الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الفراء: سورة السجدة:{الَّذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَان من طينٍ}.وقوله: {الَّذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}.يقول: أحسنه فجعله حَسَنًا. ويقرأ: {أَحْسَنَ كُلَّ شيء خَلْقَهُ} قرأها أبو جعفر المدنىّ كأنه قال: أَلهم خَلْقه كلّ ما يحتاجونَ إليه فالخلق، منصوبون بالفعل الذي وقع على {كلّ} كأنك قلت أعْلمهم كل شيء وأحسنهم. وقد يكون الخلق منصوبا كما نُصب قوله: {أَمْرًا منْ عنْدنَا} في أشباه له كثيرة من القرآن؛ كأنك قلت: كُلَّ شيء خَلْقًا منه وابتداء بالنعم.{وَقَالُوا أَإذَا ضَلَلْنَا في الأَرْض أَإنَّا لَفي خَلْقٍ جَديدٍ بَلْ هُم بلَقَاء رَبّهمْ كَافرُونَ}.وقوله: {ضَلَلْنَا} و{ضَللْنا} لغتان. وقد ذكر عن الحسن وغيره أَنه قرأ: {إذا صَللنا} حتى لقد رُفعت إلى علىّ {صَللنا} بالصاد ولست أعرفها، إلا أن تكون لغةً لم نسمعها إنما تقول العرب: قد صَلّ اللحمُ فهو يَصلّ، وأصَلّ يُصلّ، وخَمّ يَخمّ وأخمّ يُخمُّ. قال الفرّاء: لو كانت: صَلَلنا بفتح اللام لكان صوابا، ولكنى لا أعرفها بالكسر.والمعنى في {إذا ضَلَلْنا في الأرْض} يقول: إذا صارت لحومنا وعظامنا ترابًا كالأرض. وأنت تقول: قد ضلّ الماءُ في اللبن، وضلَّ الشىءُ في الشىء إذا أخفاه وغلبهُ.{إنَّمَا يُؤْمنُ بآيَاتنَا الَّذينَ إذَا ذُكّرُوا بهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بحَمْد رَبّهمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبرُونَ}.وقوله: {إنَّمَا يُؤْمنُ بآيَاتنَا الَّذينَ إذَا ذُكّرُوا بهَا خَرُّوا سُجَّدًا}.كان المنافقون إذا نودى بالصلاة فإنْ خَفُوا عن أعين المسْلمينَ تركوها، فأنزل الله. {إنَّمَا يُؤْمنُ بآيَاتنَا الَّذينَ إذَا ذُكّرُوا بهَا} إذا نودوا إلى الصّلاة أتوها فركعُوا وسَجَدوا غير مستكبرين.{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجع يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفقُونَ}.وقوله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجع}.يقال: هو النوم قبل العشاء. كانوا لا يضعون جُنوبهم بين المغرب والعشاء حتى يُصلّوها. ويقال: إنهم كانوا في ليلهم كلّه {تَتَجَافَى} تقلق {عَن الْمَضَاجع} عن النوم في الليل كلّه {خَوْفًا وَطَمَعًا}.{فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفيَ لَهُم مّن قُرَّة أَعْيُنٍ جَزَاءً بمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.وقوله: {مَّآ أُخْفيَ}.وكلّ ينصب بالياء؛ لأنه فعل ماض؛ كما تقول: أُهلك الظالمون. وقرأها حمزة {مَّآ أُخْفيَ لَهُم مّن قُرَّة أَعْيُنٍ} بإرسال الياء. وفى قراءة عبد الله: {مَّا نُخْفيَ لَهُم مّن قُرَّة أَعْيُنٍ} فهذا اعتبار وقوَّة لحمزة. وكلٌّ صواب. وإذا قلت {أُخْفيَ لَهُم} وجعلت ما في مذهب أى كانت ما رفعًا بما لم تُسَمّ فاعلَه. ومن قرأ: {أُخْفيَ لَهُم} بإرسال الياء وجعَل ما في مذهب أىّ كانت نصبًا في {أُخْفى} و{نُخْفى} ومَن جعلها بمنزلة الشىء أوقع عليها {تَعْلَمُ} فكانت نَصْبًا في كلّ الوجوه. وقد قرئت {قُرَّات أعْيُن} ذُكرت عن أبى هريرة.{أَفَمَن كَانَ مُؤْمنًا كَمَن كَانَ فَاسقًا لاَّ يَسْتَوُونَ}.وقوله: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمنًا كَمَن كَانَ فَاسقًا لاَّ يَسْتَوُونَ}.ولم يقل: يستويان؛ لأنها عامّ، وإذا كان الأثنان غير مصمود لهما ذَهَبَا مذهب الجمع تقول في الكلام: ما جعل الله المسلم كالكافر فلا تَسوّيَنَّ بينهم، وبينهما. وكلّ صواب.{وَلَنُذيقَنَّهُمْ مّنَ الْعَذَاب الأَدْنَى دُونَ الْعَذَاب الأَكْبَر لَعَلَّهُمْ يَرْجعُونَ}.وقوله: {وَلَنُذيقَنَّهُمْ مّنَ الْعَذَاب الأَدْنَى}.حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفرّاء قال: حدَّثنى شَريك بن عبدالله عن منصور عن إبراهيم أو عن مجاهد- شكَّ الفراء- في قوله: {وَلَنُذيقَنَّهُمْ مّنَ الْعَذَاب الأَدْنَى} قال مَصائبُ تصيبهم في الدنيا دون عذاب الله يوم القيامة.{وَجَعَلْنَا منْهُمْ أَئمَّةً يَهْدُونَ بأَمْرنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بآيَاتنَا يُوقنُونَ}.قوله: {وَجَعَلْنَا منْهُمْ أَئمَّةً يَهْدُونَ بأَمْرنَا لَمَّا صَبَرُوا}.القراء جميعًا على {لَمَّا صَبَرُوا} بتشديد الميم ونصب اللام. وهى في قراءة عبدالله {بما صَبَروا} وقرأها الكسائىّ وحمزة {لما صَبَروا} على ذلك. وموضع ما خَفْض إذا كسرت اللام. وإذا فتحت وشدَّدت فلا موضع لها إنما هي إداة.{أَوَلَمْ يَهْد لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا من قَبْلهمْ مّنَ الْقُرُون يَمْشُونَ في مَسَاكنهمْ إنَّ في ذَلكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ}.وقوله: {أَوَلَمْ يَهْد لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا}.{كَمْ} في موضع رفع ب {يَهْد} كأنكَ قلت: أوَلم تهدهم القرون الهالكة. وفى قراءة عبدالله في سورة طه {أَوَلَمْ يَهد لهم مَنْ أهلكنا} وقد يكون {كَم} في موضع نصب بأَهلكنا وفيه تأويل الرفع فيكون بمنزلة قولك: سواءُ عَلىّ أزيدًا ضربت أم عمرًا، فترفع سواء بالتأويل.وتقول: قد تبيّن لى أقام زيد أم عمرو، فتكون الجملة مرفوعة في المعنى؛ كأنك قلت: تبيَّن لى ذاك.{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إلَى الأَرْض الْجُرُز فَنُخْرجُ به زَرْعًا تَأْكُلُ منْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصرُونَ}.وقوله: {إلَى الأَرْض الْجُرُز}.والجُرُز: التي لا نباتَ فيها: ويقال للناقة: إنها لجُرَاز إذا كانت تأكل كلّ شىء، وللإنسان: إنه لجَرُوز إذا كان أكولًا، وسيف جُرَاز إذا كان لا يُبقى شيئًا إلاَّ قطعه. ويقالُ: أرض جُرُز وجُرْز، وأرْض جَرَز وَجَرْزٌ، لبنى تميم، كلّ لو قرئ به لكان حَسَنًا. وهو مثل البُخُل والبُخْل والبَخَل والبَخْل والرُغب والرهب والشغل فيه أربع مثل ذلك.{قُلْ يَوْمَ الْفَتْح لاَ يَنفَعُ الَّذينَ كَفَرُوا إيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ}.وقوله: {قُلْ يَوْمَ الْفَتْح}.يعنى فتح مكة {لاَ يَنفَعُ الَّذينَ كَفَرُوا إيَمَانُهُمْ} فذكر ذلك لمن قتله خالد بن الوليد من بنى كنانة يومئذٍ، قالوا: قد أسْلمنا، فقال خالد: إن كنتم أسلمتم فضَعُوا السّلاح ففعلوا، فلمَّا وضعوه أَثْخَنَ فيهم؛ لأنهم كانوا قتلوا عوفًا أبا عبدالرحمن بن عوف وجدًّا لخالدٍ قبل ذلكَ: المغيرة. ولو رفع {يوم الفتح} عَلى أَوّل الكلام لأن قوله: {مَتَى هذا الفتح} {مَتى} في موضع رفع ووجهُ الكلام أن يكون {مَتَى} في موضع نصب وهو أكثر. اهـ..قال بيان الحق الغزنوي: سورة الم السجدة:{أم يقولون} (3) فيه حذف، أي: فهل يؤمنون به أم يقولون. وقيل: معناه: بل يقولون. والأصح: أنها أم المنقطعة، تؤدي معنى واو العطف-ولذلك لا يكون إلا بعد كلام- وتؤدي معنى الاستفهام.كما قال الأعشى:ثم أقام الواو عقيب هذا البيت مقام أم كما أقام أم مقام الواو في هذا البيت، فقال: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض} (5) أي: من السماء العليا إلى الأرض الدنيا كلها يدبره. وقيل: معناه إنه يدبر الأمر في السماء، ثم ينزل بالأمر الملك إلى الأرض.{ثم يعرج إليه} أي: إلى الموضع الذي فيه يثبت الأعمال والآجال، أو مكان الملك الذي أمره الله أن يقوم فيه. وقيل: إنه جبريل يصعد إلى السماء بعد نزوله بالوحي.{في يوم كان مقداره ألف سنة} أي: الملائكة التي تصعد بأعمال العباد في يوم واحد تصعد وتقطع مسافة ألف سنة. وقيل: إن الله تعالى يقضي أمر العالم لألف سنة في يوم واحد، ثم يلقيه إلى الملائكة، وكذلك أبدًا. واليوم عبارة عن الوقت، لا عن وضح النهار، قال سلامة بن جندل: {أحسن كل شيء خلقه} (7) خلق بدل من {كل} وهو بدل الشيء من نفسه، أي: أحسن خلق كل شيء. قال ابن عباس: حتى جعل الكلب في خلقه حسنًا، ولفظ الكسائي: أحسن ما خلق. وقول سيبويه: إنه مصدر من غير صدر، أي: خلق كل شيء خلقه. وعلى قراءة: {خلقه} الضمير في الهاء، يجوز أن يعود إلى الفاعل وهو الله، وإلى المفعول المخلوق.{أءذا ضللنا} (10) هلكنا وبطلنا قال الأخطل: {لأتينا كل نفس هداها} (13) أي: هدايتها إلى طريق الجنة. وقيل: آتيناها الهدى إلجاءً.{تتجافى جنوبهم} (16) تنبو وترتفع.قال عبد الله بن رواحة: {من العذاب الأدنى} (21) مصائب الدنيا. قيل: عذاب قريش بالقحط سبع سنين.{إلى الأرض الجرز} (27) اليابسة. وقيل: الأرض التي لا تسقى إلا بالسيول والأمطار.تمت سورة السجدة. اهـ. .قال الأخفش: سورة السجدة:{أَوَلَمْ يَهْد لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا من قَبْلهمْ مّنَ الْقُرُون يَمْشُونَ في مَسَاكنهمْ إنَّ في ذَلكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ}.قال: {أَوَلَمْ يَهْد لَهُمْ} بالياء يعني ألم يُبَيّن وقال بعضهم {أَوَ لَمْ نَهْد} أي: أَوَ لَمْ نُبَيّنْ لَهْم. اهـ..قال ابن قتيبة: سورة السجدة:وهي مكية كلها إلا ثلاث آيات من قوله: {أَفَمَنْ كانَ مُؤْمنًا} إلى قوله: {كُنْتُمْ به تُكَذّبُونَ}.5- {يُدَبّرُ الْأَمْرَ} أي يقضي القضاء منَ السَّماء، فينزله إلَى الْأَرْض. {ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْه} أي يصعد إليه {في يَوْمٍ} واحد {كانَ مقْدارُهُ} أي مسافة نزوله وصعوده {أَلْفَ سَنَةٍ} يريد: نزول الملائكة وصعودها.10- {وَقالُوا أَإذا ضَلَلْنا في الْأَرْض}؟ أي بطلنا وصرنا ترابا.11- {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْت} هو من توفّي العدد واستيفائه. وأنشد ابو عبيدة:ولا توفّاهم قريش في العدد أي لا تجعلهم قريش وفاء لعددها. والوفاء: التّمام.16- {تَتَجافى جُنُوبُهُمْ} أي ترتفع.26- {أَوَلَمْ يَهْد لَهُمْ} أي يبيّن لهم.27- {الْأَرْض الْجُرُز} الغليظة اليابسة التي لا نبت فيها وجمعها: أجراز. ويقال: سنون أجراز، إذا كانت سني جدب.28- {مَتى هذَا الْفَتْحُ} يعني: فتح مكة.29- {قُلْ يَوْمَ الْفَتْح لا يَنْفَعُ الَّذينَ كَفَرُوا إيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ}. يقال: أراد قتل خالد بن الوليد- يوم فتح مكة- من قتل، واللّه أعلم. اهـ. .قال الغزنوي: سورة السجدة:في الحديث: أنّ النّبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان لا يأوي إلى فراشه حتى يقرأ تنزيل السجدة وتبارك الملك.3- {أَمْ يَقُولُونَ} فيه حذف، أي: فهل يؤمنون به أم يقولون؟ أو معناه: بل يقولون.5- {يُدَبّرُ الْأَمْرَ} معناه يدبّر الأمر من السّماء ثم ينزل بالأمر الملك إلى الأرض.{ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْه} إلى المكان الذي أمر أن يقوم فيه.{في يَوْمٍ كانَ مقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} أي: الملائكة التي تصعد بأعمال العباد في يوم واحد، تصعد وتقطع مسافة ألف سنة، أو اللّه يقضي أمر العالم لألف سنة في يوم واحد ثمّ يلقيه إلى الملائكة.4 ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْش: بثمّ صح معنى استولى على العرش بإحداثه، كقوله: {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهدينَ} حتى يصح معنى نَعْلَمَ، أي: معنى الصفة بهذا.7- {أحسن كل شيء خلقه} خلقه بدل من كُلَّ شَيْءٍ بدل الشيء من نفسه، أي: أحسن خلق كل شيء حتى جعل الكلب في خلقه حسنا.ولفظ الكسائي: أحسن ما خلق، وقول سيبويه: إنه مصدر من غير صدر أي: خلق كل شيء خلقه، وعلى قراءة خلقه الضمير في الهاء يجوز للفاعل وهو اللّه، وللمفعول وهو المخلوق.10- {إذا ضَلَلْنا} هلكنا وبطلنا، وصللنا: تغيّرنا أو يبسنا والصّلّة: الأرض اليابسة.13- {لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها} بالإيحاء. أو إلى طريق الجنّة.16- {تَتَجافى جُنُوبُهُمْ} تنبو وترتفع. وعن أنس: أنها نزلت فينا معشر الأنصار، كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء.21- {منَ الْعَذاب الْأَدْنى} مصائب الدنيا.27- {الْأَرْض الْجُرُز} اليابسة، كأنها تأكل نباتها. رجل جروز: لا يبقي من الزاد شيئا.23- {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكتابَ فَلا تَكُنْ في مرْيَةٍ منْ لقائه} أي: بعد الموت.أو لقاء ربه.قال الحسن: آتيناه الكتاب فلقي من قومه أذى، فَلا تَكُنْ في مرْيَةٍ منْ لقائه أذى مثله.28- {مَتى هذَا الْفَتْحُ} فتح الحكم بيننا وبينكم، ويوم الفتح: يوم القيامة.30- {إنَّهُمْ مُنْتَظرُونَ} الموت الذي يؤدي إلى ذلك، أو سيأتيهم ذلك فكأنهم ينتظرونه. اهـ.
|