الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الثعلبي: {أَيُشْرِكُونَ} يعني كفار مكة {مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} يعني الأصنام.قال ابن زيد: ولد لآدم ولد فسمياه عبد الله فاتاهما إبليس فقال: ما سميتما ابنكما هذا؟قال: وكان ولد لهما قبل ذلك ولد سمياه عبد الله فمات فقالا: سميناه عبد الله، فقال إبليس: أتظنان أن الله تارك عبده عندكما لا والله ليذهبن كما ذهب الآخر، ولكن أدلكما على اسم يبقى لكما ما بقيتما فسمياه عبد شمس.فذلك قوله: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}. الشمس لا تخلق شيئًا حتّى يكون لها عبدًا إنّما هي مخلوقة قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خدعهما مرتين خدعهما في الجنّة وخدعهما في الأرض».والذي يؤيد القول الأول قراءة السلمي: أتشركون بالتاء. اهـ..قال ابن عطية: {أيشركون ما لا يخلق} الآية.وروى بعض من قال إن الآيات في آدم وحواء أن إبليس جاء إلى آدم وقد مات له ولد اسمه عبد الله فقال: إن شئت أن يعيش لك الولد فسمه عبد شمس، فولد له ولد فسماه كذلك وإياه عنى بقوله: {أيشركون ما لا يخلق شيئًا}، {وهم يخلقون} على هذا عائد على آدم وحواء والابن المسمى عبد شمس، ومن قال بالقول الآخر قال إن هذه في مشركي الكفار الذين يشركون الأصنام في العبادة وإياها أراد بقوله: {ما لا يخلق}، وعبر عنها بهم كأنها تعقل على اعتقاد الكفار فيها وبحسب أسمائها، و{يخلقون} معناه ينحتون ويصنعون، ويحتمل على قراءة {يشركون} بالياء من تحت أني كون المعنى وهؤلاء المشركون يخلقون، أي فكان قولهم أن يعتبروا بأنهم مخلوقون فيجعلون إلههم خالقهم لا من لا يخلق شيئًا. اهـ..قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {أيشركون ما لا يخلق شيئًا}.قال ابن زيد: هذه لآدم وحواء حيث سمّيا ولدهما عبد شمس، والشمس لا تخلق شيئًا.وقال غيره: هذا راجع إلى الكفار حيث أشركوا بالله الاصنام، وهي لا تخلق شيئًا وقوله: {وهم يُخلَقون} أي: وهي مخلوقة.قال ابن الأنباري: وإنما قال: {ما} ثم قال: {وهم يُخلَقون} لأن {ما} تقع على الواحد والاثنين والجميع؛ وإنما قال: {وهم} وهو يعني الأصنام، لأن عابديها أدّعَوا أنها تعقل وتميِّز، فأجريت مجرى الناس، فهو كقوله: {رأيتهم لي ساجدين} [يوسف: 4] وقوله: {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم} [النمل: 18] وقوله: {وكل في فلك يسبحون} [يس: 40]، قال الشاعر:وأنشد ثعلب لعبدة بن الطبيب: لمّا جعله يدعو، جعل الدِّيَكَة قومًا، وجعلهم معازيل، وهم الذين لا سلاح معهم، وجعلهم أُسرة؛ وأسرة الرجل: رهطه وقومه. اهـ. .قال القرطبي: قوله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا} أي أيعبدون ما لا يقدر على خلق شيء.{وَهُمْ يُخْلَقُونَ} أي الأصنام مخلوقة.وقال: {يُخْلَقُونَ} بالواو والنون لأنهم اعتقدوا أن الأصنام تضر وتنفع، فأجريت مجرى الناس؛ كقوله: {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33].وقوله: {يا أيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ} [النمل: 18]. اهـ..قال الخازن: قوله سبحانه وتعالى: {أيشركون}.قرئ بالتاء على خطاب الكفار، وقرئ بالياء على الغيبة {ما لا يخلق شيئًا} يعني إبليس والأصنام {وهم يخلقون} أي وهم مخلوقون.فإن قلت: كيف وحد يخلق ثم جمع فقال وهم يخلقون؟قلت: إن لفظة {ما} تقع على الواحد والإثنين والجمع فهي من صيغ الواحدان بحسب ظاهر اللفظ ومحتملة بحسب المعنى فوحد قوله ما لا يخلق رعاية الحكم ظاهر اللفظ وجمع قوله وهم يخلقون رعاية لجانب المعنى.فإن قلت: كيف جمع بالواو وبالنون لمن لا يعقل وهو جمع من يعقل من الناس؟قلت: لما اعتقد عابدو الأصنام أنها تعقل وتميز ورد هذا الجمع بناء على ما يعقدونه ويتصورنه. اهـ..قال أبو حيان: {أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون} أي أتشركون الأصنام وهي لا تقدر على خلق شيء كما يخلق الله وهم يُخلقون أي يخلقهم الله تعالى ويوجدهم كما يوجدكم أو يكون معناه وهم ينحتون ويصنعون فعبدتهم يخلقونهم وهم لا يقدرون على خلق شيء فهم أعجز من عبدتهم {وهم} عائد على معنى ما وقد عاد الضمير على لفظ ما في يخلق وعبّر عن الأصنام بقوله: {وهم} كأنها تعقل على اعتقاد الكفار فيها وبحسب أسمائهم.وقيل أتى بضمير من يعقل لأنّ جملة من عبد الشياطين والملائكة وبعض بني آدم فغلب من يعقل كل مخلوق لله تعالى ويحتمل أن يكون {وهم} عائدًا على ما عاد عليه ضمير الفاعل في {أيشركون} أي وهؤلاء المشركون يخلقون أي كان يجب أن يعتبروا بأنهم مخلوقون فيجعلوا إلههم خالقهم لا من لا يخلق شيئًا.وقرأ السلمي أتشركون بالتاء من فوق فيظهر أن يكون {وهم} عائدًا على ما على معناها ومن جعل ذلك في آدم وحواء قال: إنّ إبليس جاء إلى آدم وقد مات له ولد اسمه عبد الله فقال إن شئت أن يعيش لك الولد فسمّه عبد شمس فسماه كذلك فإياه عنى بقوله: {أتشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يخلقون} عائد على آدم وحوّاء والابن المسمى عبد شمس. اهـ..قال أبو السعود: {أَيُشْرِكُونَ}.استئنافٌ مسوقٌ لتوبيخ كافةِ المشركين واستقباحِ إشراكِهم على الإطلاق وإبطالِه بالكلية ببيان شأنِ ما أشركوه به سبحانه، وتفصيلِ أحوالِه القاضيةِ ببطلان ما اعتقدوه في حقه أي أيشركون به تعالى: {مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا} أي لا يقدر على أن يخلُق شيئًا من الأشياء أصلًا ومن حق المعبودِ أن يكون خالقًا لعابده لا محالة، وقولُه تعالى: {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} عطفٌ على {لا يخلق} وإيرادُ الضميرين بجمع العقلاءِ مع رجوعهما إلى ما المعبّرِ بها عن الأصنام إنما هو بحسب اعتقادِهم فيها وإجرائِهم لها مُجرى العقلاءِ وتسميتِهم لها آلهةً، وكذا حالُ سائر الضمائرِ الآتيةِ ووصفُها بالمخلوقية بعد وصفِها بنفي الخالقيةِ لإبانة كمالِ منافاةِ حالِها لما اعتقدوه في حقها وإظهارِ غايةِ جهلِهم، فإن إشراكَ ما لا يقدِرُ على خلق شيءٍ ما بخالقه وخالقِ جميع الأشياء مما لا يمكن أن يسوّغه من له عقلٌ في الجملة وعدمُ التعرضِ لخالقها للإيذان بتعينه والاستغناءِ عن ذكره. اهـ..قال الألوسي: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191)}.{أَيُشْرِكُونَ} به تعالى: {مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا} أي ما لا يقدر على أن يخلق شيئًا من الأشياء أصلًا ومن حق المعبود أن يكون خالقًا لعابده لا محالة وعنى {بِمَا} الأصنام، وإرجاع الضمير إليها مفردًا لرعاية لفظها كما أن إرجاع ضمير الجمع إليهما من قوله سبحانه وتعالى: {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} لرعاية معناها وإيراد ضمير العقلاء مع أن الأصنام مما لا يعقل إنما هو بحسب اعتقادهم فيها وإجرائهم لها مجرى العقلاء وتسميتهم لها آلهة.والجملة عطف على {لاَّ يَخْلُقُ}، والجمع بين الأمرين لإبانة كمال منافاة حال ما أشركوه لما اعتقدوه فيه وإظهار غاية جهلهم، وعدم التعرض للخالق للإيذان بتعينه والاستغناء عن ذكره تعالى. اهـ..قال ابن عاشور: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}.هذه الآيات الثلاث كلام معترض بين الكلامين المسوقين لتوبيخ المشركين وإقامة الحجة عليهم، مُخاطب بها النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمون، للتعجيب من عقول المشركين، وفيه تعريض بالرد عليهم لأنه يبلُغ مسامعهم.والاستفهام مستعمل في التعجيب والإنكار.وصيغة المضارع في يشركون دالة على تجدد هذا الإشراك منهم.ونفي المضارع في قوله: {ما لا يَخلق} للدلالة على تجدد نفي الخالقية عنهم.وأصل معنى التجدد، الذي يدل عليه المسند الفِعلي، هو حدوث معنى المسند للمسند إليه، وأنه ليس مجرد ثبوت وتقرر، فيعلم منه: أنهم لا يخلُقون في الاستقبال، وأنهم ما خَلقوا شيئًا في الماضي، لأنه لو كان الخلق صفة ثابتة لهم لكان متقررًا في الماضي والحال والاستقبال.وضمير الغيبة في {وهم يخلقون} يجوز عندي: أن يكون عائدًا إلى ما عاد إليه ضمير {يشركون} [الأعراف: 190]، أي: والمشركون يُخلقون، ومعنى الحال زيادة تفظيع التعجيب من حالهم لإشراكهم بالله أصنافًا لا تخلق شيئًا في حال أن المشركين يُخلقون يومًا فيومًا، أي يتجدد خلقهم، والمشركون يشاهدون الأصنامَ جاثمة في بيوتها ومواضعها لا تصنع شيئًا فصيغة المضارع دالة على الاستمرار بقرينة المقام.ودلالة المضارع على الاستمرار والتكرر دلالة ناشئة عن معنى التجدد الذي في أصل المسند الفعلي، وهي دلالة من مستتبعات التركيب بحسب القرائن المعيّنة لها ولا توصف بحقيقة ولا مجاز لذلك، ومعنى تجدد مخلوقيتهم: هو أن الضمير صادق بأمة وجماعة، فالمخلوقية لا تفارقهم لأنها تتجدد آنا فآنا بازدياد المواليد، وتغير أحوال المواجيد، كما قال تعالى: {خلقًا من بعد خَلْقٍ} [الزمر: 6] فتكون جملة: {وهم يخلقون} حالًا من ضمير {أيشركون}.والمفسرون أعادوا ضمير و{هم يخلقون} على مَا لاَ يَخْلُق، أي الأصنام، ولم يبينوا معنى كون الأصنامَ مخلوقة وهي صُورٌ نحتها الناس، وليست صُورها مخلوقة لله، فيتعين أن المراد أن مادتها مخلوقة وهي الحجارة.وجعلوا إجراء ضمائر العقلاء في قوله: {وهم} وقوله: {يُخلقون} وما بعده على الأصنام وهي جمادات لأنهم نُزلوا منزلة العقلاء، بناء على اعتقاد المحجوجين فيهم، ولا يظهر على لهذا التقدير وجهُ الاتيان بفعل يخلقون بصيغة المضارع لأن هذا الخلق غير متجدد.والضمير المجررو باللام في {لهم نَصرًا} عائد إلى المشركين، لأن المجرور باللام بعد فعل الاستطاعة ونحوه هو الذي لأجله يقع الفعل مثل {لا يَمْلكون لكم رزقًا} [العنكبوت: 17]. اهـ..قال الشعراوي: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191)}.
|