الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من فوائد الزمخشري في الآيات: قال رحمه الله:.[سورة الأعراف: آية 47] {وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)}.إذا نظروا إلى أصحاب الجنة نادوهم بالتسليم عليهم {وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ} ورأوا ما هم فيه من العذاب استعاذوا باللّه وفزعوا إلى رحمته أن لا يجعلهم معهم. ونادرا رجالا من رؤوس الكفرة يقولون لهم {أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ} إشارة لهم إلى أهل الجنة، الذين كان الرؤساء يستهينون بهم ويحتقرونهم لفقرهم وقلة حظوظهم من الدنيا، وكانوا يقسمون أن اللّه لا يدخلهم الجنة {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} يقال لأصحاب الأعراف ادخلوا الجنة وذلك بعد أن يحبسوا على الأعراف وينظروا إلى الفريقين ويعرفوهم بسيماهم ويقولوا ما يقولون.وفائدة ذلك بيان أن الجزاء على قدر الأعمال، وأن التقدّم والتأخر على حسنها، وأن أحدًا لا بسبق عند اللّه إلا بسبقه في العمل، ولا يتخلف عنده إلا بتخلفه فيه، وليرغب السامعون في حال السابقين ويحرصوا على إحراز قصبتهم، وليتصوروا أن كل أحد يعرف ذلك اليوم بسيماه التي استوجب أن يوسم بها من أهل الخير والشر، فيرتدع المسيء عن إساءته، ويزيد المحسن في إحسانه. وليعلم أنّ العصاة يوبخهم كل أحد حتى أقصر الناس عملا. وقوله: {وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ} فيه أن صارفا يصرف أبصارهم لينظروا فيستعيذوا ويوبخوا وقرأ الأعمش: {وإذا قلبت أبصارهم} وقرئ: {أدخلوا الجنة}، على البناء للمفعول. وقرأ عكرمة: {دخلوا الجن}ة. فإن قلت: كيف لاءم هاتين القراءتين قوله: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} قلت: تأويله: أدخلوا، أو دخلوا الجنة مقولا لهم: لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون. فإن قلت: ما محل قوله: {لم يدخلوها وهم يطمعون} قلت: لا محل له لأنه استئناف، كأن سائلا سأل عن حال أصحاب الأعراف فقيل: {لم يدخلوها وهم يطمعون}، يعنى حالهم أنّ دخولهم الجنة استأخر عن دخول أهل الجنة، فلم يدخلوها لكونهم محبوسين وهم يطمعون لم ييأسوا. ويجوز أن يكون له محل، بأن يقع صفة لرجال {ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ} المال أو كثرتكم واجتماعكم {وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} واستكباركم عن الحق وعلى الناس، وقرئ: {تستكثرون}، من الكثرة..[سورة الأعراف: الآيات 50- 51] {وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (51)}.{أَفِيضُوا عَلَيْنا} فيه دليل على أن الجنة فوق النار {أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} من غيره من الأشربة لدخوله في حكم الإفاضة، ويجوز أن يراد: أو ألقوا علينا مما رزقكم اللّه من الطعام والفاكهة. كقوله:وإنما يطلبون ذلك مع يأسهم من الإجابة إليه حيرة في أمرهم، كما يفعل المضطر الممتحن.{حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ} منعهم شراب الجنة وطعامها كما يمنع المكلف ما يحرّم عليه ويحظر، كقوله: {فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ} نفعل بهم فعل الناسين الذين ينسون عبيدهم من الخير لا يذكرونهم به {كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا} كما فعلوا بلقائه فعل الناسين، فلم يخطروه ببالهم ولم يهتموا به. .[سورة الأعراف: الآيات 52- 53] {وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (53)}.فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ عالمين كيف نفصل أحكامه ومواعظه وقصصه وسائر معانيه، حتى جاء حكيما قيما غير ذى عوج. وقرأ ابن محيصن: فضلناه، بالضاد المعجمة. بمعنى فضلناه على جميع الكتب، عالمين أنه أهل للتفضيل عليها. وهُدىً وَرَحْمَةً حال من منصوب فضلناه، كما أن على علم حال من مرفوعه إِلَّا تَأْوِيلَهُ إلا عاقبة أمره وما يؤول إليه من تبين صدقه وظهور صحة ما نطق به من الوعد والوعيد قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ أي تبين وصحّ أنهم جاءوا بالحق نُرَدُّ جملة معطوفة على الجملة التي قبلها، داخلة معها في حكم الاستفهام، كأنه قيل: هل لنا من شفعاء، أو هل نردّ. ورافعه وقوعه موقعًا يصلح للاسم، كما تقول ابتداء: هل يضرب زيد؟ولا يطلب له فعل آخر يعطف عليه. فلا يقدّر: هل يشفع لنا شافع أو نردّ. وقرأ ابن أبى إسحاق. {أو نردّ} بالنصب عطفًا على فيشفعوا لنا. أو تكون {أو} بمعنى حتى أنّ أي يشفعوا لنا حتى نردّ فنعمل، وقرأ الحسن بنصب {نُرَدُّ} ورفع {فَنَعْمَلَ} بمعنى: فنحن نعمل..[سورة الأعراف: آية 54] {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (54)}.{يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} وقرئ {يغشى} بالتشديد، أي يلحق الليل النهار، والنهار بالليل يحتملهما جميعًا. والدليل على الثاني قراءة حميد بن قيس: {يغشى الليل النهار}، بفتح الياء ونصب {الليل} ورفع {النها}ر، أي يدرك النهار الليل ويطلبه حثيثًا، حسن الملاءمة لقراءة حميد {بِأَمْرِهِ} بمشيئته وتصريفه، وهو متعلق بمسخرات أي خلقهنّ جاريات بمقتضى حكمته وتدبيره، وكما يريد أن يصرفها سمى ذلك أمرا على التشبيه، كأنهنّ مأمورات بذلك. وقرئ: {والشمس والقمر والنجوم مسخرات}، بالرفع. ولما ذكر أنه خلقهنّ مسخرات بأمره قال: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} أي هو الذي خلق الأشياء كلها، وهو الذي صرفها على حسب إرادته..[سورة الأعراف: الآيات 55- 58] {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحابًا ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)}.{تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} نصب على الحال، أي ذوى تضرع وحفية. وكذلك {خوفًا وطمعًا}.والتضرع تفعل من الضراعة وهو الذل، أي تذللا وتملقا. وقرئ {وخفية} وعن الحسن رضي الله عنه: إنّ اللّه يعلم القلب التقى والدعاء الخفي، إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به جاره، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير ولا يشعر الناس به، وإن كان الرجل ليصلى الصلاة الطويلة وعنده الزور وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدًا. ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم. وذلك أنّ اللّه تعالى يقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} وقد أثنى على زكريا فقال: {إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا} وبين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفًا. {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} أي المجاوزين ما أمروا به في كل شيء من الدعاء وغيره. وعن ابن جريح، هو رفع الصوت بالدعاء. وعنه: الصياح في الدعاء مكروه وبدعة. وقيل: هو الإسهاب في الدعاء. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم: «سيكون قوم يعتدون في الدعاء». وحسب المرء أن يقول: اللهمّ إنى أسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل ثم قرأ قوله تعالى: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}. {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} كقوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا}. وإنما ذكر قَرِيبٌ على تأويل الرحمة بالرحم أو الترحم، أو لأنه صفة موصوف محذوف، أي شيء قريب. أو على تشبيه بفعيل الذي هو بمعنى مفعول كما شبه ذاك به، فقيل قتلاء وأسراء، أو على أنه بزنة المصدر، الذي هو النقيض والضغيب. أو لأنّ تأنيث الرحمة غير حقيقى. قرئ: {نشرًا} وهو مصدر نشر. وانتصابه إمّا لأن أرسل ونشر متقاربان، فكأنه قيل: نشرها نشرًا: وإمّا على الحال بمعنى منتشرات. ونشرًا جمع نشور.{ونشرًا} تخفيف نشر، كرسل ورسل. وقرأ مسروق: {نشرًا} بمعنى منشورات، فعل بمعنى مفعول، كنقض وحسب. ومنه قولهم: ضم نشره وبشرًا جمع بشير. وبشرًا بتخفيفه. و{بشرًا}- بفتح الباء- مصدر من بشره بمعنى بشره، أي باشرات، و{بشرى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} أمام رحمته، وهي الغيث الذي هو من أتمّ النعم وأجلها وأحسنها أثرًا {أَقَلَّتْ} حملت ورفعت، واشتقاق الإقلال من القلة، لأنّ الرافع المطيق يرى الذي يرفعه قليلا {سَحابًا ثِقالًا} سحائب ثقالا بالماء جمع سحابة {سُقْناهُ} الضمير للسحاب على اللفظ، ولو حمل على المعنى كالثقال لأنث، كما لو حمل الوصف على اللفظ لقيل ثقيلا {لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} لأجل بلد ليس فيه حيًا ولسقيه. وقرئ: {ميت فَأَنْزَلْنا بِهِ} بالبلد أو بالسحاب أو بالسوق. وكذلك {فَأَخْرَجْنا بِهِ...} كَذلِكَ مثل ذلك الإخراج وهو إخراج الثمرات {نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون} فيؤدّيكم التذكر إلى أنه لا فرق بين الإخراجين. إذا كل واحد منهما إعادة للشيء بعد إنشائه {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ} الأرض العذاة الكريمة التربة {وَالَّذِي خَبُثَ} الأرض السبخة التي لا تنبت ما ينتفع به {بِإِذْنِ رَبِّهِ} بتيسيره وهو في موضع الحال، كأنه قيل: يخرج نباته حسنا وافيا لأنه واقع في مقابلة {نَكِدًا} والنكد الذي لا خير فيه. وقرئ: {يخرج نباته}، أي يخرجه البلد وينبته. وقوله: {وَالَّذِي خَبُثَ} صفة للبلد ومعناه والبلد الخبيث لا يخرج نباته إلا نكدًا، فحذف المضاف الذي هو النبات، وأقيم المضاف إليه الذي هو الراجع إلى البلد مقامه، إلا أنه كان مجرورا بارزًا، فانقلب مرفوعا مستكنا لوقوعه موقع الفاعل، أو يقدّر: ونبات الذي خبث.وقرئ: {نكدًا} بفتح الكاف على المصدر، أي ذا نكد. ونكدًا، بإسكانها للتخفيف، كقوله: نزه عن الريب، بمعنى نزه. وهذا مثل لمن ينجع فيه الوعظ والتنبيه من المكلفين، ولمن لا يؤثر فيه شيء من ذلك. وعن مجاهد: آدم وذرّيته منهم خبيث وطيب. وعن قتادة: المؤمن سمع كتاب اللّه فوعاه بعقله وانتفع به، كالأرض الطيبة أصابها الغيث فأنبتت. والكافر بخلاف ذلك. وهذا التمثيل واقع على أثر ذكر المطر، وإنزاله بالبلد الميت، وإخراج الثمرات به على طريق الاستطراد {كَذلِكَ} مثل ذلك التصريف {نُصَرِّفُ الْآياتِ} نردّدها ونكرّرها {لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} نعمة اللّه وهم المؤمنون، ليفكروا فيها ويعتبروا بها. وقرئ: {يصرف} بالياء أي يصرفها اللّه. اهـ.
|