الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {قال ادخلوا}إن الله تعالى يقول لهم ذلك بواسطة الملائكة، لأن الله تعالى لا يكلِّم الكفار يوم القيامة.قال ابن قتيبة: و{في} بمعنى مع.وفي قوله: {قد خلت من قبلكم} قولان:أحدهما: مضت إلى العذاب.والثاني: مضت في الزمان، يعني: كفار الأمم الماضية.قوله تعالى: {كلما دخلت أُمة لعنت أُختها} وهذه أُخُوَّةُ الدِّين والملَّة، لا أُخُوَّةُ النسب.قال ابن عباس: يلعنون من كان قبلهم.قال مقاتل: كلما دخل أهل ملّة، لعنوا أهل ملَّتهم، فيلعن اليهودُ اليهودَ، والنصارى النصارى، والمشركون المشركين، والأتباع القادة، ويقولون: أنتم ألقيتمونا هذا الملقى حين أطعناكم.وقال الزجاج: إنما تلاعنوا، لأن بعضهم ضل باتباع بعض.قوله تعالى: {حتى إذا ادَّاركوا} قال ابن قتيبة: أي: تداركوا، فأدغمت التاء في الدال، وأُدخلت الألف ليَسْلَم السكون لِما بعدها، يريد: تتابعوا فيها واجتمعوا.قوله تعالى: {قالت أُخراهم لأولاهم} فيه ثلاثة أقوال:أحدها: آخر أُمِّة لأول أُمِّة، قاله ابن عباس.والثاني: آخر أهل الزمان لأوّلِّيهم الذين شرعوا له ذلك الدِّين، قاله السدي.والثالث: آخرهم دخولًا إلى النار، وهم الأتباع، لأوِّلهم دخولًا، وهم القادة، قاله مقاتل.قوله تعالى: {هؤلاء أضلونا} قال ابن عباس: شرعوا لنا أن نتخذ من دونك إلها.قوله تعالى: {فآتهم عذابًا ضعفًا} قال الزجاج: أي: عذابًا مضاعفًا.قوله تعالى: {قال لكلٍّ ضعف} أي عذاب مضاعف ولكن لا تعلمون.قرأ أبو بكر، والمفضل عن عاصم: {يعلمون} بالياء.قال الزجاج: والمعنى: لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر.وقرأ الباقون: {تعلمون} بالتاء، وفيها وجهان ذكرهما الزجاج.أحدهما: لا تعلمون أيها المخاطبون ما لكل فريق من العذاب.والثاني: لا تعلمون يا أهل الدنيا مقدار ذلك، وقيل: إنما طلب الأتباع مضاعفة عذاب القادة، ليكون أحد العذابين على الكفر، والثاني على إغرائهم به، فأجيبوا: {لكلٍّ ضعف} أي: كما كان للقادة ذلك، فلكم عذاب بالكفر، وعذاب بالاتِّباع. اهـ..قال القرطبي: قوله تعالى: {قَالَ ادخلوا في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن الجن والإنس فِي النار} أي مع أُممٍ؛ ف {فِي} بمعنى مع.وهذا لا يمتنع؛ لأن قولك: زيد في القوم، أي مع القوم وقيل: هي على بابها.أي ادخلوا في جملتهم.والقائل قيل: هو الله عز وجل، أي قال الله ادخلوا.وقيل: هو مالك خازن النار.{كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} أي التي سبقتها إلى النار، وهي أختها في الدين والملة.{حتى إِذَا اداركوا فِيهَا جَمِيعًا} أي اجتمعوا.وقرأ الأعمش {تداركوا} وهو الأصل، ثم وقع الإدغام فاحْتِيج إلى ألف الوصل.وحكاها المهدوي عن ابن مسعود.النحاس: وقرأ ابن مسعود {حتى إذا ادركوا} أي أدرك بعضهم بعضًا.وعِصْمَةُ عن أبي عمرو {حتى إذا اداركوا} بإثبات الألف على الجمع بين الساكنين.وحكى: هذان عبدا الله.وله ثلثا المال.وعن أبي عمرو أيضًا: {إذا إداركوا} بقطع ألف الوصل؛ فكأنّه سكت على {إذا} للتذكُّر، فلما طال سكوته قطع ألف الوصل كالمبتدئ بها.وقد جاء في الشعر قطع ألف الوصل نحو قوله:وعن مجاهد وحُميد بن قيس {حتى إذ ادركوا} بحذف ألف {إذا} لالتقاء الساكنين، وحذف الألف التي بعد الدال.{جَمِيعًا} نصب على الحال.{قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ} أي آخرهم دخولًا وهم الاتباع لأولاهم وهم القادة.{رَبَّنَا هؤلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النار} فاللام في {لأولاهم} لام أجل؛ لأنهم لم يخاطبوا أولاهم ولكن قالوا في حق أولاهم ربنا هؤلاء أضلونا.والضِّعف المثل الزائد على مثله مرة أو مرات.وعن ابن مسعود أن الضِّعف هاهنا الأفاعي والحيات.ونظير هذه الآية {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب والعنهم لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 68].وهناك يأتي ذكر الضِّعف بأشبع من هذا وما يترتب عليه من الأحكام، إن شاء الله تعالى.{قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} أي للتابع والمتبوع.{ولكن لاَّ يَعْلَمُونَ} على قراءة من قرأ بالياء؛ أي لا يعلم كل فريق ما بالفريق الآخر، إذ لو علم بعض من في النار أن عذاب أحد فوق عذابه لكان نوع سلوة له.وقيل: المعنى {ولَكِنْ لاَ تَعْلَمُونَ} بالتاء، أي ولكن لا تعلمون أيها المخاطبون ما يجدون من العذاب.ويجوز أن يكون المعنى ولكن لا تعلمون يا أهل الدنيا مقدار ما هم فيه من العذاب. اهـ. .قال الخازن: قوله عز وجل: {قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس}يقول الله عز وجل يوم القيامة لمن افترى عليه الكذب وجعل له شريكًا من خلقه: ادخلوا في أمم يعني في جملة أمم قد خلت يعني قد مضت وسلفت وإنما قال قد خلت ولم يقل قد خلوا لأنه أطلق الضمير على الجماعة يعني في جملة جماعة قد خلت من قبلكم يعني من الجن والإنس {في النار} أي ادخلوا جميعًا في النار التي هي مستقركم ومأواكم وإنما عنى بالأمم والجماعات والأحزاب وأهل الملل الكافرة من الجن والإنس {كلما دخلت أمة} يعني كلما دخلت جماعة النار {لعنت أختها} يعني كلما دخلت أمة النار لعنت أختها من أهل ملتها في الدين لا في النسب.قال السدي: دخلت أهل ملة النار لعنوا أصحابهم على ذلك الدين فيلعن المشركون المشركين واليهود اليهود والنصارى النصارى والصابئون الصابئين والمجوس المجوس تلعن الآخرة الأولى {حتى إذا اداركوا} يعني تداركوا وتلاحقوا {فيها جميعًا} يعني تلاحقوا واجتمعوا في النار جميعًا وأدرك بعضهم بعضًا واستقروا في النار {قالت أخراهم لأولاهم} قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني قال آخر كل أمة لأولها، وقال السدي: قالت أخراهم الذين كانوا في آخر الزمان لأولاهم الذين شرعوا لهم ذلك الدين، وقال مقاتل: يعني قال أخراهم دخولًا النار وهم الأتباع لأولاهم دخولًا وهم القادة لأن القادة يدخلون النار أولًا {ربنا هؤلاء أضلونا} يعني: تقول الأتباع ربنا هؤلاء القادة والرؤساء أضلونا عن الهدى وزينوا لنا طاعة الشيطان، وقيل: إنما قال المتأخرون ذلك لأنهم كانوا يعتقدون تعظيم المتقدمين من أسلافهم فسلكوا سبيلهم في الضلالة واتبعوا طريقهم فيما كانوا عليه من الكفر والضلالة فلما كان يوم القيامة وتبين لهم فساد ما كانوا عليه قالوا ربنا هؤلاء أضلونا لأنا اتبعنا سبيلهم {فآتهم عذابًا ضعفًا من النار} أي أضعف عليهم العذاب، قال أبو عبيدة: الضعف هو مثل الشيء مرة واحدة، قال الأزهري والذي قاله أبو عبيدة هو ما يستعمله الناس في مجاز كلامهم وأما كتاب الله فهو عربي مبين فيرد تفسيره إلى موضع كلام العرب والضعف في كلامهم ما زاد وليس بمقصور على مثلين وجائز في كلام العرب هذا ضعفه أي مثلاه وثلاثة أمثاله لأن الضعف في الأصل زيادة غير محصورة وأولى الأشياء به أن يجعل عشرة أمثاله فأقل الضعف محصور وهو المثل وأكثره غير محصور وقال الزجاج في تفسير هذه الآية: فآتهم عذابًا ضعفاُ أي مضاعفًا لأن الضعف في كلام العرب على ضربين أحدهما المثل والآخر أن يكون في معنى تضعيف الشيء أي زيادته {قال} يعني قال الله تعالى: {لكل ضعف} يعني لأولاكم ضعف ولآخراكم ضعف وقيل معناه للتابع ضعف وللمتبوع ضعف لأنهم قد دخلوا في الكفر جميعًا {ولكن لا تعلمون} يعني ما أعد الله لك فريق من العذاب وقرئ بالياء ومعناه ولكن لا يعلم كل فريق ما أعد الله تعالى من العذاب للفريق الآخر. اهـ..قال أبو حيان: {قَال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار} أي يقول الله لهم أي لكفار العرب وهم المفترون الكذب والمكذبون بالآيات وذلك يوم القيامة وعبر بالماضي لتحقّق وقوعه وقوله ذلك على لسان الملائكة ويتعلق {في أمم} في الظاهر بادخلوا والمعنى في جملة أمم ويحتمل أن يتعلق بمحذوف فيكون في موضع الحال و{قَد خلت من قبلكم} أي تقدّمتكم في الحياة الدنيا أو تقدّمتكم أي تقدّم ذخولها في النار وقدّم الجنّ لأنهم الأصل في الإغواء والإضلال ودلّ ذلك على أنّ عصاة الجنّ يدخلون النار، وفي النار متعلق بخلت على أنّ المعنى تقدّم دخولها أو بمحذوف وهو صفة لأمم أي في أمم سابقة في الزمان كائنة من الجنّ والإنس كائنة في النار أو بادخلوا على تقدير أن تكون في بمعنى مع وقد قاله بعض المفسرين فاختلف مدلول في إذ الأولى تفيد الصحبة والثانية تفيد الظّرفية وإذا اختلف مدلول الحرف جاز أن يتعلق اللفظان بفعل واحد ويكون إذ ذاك {أدخلوا} قد تعدّى إلى الظرف المختص بفي وهو الأصل وإن كان قد تعدّى في موضع آخر بنفسه لا بوساطة في كقوله: {وقيل ادخلا النار} {ادخلوا أبواب جهنم} ويجوز أن تكون في باقية على مدلولها من الظرفية و{في النار} كذلك ويتعلّقان بلفظ {أدخلوا} وذلك على أن يكون {في النار} بدل اشتمال كقوله: {قتل أصحاب الأخدود النار} ويجوز أن يتعدّى الفعل إلى حرفي جرّ بمعنى واحد على طريقة البدل.{كلما دخلت أمة لعنت أختها} {كلما} للتّكرار ولا يستوي ذلك في الأمة الأولى فاللاحقة تلعن السابقة أو يلعن بعض الأمة الدّاخلة بعضها ومعنى {أختها} أي في الدين والمعنى {كلما دخلت أمة} من اليهود والنصارى وعبدة الأوثان وغيرهم من الكفار، وقال الزمخشري: {أختها} التي ضلّت بالاقتداء بها انتهى، والمعنى أنّ أهل النار يلعن بعضهم بعضًا ويعادي بعضهم بعضًا ويكفر بعضهم ببعض، كما جاء في آيات أخر.{حتى إذا ادّاركوا فيها جميعًا قَالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النار} {حتى} غاية لما قبلها والمعنى أنهم يدخلون فوجًا ففوجًا لاعنًا بعضهم بعضًا إلى انتهاء تداركهم وتلاحقهم في النار واجتماعهم فيها وأصل {ادّاركوا} تداركوا أدغمت التاء في الدّال فاجتلبت همزة الوصل، قال ابن عطية، وقرأ أبو عمرو {ادّاركوا} بقطع ألف الوصل، قال أبو الفتح: هذا مشكل ولا يسوغ أن يقطعها ارتجالًا فذلك إنما يجيء شاذًّا في ضرورة الشّعر في الاسم أيضًا لكنّه وقف مثل وقفة المستنكر ثم ابتدأ فقطع، وقرأ مجاهد بقطع الألف وسكون الدّال وفتح الراء بمعنى أدرك بعضهم بعضًا، وقرأ حميد {أدركوا} بضمّ الهمزة وكسر الرّاء أي ادخلوا في إدْراكها، وقال مكي في قراءة مجاهد إنها {ادّركوا} بشدّ الدال المفتوحة وفتح الرّاء قال وأصلها ادتركوا وزنها افتعلوا، وقرأ ابن مسعود والأعمش {تداركوا} ورويت عن أبي عمر انتهى، وقال أبو البقاء، وقرئ {إذا ادّاركوا} بألف واحدة ساكنة والدّال بعدها مشدّدة وهو جمع بين ساكنين وجاز في المنفصل كما جاز في المتصل، وقد قال: بعضهم اثنا عشر بإثبات الألف وسكون العين انتهى ويعني بقوله كما جاز في المتصل نحو الضالين وجان و{أخراهم} الأمّة الأخيرة في الزمان التي وجدت ضلالات مقررة مستعملة {لأولاهم} التي شرعت ذلك وافترت وسلكت سبيل الضّلال ابتداء أو {أخراهم} منزلة ورتبة وهم الأتباع والسفلة {لأولاهم} منزلة ورتبة وهم القادة المتبوعون، أو {أخراهم} في الدّخول إلى النار وهم {الأتباع} لأولاهم دخولًا وهم القادة أقوال آخرها لمقاتل، وقال ابن عباس: آخر أمة لأول أمة وأخرى هنا بمعنى آخرة مؤنّث آخر فمقابل أوّل لا مؤنث له آخر بمعنى غير لقوله: {وزر أخرى} واللام في {لأولاهم} لام السبب أي لأجل أولاهم لأنّ خطابهم مع الله لا معهم {أضلّونا} شرعوا لنا الضلال أو جعلونا نضلّ وحملونا عليه ضعفًا زائدًا على عذابنا إذ هم كافرون ومسببو كفرنا.{قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون} أي لكلّ من الأخرى والأولى عذاب وللأولى عذاب متضاعف زائد إلى غير نهاية وذلك أنّ العذاب مؤبّد فكل ألم يعقبه آخر، وقرأ الجمهور بالتاء على الخطاب للسائلين أي {لا تعلمون} ما لكلّ فريق من العذاب أو لا تعلمون ما لكلّ فريق من العذاب أو لا تعلمون المقادير وصور العذاب قيل أو خطاب لأهل الدّنيا أي ولكن يا أهل الدّنيا لا تعلمون مقدار ذلك، وقرأ أبو بكر والمفضّل عن عاصم بالياء فيحتمل أن يكون إخبارًا عن الأمة ويكون الضمير في {لا يعلمون} عائدًا على الأمة الأخيرة التي طلبت أن يضعف العذاب على أولاها ويحتمل أن يكون خبرًا عن الطائفتين أي لا يعلم كل فريق قدر ما أعدّ له من العذاب أو قدر ما أعدّ للفريق الآخر من العذاب وروي عن ابن مسعود أن الضّعف هنا الأفاعي والحيّات وهذه الجملة ردّ على أولئك السّائلين وعدم إسعاف لما طلبوا. اهـ.
|