إلى المنزل قال تعالى: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل} [آل عمران: 174].والمراد به هنا مطلق المصير. اهـ..قال القرطبي: ولما خرجت بنو إسرائيل من مصر أمرهم بجهاد أهل أرِيحاء من بلاد فلسطِين فقالوا: لا علم لنا بتلك الديار؛ فبعث بأمر الله اثني عشر نقيبًا، من كل سِبط رجل يتجسسون الأخبار على ما تقدم، فرأوا سكانها الجبارين من العمالقة، وهم ذوو أجسام هائلة؛ حتى قيل: إن بعضهم رأى هؤلاء النقباء فأخذهم في كُمّه مع فاكهة كان قد حملها من بستانه وجاء بهم إلى الملِك فنثرهم بين يده وقال: إن هؤلاء يريدون قِتالنا؛ فقال لهم الملِك: ارجعوا إلى صاحبكم فأخبروه خبرنا؛ على ما تقدم.وقيل: إنهم لما رجعوا أخذوا من عِنب تلك الأرض عنقودًا فقيل: حمله رجل واحد، وقيل: حمله النقباء الاثنا عشر.قلت: وهذا أشبه؛ فإنه يُقال: إنهم لما وصلوا إلى الجبارين وجدوهم يدخل في كُمّ أحدهم رجلان منهم، ولا يحمل عنقود أحدهم إلاَّ خمسة منهم في خشبة، ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبه خمسة أنفس أو أربعة.قلت: ولا تعارض بين هذا والأول؛ فإن ذلك الجبار الذي أخذهم في كُمّه ويُقال: في حجره وهو عُوج بن عناق وكان أطولهم قامة وأعظمهم خَلْقًا؛ على ما يأتي من ذكره إن شاء الله تعالى.وكان طول سائرهم ستة أذرع ونصف في قول مقاتل.وقال الكَلْبيّ: كان طول كل رجل منهم ثمانين ذراعًا، والله أعلم.فلما أذاعوا الخبر ما عدا يوشع وكالب بن يوقنا، وامتنعت بنو إسرائيل من الجهاد عوقبوا بالتيه أربعين سنة إلى أن مات أُولئك العصاة ونشأ أولادهم، فقاتلوا الجبارين وغلبوهم. اهـ..من لطائف وفوائد المفسرين: .من لطائف القشيري في الآية: قال عليه الرحمة:قوله جلّ ذكره: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ التي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}.من الفرق بين هذه الأمة وبين بني إسرائيل أنه أباح لهم دخولَ الأرض المقدسة على الخصوص فقال: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ التي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ} ثم إنهم لم يدخلوها إلا بعد مدة، وبعد جهد وشدة، وقال في شأن هذه الأمة {وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] فأولئك كتب لهم دخول الأرض كتابةَ تكليف ثم قصروا، وهذه الأمة كتب لهم جميع الأرض على جهة التشريف، ثم وصلوا إلى ما كتب لهم وما قصروا.وقال: {ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ} وقال لهذه الأمة: {هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا في مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ} [الملك: 15] فهؤلاء ذلَّل لهم وسهَّل عليهم، وأولئك صعَّب عليهم الوصول إلى ما أمرهم فيما أنزل الله عليهم.قوله جلّ ذكره: {وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ}.الارتداد على قسمين: عن الشريعة وإقامة العبودية وذلك يوجب عقوبة النفوس بالقتل، وعن الإرادة وذلك يوجب الشِّقْوَة- التي هي الفراق- على القلوب. اهـ..من فوائد ابن الجوزي في الآية: قال رحمه الله:قوله تعالى: {يا قوم ادخلوا} وقرأ ابن محيصن: يا قومُ، بضم الميم، وكذلك {يا قوم اذكروا نعمة} {يا قوم اعبدوا} [الأعراف: 59].وفي معنى {المقدّسة} قولان:أحدهما: المطهرة، قاله ابن عباس، والزجاج.قال: وقيل للسطل: القَدَس، لأنهُ يتطهّر منه، وسُمّي بيت المقدس، لأنه يتطهر فيه من الذنوب.وقيل: سمّاها مقدّسة، لأنها طهرت من الشرك، وجعلت مسكنًا للأنبياء والمؤمنين.والثاني: أن المقدَّسة: المباركة، قاله مجاهد.وفي المراد بتلك الأرض أربعة أقوال:أحدها: أنها أريحا، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال السدي، وابن زيد.قال السدي: أريحا: هي أرض بيت المقدس.وروي عن الضحاك أنه قال: المراد بهذه الأرض إيلياء وبيت المقدس.قال ابن قتيبة: وقرأت في مناجاة موسى أنه قال: اللهم إِنَّك اخترت من الأنعام الضائنة، ومن الطير الحمامة، ومن البيوت بكة وإِيلياء، ومن إِيلياء بيت المقدس.فهذا يدل على أن إِيلياء الأرض التي فيها بيت المقدس.وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي أن إِيلياء بيت المقدس، وهو معرَّب.قال الفرزدق:والقول الثاني: أنها الطور وما حوله، رواه مجاهد عن ابن عباس وقال به.والثالث: أنها دمشق وفلسطين وبعض الأردُن، رواه أبو صالح عن ابن عباس.والرابع: أنها الشام كلها، قاله قتادة.وفي قوله تعالى: {التي كتب الله لكم} ثلاثة أقوال:أحدها: أنه بمعنى أمرَكم وفرض عليكم دخولها، قاله ابن عباس، والسدي.والثاني: أنه بمعنى: وهبها الله لكم، قاله محمد بن إِسحاق.وقال ابن قتيبة: جعلها لكم.والثالث: كتب في اللوح المحفوظ أنها مساكنكم.فإن قيل: كيف؟ قال: فإنها محرمة عليهم، وقد كتبها لهم؟ فعنه جوابان.أحدهما: أنه إِنما جعلها لهم بشرط الطاعة، فلما عصَوْا حرَّمها عليهم.والثاني: أنه كتبها لبني إِسرائيل، وإِليهم صارت، ولم يعنِ موسى أن الله كتبها للذين أُمِرُوا بدخولها بأعيانهم.قال ابن جرير: ويجوز أن يكون الكلام خرج مخرج العموم، وأُريد به الخصوص، فتكون مكتوبة لبعضهم، وقد دخلها يوشع، وكالب.قوله تعالى: {ولا ترتدوا على أدباركم} فيه قولان:أحدهما: لا ترجعوا عن أمر الله إِلى معصيته.والثاني: لا ترجعوا إِلى الشرك به. اهـ. .من فوائد الرازي: الفائدة الأولى: اختلفوا في تلك الأرض، فقال عكرمة والسدي وابن زيد: هي أريحا وقال الكلبي: دمشق وفلسطين وبعض الأردن، وقيل الطور. اهـ.الفائدة الثانية: في قوله: {كَتَبَ الله لَكُمْ} فائدة عظيمة، وهي أن القوم وإن كانوا جبارين إلا أن الله تعالى لما وعد هؤلاء الضعفاء بأن تلك الأرض لهم، فإن كانوا مؤمنين مقرين بصدق موسى عليه السلام علموا قطعًا أن الله ينصرهم عليهم ويسلطهم عليهم فلابد وأن يقدموا على قتالهم من غير جبن ولا خوف ولا هلع، فهذه هي الفائدة من هذه الكلمة. اهـ..من فوائد أبي حيان في الآية: قال رحمه الله:{يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله عليكم} المقدسة المطهرة، وهي أريحا قاله: السدي وابن زيد، ورواه عكرمة عن ابن عباس.وقيل: موضع بيت المقدس.وقيل: ايليا.قال ابن قتيبة.قرأت في مناجاة موسى قال: اللهم إنك اخترت فذكر أشياء ثم قال: رب ايليا بيت المقدس.وقال ابن الجوزي: قرأت على أبي منصور اللغوي قال: ايليا بيت المقدس.قال الفرزدق:وقيل: الطور، رواه مجاهد عن ابن عباس، واختاره الزجاج.وقيل: فلسطين ودمشق وبعض الأردن.قال قتادة: هي الشام.وقال الكلبي: صعد إبراهيم عليه السلام جبل لبنان فقال له جبريل: انظر فما أدركه بصرك فهو مقدس، وهو ميراث لذريتك.وقيل: ما بين الفرات وعريش مصر.قال الطبري: لا يختلف أنها ما بين الفرات وعريش مصر قال: وقال الادفوي: أجمع أهل التأويل والسير والعلماء بالأخبار أنها ما بين الفرات وعريش مصر.وقال الطبري: تظاهرت الروايات أن دمشق هي قاعدة الجبارين انتهى.والتقديس: التطهير قيل: من الآفات.وقيل: من الشرك، جعلت مسكنًا وقرارًا للأنبياء، وغلبة الجبارين عليها لا يخرجها عن أن تكون مقدسة.وقيل: المقدسة المباركة طهرت من القحط والجوع، وغير ذلك قاله مجاهد.وقيل: سميت مقدسة لأن فيها المكان الذي يتقدس فيه من الذنوب، ومنه قيل: للسطل قدس لأنه يتوضأ ويتطهر.ومعنى كتبها الله لكم: قسمها، وسماها، أو خط في اللوح أنها لكم مسكن وقرار.وقال ابن إسحاق: وهبها لكم.وقال السدي: أمركم بدخولها، وفي ذلك تنشيط لهم وتقوية إذا أخبرهم بأنّ الله كتبها لهم.والظاهر استعمال كتب في الفرض كقوله: {كتب عليكم الصيام} و{كتب عليكم القتال} وأما إن كان كتبها بمعنى خط في الأزل، وقضى، فلا يحتاج ظاهر هذا اللفظ ظاهر قوله: محرمة عليهم.فقيل: اللفظ عام.والمراد الخصوص كأنه قال: مكتوبة لبعضهم وحرام على بعضهم، أو ذلك مشروط بقيد امتثال القتال، فلم يمتثلوا، فلم يقع المشروط أو التحريم، مقيد بأربعين سنة فلما انقضت جعل ما كتب.
|