الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَمَأْوَاكُمُ النار} يعني: مثواكم ومستقركم النار {وَمَا لَكُمْ مّن ناصرين} يعني: ليس لكم مانع يمنعكم. مما نزل بكم من العذاب {ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتخذتم ءايات الله هُزُوًا} يعني: هذا العذاب. بأنكم لم تؤمنوا {وَغَرَّتْكُمُ الحياة الدنيا} يعني: ما في الدنيا من زينتها وزهرتها {فاليوم لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا} قرأ حمزة والكسائي بنصب الياء. فيجعلان الفعل لهم.والباقون بالضم على فعل. ما لم يسم فاعله.{ولاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} يعني: لا يرجعون إلى الدنيا.وقال الكلبي: لا يعاتبون بعد هذا القول. ويتركون في النار.ويقال: لا يراجعون الكلام بعد دخو لهم النار {فَلِلَّهِ الحمد} يعني: عند ذلك. يحمد المؤمنون الله في الجنة.كقوله: {وَقالواْ الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأو رثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين} [الزمر: 74] ويقال: {فَلِلَّهِ الحمد} يعني: له اثار الحمد. فعلى جميع الخلق أن يحمدوه.ويقال: {فَلِلَّهِ الحمد} يعني: الألوهية والربوبية {رَبّ السموات وَرَبّ الأرض} يعني: الحمد لرب الأرض {رَبّ العالمين} يعني: لرب جميع الخلق الحمد والثناء {ولهُ الكبرياء} يعني: العظمة. والقدرة. والسلطان. والعزة {فِي السموات والأرض وهو العزيز} في ملكه {الحكيم} في أمره وقضائه. سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا. وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم. اهـ.
.قال المأو ردي: قوله عز وجل: {حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ}.يعني القرآن.{مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} وفي إضافة التنزيل إليه في هذا الموضع وفي أمثاله وجهان:أحدهما: افتتاح كتابه منه كما يفتتح الكاتب كتابه به.الثاني: تعظيمًا لقدره وتضخيمًا لشأنه عليه في الابتداء بإضافته إليه.قوله عز وجل: {وَاخْتِلاَفِ الليْلِ وَالنَّهَارِ} يحتمل وجهين:أحدهما: يعني اختلافهما بالطو ل والقصر.الثاني: اختلافهما بذهاب أحدهما ومجيء الآخر.{وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ} يحتمل وجهين:أحدهما: المطر الذي ينبت به الزرع وتحيا به الأرض.الثاني: ما قضاه في السماء من أرزاق العباد.{وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: تصريفها بإرسالها حيث يشاء.الثاني: ينقل الشمال جنوبًا والجنوب شمالًا. قاله الحسن.الثالث: أن يجعلها تارة رحمة وتارة نقمة؛ قاله قتادة.قوله عز وجل: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: أن الأفاك: الكذاب. قاله ابن جريج.الثاني: أنه المكذب بربه.الثالث: أنه الكاهن. قاله قتادة.{يَسْمَعُ ءَايَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيهِ} يعني القرآن.{ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا} فيه تأويلأن:أحدها: يقيم على شركه مستكبرًا عن طاعة ربه. وهو معنى قول يحيى بن سلام.الثاني: أن الإصرار على الشيء العقد بالعزم عليه. وهو مأخوذ من صَرَّ الصُّرَّةَ إذا شدها. قاله ابن عيسى.{كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} في عدم الاتعاظ بها والقبو ل لها.{فَبِشَّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} قال ابن جريج نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث.قوله عز وجل: {قُلْ لِّلَّذِينَ ءَآمنوا يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: لا ينالون نعم الله. قاله مجاهد.الثاني: لا يخشون عذاب الله. قاله الكلبي ومقاتل.الثالث: لا يطمعون في نصر الله في الدنيا ولا في الآخرة. قاله ابن بحر.وفي المراد بأيام الله وجهان:أحدهما: أيام إنعامه وانتقامه في الدنيا. لأنه ليس في الآخرة. وتكون الأيام وقتًا وإن تكن أيامًا على الحقيقة.وفي الكلام أمر محذوف فتقديره: قل للذين آمنوا إغفروا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله. الغفران ها هنا العفو وترك المجازاة على الأذى.وحكى الكلبي أن هذه الآية نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد شتمه رجل من المشركين فهمَّ أن يبطش به. فلما نزل ذلك فيه كف عنه.وفي نسخ هذه الآية قولان:أحدهما: أنها ثابتة في العفوعن الأذى في غير الدين.الثاني: أنها منسوخة وفيما نسخها قولان:أحدهما: بقوله سبحانه: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} قاله قتادة.الثاني: بقوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُواْ} قاله أبوصالح.قوله عز وجل: {وَءَآتيناهم بَيِّنَاتٍ مِنَ الأَمْرِ} فيه وجهان:أحدهما: ذكر الرسول وشواهد نبوته.الثاني: بيان الحلال والحرام. قاله السدي.{فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} فيه قولان:أحدهما: من بعد يوشع بن نون فامن بعضهم وكفر بعضهم. حكاه النقاش.الثاني: بعدما أعلمهم الله ما في التوراة.{بَغْيًا بَيْنَهُمْ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: طلبًا للرسالة وأنفة من الإذعان للصواب. حكاه ابن عيسى.الثاني: بغيًا على رسول الله صلى عليه وسلم في جحود ما في كتابهم من نبوة وصفته. قاله الضحاك.الثاني: أنهم أرادوا الدنيا ورخاءها فغيروا كتابهم وأحلوا فيه ما شاؤوا وحرموا ما شاؤوا. قاله يحيى بن آدم.قوله عز وجل: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ} أي على طريقة من الدين كالشريعة التي هي طريق إلى الماء. ومنه الشارع لأنه طريق إلى القصد.وفي المراد بالشريعة أربعة أقاويل:احدها: أنها الدين. قاله ابن زيد. لأنه طريق للنجاة.الثاني: أنها الفرائض والحدود والأمر والنهي. قاله قتادة لأنها طريق إلى الدين.الثالث: أنها البينة. قاله مقاتل: لأنها طريق الحق.الرابع: السنة. حكاه الكلبي لأنه يستنّ بطريقة من قبله من الأنبياء.قوله عز وجل: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ} أي اكتسبوا الشرك. قال الكلبي: الذين أريد بهم هذه الآية عتبه وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة.{أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَآمنوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} قال الكلبي أريد بهم علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث حين برزوا إليهم يوم بدر فقتلوهم.قوله عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هواه} فيه ثلاثة أقاويل:أحدها: أفرأيت من اتخذ دينه ما يهواه. فلا يهوى شيئًا إلا ركبه. قاله ابن عباس.الثاني: أفرأيت من جعل إلهه الذي يعبده ما يهواه ويستحسنه. فإذا استحسن شيئًا وهو به اتخذه إلهًا. قاله عكرمة. قاله سعيد بن جبير: كان أحدهم يعبد الحجر. فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر.الثالث: أفرأيت من ينقاد لهواه انقياده لإلهه ومعبوده تعجبًا لذوي العقول من هذا الجهل.{وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} فيه تأويلأن:أحدهما: وجده ضالًا. حكاه ابن بحر.الثاني: معناه ضل عن الله. ومنه قول الشاعر:أي ضل عنه بعيره.وفي قوله: {عَلَى عِلْمٍ} وجهان:أحدهما: على علم منه أنه ضال. قاله مقاتل.الثاني: قاله ابن عباس أي في سابق علمه أنه سيضل.{وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} أي طبع على سمعه حتى لا يسمع الوعظ وطبع على قلبه حتى لا يفقه الهدى.{وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غَشَاوَةً} حتى لا يبصرالرشد.ثم في هذا الكلام وجهان:أحدهما: أنه خارج مخرج الخبر عن أحوالهم.الثاني: أنه خارج مخرج الدعاء بذلك عليهم.وحكى ابن جريج أنها نزلت في الحارث بن قيس من الغياطلة. وحكى الضحاك أنها نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف.قوله عز وجل: {وَقالواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} وهذا القول منهم إنكار للاخرة وتكذيب بالبعث وإبطال للجزاء.{نَمُوتُ وَنَحْيَا} فيه وجهان:أحدهما: أنه مقدم ومؤخر. وتقديره: نحيا نموت. وهي كذلك في قراءة ابن مسعود.الثاني: أنه على تربيته. وفي تأويله وجهان:أحدهما: نموت نحن ويحيا أولادنا. قاله الكلبي.الثاني: يموت بعضنا.{وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} فيه أربعة أوجه:أحدها: وما يهلكنا إلا العمر. قاله قتادة. وأنشد قول الشاعر: الثاني: وما يهلكنا إلا الزمان. قاله مجاهد.وروى أبو هريرة قال: كان أهل الجاهلية يقولون إنما يهلكنا الليل والنهار. والذي يهلكنا يميتنا ويحيينا. فنزلت هذه الآية.الثالث: وما يهلكنا إلا الموت. قاله قطرب. وأنشد لأبي ذؤيب: الرابع: وما يهلكنا إلا الله. قاله عكرمة.وروى الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رجال يقولون: يا خيبة الدهر. يا بؤس الدهر. لا تسبوا الدهر فإن الله عز وجل هو الدهر. وإنه يقبض الأيام ويبسطها».قوله عز وجل: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} الأمة أهل كل ملة. وفي الجاثية خمسة تأويلات:أحدها: مستوفزة. قاله مجاهد. وقال سفيان: المستوفز الذي لا يصيب منه الأرض إلا ركبتاه وأطراف أنامله.الثاني: مجتمعة. قاله ابن عباس.الثالث: متميزة. قاله عكرمة.الرابع: خاضعة بلغة قريش. قاله مؤرج.الخامس: باركة على الركب. قاله الحسن.وفي الجثاة قولان:أحدهما: أنه للكفار خاصة. قاله يحيى بن سلام.الثاني: أنه عام للمؤمن والكافر انتظارًا للحساب.وقد روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن عبد الله بن باباه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كأني أراكم بالكوم جاثين دون جهنم».{كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: إلى حسابها. قاله يحيى بن سلام.الثاني: إلى كتابها الذي كان يستنسخ لها فيه ما عملت من خير وشر. قاله الكلبي.الثالث: إلى كتابها الذي أنزل على رسولها. حكاه الجاحظ.قوله عز وجل: {هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} فيه ثلاثة أقاويل:أحدها: أنه القرآن يدلكم على ما فيه من الحق. فكأنه شاهد عليكم. قاله ابن قتيبة.الثاني: أنه اللوح المحفوظ يشهد بما قضي فيه من سعادة وشقاء. خير وشر. قاله مقاتل. وهو معنى قول مجاهد.الثالث: أنه كتاب الأعمال الذي يكتب الحفظة فيه أعمال العباد ويشهد عليكم بما تضمنه من صدق أعمالكم. قاله الكلبي.{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُم تَعْمَلُونَ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: يعني يكتب الحفظة ما كنتم تعملون في الدنيا. قاله علي رضي الله عنه ومن زعم أنه كتاب الأعمال.الثاني: أنه الحفظة تستنسخ الخزنة ما هو مدوَّن عندها من أحوال العباد. قاله ابن عباس ومن زعم أن الكتاب هو اللوح المحفوظ.الثالث: نستنسخ ما كتب عليكم الملائكة الحفظة. قاله الحسن لأن الحفظة ترفع إلى الخزنة صحائف الأعمال.قوله عز وجل: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: اليوم نترككم في النار كما تركتم أمري. قاله الضحاك.الثاني: اليوم نترككم من الرحمة كما تركتم الطاعة. وهو محتمل.الثالث: اليوم نترككم من الخير كما تركتمونا من العمل. قاله سعيد بن جبير.قوله عز وجل: {ولهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ} فيه أربعة أوجه:
|