الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من لطائف وفوائد المفسرين: من لطائف القشيري في الآية:قال عليه الرحمة:قوله جلّ ذكره: {وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَخْزِى الظَّالِمِينَ}.كما أحاطت العقوبات بهم في الدنيا فَتَدَنَّس بالغفلة باطنُهم، وتلوَّثَ بالزَّلة ظاهرهم، فكذلك أحاطت العقوبات بجوانبهم؛ فَمِنْ فوقهم عذاب ومن تحتهم عذاب، وكذلك من جوانبهم في القلب من ضيق العيش واستيلاء الوحشة ما يفي ويزيد على الكل. اهـ..تفسير الآية رقم (42): قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)}.مناسبة الآية لما قبلها: .قال البقاعي: ولما أخبر عن أحوالهم ترهيبًا، أتبعه الإخبار عن أحوال المؤمنين ترغيبًا فقال: {والذين آمنوا} في مقابلة {الذين كذبوا}.ولما قال: {وعملوا} أي تصديقًا لإيمانهم في مقابلة {الذين استكبروا} {الصالحات} وكان ذلك مظنة لتوهم أن عمل جميع الصالحات- لأنه جمع محلى بالألف واللام- شرط في دخول الجنة؛ خلل ذلك بجملة اعتراضية تدل على التخفيف فقال: {لا نكلف نفسًا إلا وسعها} وترغيبًا في اكتساب مالا يوصف من النعيم بما هو في الوسع {أولئك} أي العالو الرتبة {أصحاب الجنة} ولما كانت الصحبة تدل على الدوام، صرح به فقال: {هم فيها خالدون}. اهـ..قال الفخر: اعلم أنه تعالى لما استوفى الكلام في الوعيد أتبعه بالوعد في هذه الآية. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: وفي الآية مسائل:المسألة الأولى:اعلم أن أكثر أصحاب المعاني على أن قوله تعالى: {لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} اعتراض وقع بين المبتدأ والخبر والتقدير {والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات أُوْلَئِكَ أصحاب الجنة هُمْ فِيهَا خالدون} وإنما حسن وقوع هذا الكلام بين المبتدأ والخبر، لأنه من جنس هذا الكلام، لأنه لما ذكر عملهم الصالح، ذكر أن ذلك العمل في وسعهم غير خارج عن قدرتهم، وفيه تنبيه للكفار على أن الجنة مع عظم محلها يوصل إليها بالعمل السهل من غير تحمل الصعب.وقال قوم: موضعه خبر عن ذلك المبتدأ والعائد محذوف، كأنه قيل: لا نكلف نفسًا منهم إلا وسعها، وإنما حذف العائد للعلم به.المسألة الثانية:معنى الوسع ما يقدر الإنسان عليه في حال السعة والسهولة لا في حال الضيق والشدة، والدليل عليه: أن معاذ بن جبل قال في هذه الآية إلا يسرها لا عسرها.وأما أقصى الطاقة يسمى جهدًا لا وسعًا، وغلط من ظن أن الوسع بذل المجهود.المسألة الثالثة:قال الجبائي: هذا يدل على بطلان مذهب المجبرة في أن الله تعالى كلف العبد بما لا يقدر عليه، لأن الله تعالى كذبهم في ذلك، وإذا ثبت هذا الأصل بطل قولهم في خلق الأعمال، لأنه لو كان خالق أعمال العباد هو الله تعالى، لكان ذلك تكليف ما لا يطاق، لأنه تعالى أن كلفه بذلك الفعل حال ما خلقه فيه، فذلك تكليفه بما لا يطاق، لأنه أمر بتحصيل الحاصل، وذلك غير مقدور، وإن كلفه به حال ما لم يخلق من ذلك الفعل فيه كان ذلك أيضًا تكليف ما لا يطاق، لأن على هذا التقدير: لا قدرة للعبد على تكوين ذلك الفعل وتحصيله، قالوا: وأيضًا إذا ثبت هذا الأصل ظهر أن الاستطاعة قبل الفعل إذ لو كانت حاصلة مع الفعل، والكافر لا قدرة له على الإيمان مع أنه مأمور به فكان هذا تكليف ما لا يطاق، ولما دلت هذه الآية على نفي التكليف بما لا يطاق، ثبت فساد هذين الأصلين.والجواب: أنا نقول وهذا الإشكال أيضًا وارد عليكم، لأنه تعالى يكلف العبد بإيجاد الفعل، حال استواء الدواعي إلى الفعل والترك، أو حال رجحان أحد الداعيين على الآخر والأول باطل، لأن الإيجاد ترجيح لجانب الفعل، وحصول الترجيح حال حصول الاستواء محال، والثاني باطل، لأن حال حصول الرجحان كان الحصول واجبًا، فإن وقع الأمر بالطرف الراجح كان أمرًا بتحصيل الحاصل، وإن وقع بالطرف المرجوح كان أمرًا بتحصيل المرجوح حال كونه مرجوحًا، فيكون أمرًا بالجمع بين النقيضين وهو محال، فكل ما تجعلونه جوابًا عن هذا السؤال، فهو جوابنا عن كلامكم والله أعلم. اهـ..قال السمرقندي: قوله عز وجل: {والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات}وذلك أن الله تعالى لما أخبر عن حال الذين كذبوا بآياته واستكبروا عن قبولها أخبر عن حال الذين آمنوا بآياته.فقال: {والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} أي: صدقوا وعملوا الصالحات أي الطاعات والأعمال الصالحة {لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} أي: لا نكلف نفسًا بعد الإيمان من العمل إلا بقدر طاقتها {أُوْلَئِكَ أصحاب الجنة هُمْ فِيهَا خالدون} يعني: دائمون. اهـ..قال الثعلبي: {والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} أي طاقتها وما يسعها ويحلّ لها فلا تخرج منه ولا تضيق عليه {أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. اهـ..قال ابن عطية: قوله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} الآية، هذه آية وعد مخبرة أن جميع المؤمنين هم أصحاب الجنة ولهم الخلد فيها، ثم اعترض أثناء القول بعقب الصفة، التي شرطها في المؤمنين باعتراض يخفف الشرط ويرجى في رحمة الله ويعلم أن دينه يسر وهذه الآية نص في أن الشريعة لا يتقرر من تكاليفها شيء لا يطاق، وقد تقدم القول في جواز تكليف ما لا يطاق وفي وقوعه بمغن عن الإعادة، والوسع معناه الطاقة وهو القدر الذي يتسع له قدر البشر. اهـ..قال القرطبي: قوله تعالى: {لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}كلام معترض، أي والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون.ومعنى {لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} أي أنه لم يكلف أحدًا من نفقات الزوجات إلا ما وجد وتمكن منه، دون ما لا تناله يده، ولم يرد إثبات الاستطاعة قبل الفعل؛ قاله ابن الطيب.نظيره {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7]. اهـ..قال الخازن: قوله عز وجل: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسًا إلا وسعها}لما ذكر الله تعالى وعيد الكافرين وما أعد لهم في الآخرة أتبعه بذكر وعد المؤمنين وما أعد لهم في الآخرة فقال والذين آمنوا وعملوا الصالحات يعني والذين والذين صدقوا الله ورسوله وأقروا بما جاءهم به من وحي الله إليه وتنزيله عليه من شرائع دينه وعملوا بما أمرهم به وأطاعوه في ذلك وتجنبوا ما نهاهم عنه لا نكلف نفسًا إلا وسعها يعني لا نكلف نفسًا إلا ما يسعها من الأعمال وما يسهل عليها ويدخل في طوقها وقدرتها وما لا حرج فيه عليها ولا ضيق.قال الزجاج: الوسع ما يُقدر عليه، وقال مجاهد: معناه إلا ما افترض عليها يعني الذي افترض عليها من وسعها الذي تقدر عليه ولا تعجز عنه وقد غلط من قال إن الوسع بذل المجهود قال أكثر أصحاب المعاني إن قوله تعالى: {لا نكلف نفسًا إلا وسعها} اعتراض وقع بين المبتدأ والخبر والتقدير والذين آمنوا وعملوا الصالحات {أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} لا نكلف نفسًا إلا وسعها وإنما يحسن وقوع هذا الكلام بين المبتدأ والخبر لأنه جنس هذا الكلام لأنه تعالى لما ذكر عملهم الصالح ذكر أن ذلك العمل من وسعهم وطاقتهم وغير خارج عن قدرتهم وفيه تنبيه للكفار على أن الجنة مع عظم قدرها ومحلها يُتَوصل إليها بالعمل الصالح السهل من غير تحمل كلفة ولا مشقة صعبة.وقال قوم من أصحاب المعاني هو من تمام الخبر موضعه رفع والعائد محذوف كأنه قال لا نكلف نفسًا منهم إلا وسعها فحذف العائد للعلم به. اهـ..قال أبو حيان: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسًا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}لما أخبر بوعيد الكفار أخبر بوعد المؤمنين وخبر و{الذين} الجملة من {لا نكلف نفسًا} منهم أو الجملة من {أولئك} وما بعده وتكون جملة {لا نكلف} اعتراضًا بين المبتدأ والخبر، وفائدته أنه لما ذكر قوله و{عملوا الصالحات} نبه على أن ذلك العمل وسعهم وغير خارج عن قدرتهم وفيه تنبيه للكفار على أنّ الجنة مع عظم محالها يوصل إليها بالعمل السهل من غير مشقة، وقال القاضي أبو بكر بن الطيّب: لم يكلف أحدًا في نفقات الزوجات إلا ما وجد وتمكن منه دون ما لا تناله يده ولم يرد إثبات الاستطاعة قبل الفعل، ونظيره {لا يكلّف الله نفسًا إلا ما آتاها} انتهى، وليس السياق يقتضي ما ذكر، وقال الزمخشري: جملة معترضة بين المبتدأ والخبر للترغيب في اكتساب ما لا يكتنهه وصف الواصف من النعيم الخالد مع العظيم بما هو من الواسع وهو الإمكان الواسع غير الضّيق من الإيمان والعمل الصالح انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال، وقرأ الأعمش لا تكلف نفس. اهـ..قال أبو السعود: {والذين ءامَنُواْ} أي بآياتنا أو بكل ما يجب أن يُؤمَنَ به فيدخُل فيه الآياتُ دخولًا أوليًا وقوله تعالى: {وَعَمِلُواْ الصالحات} أي الأعمالَ الصالحةَ التي شُرعت بالآيات، وهذا بمقابلة الاستكبارِ عنها {لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} اعتراضٌ وُسّط بين المبتدإِ الذي هو الموصولُ والخبرِ الذي هو الجملةُ {أُوْلَئِكَ أصحاب الجنة} للترغيب في اكتساب ما يؤدي إلى النعيم المقيم ببيان سهولةِ منالِه وتيسُّر تحصيلِه، وقرئ {لا تُكَلَّف نفسٌ}، واسمُ الإشارةِ مبتدأٌ، و{أصحابُ الجنةِ} خبرُه والجملةُ خبرٌ للمبتدإ الأولِ، أو اسمُ الإشارةِ بدلٌ من المبتدأ الأولِ الذي هو الموصولُ والخبرُ {أصحابُ الجنة}. وما فيه من معنى البُعد للإيذان ببعد منزلتِهم في الفضل والشرف {هُمْ فِيهَا خالدون} حالٌ من أصحاب الجنة وقد جوز كونُه حالًا من الجنة لاشتماله على ضميرها والعاملُ معنى الإضافةِ أو اللام المقدرةِ أو خبرٌ ثانٍ لأولئك على رأي من جوّزه وفيها متعلق بخالدون. اهـ..قال الألوسي: {والذين ءامَنُواْ} أي بآياتنا ولم يكذبوا بها {وَعَمِلُواْ} الأعمال {الصالحات} ولم يستكبروا عنها {لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} أي ما تقدر عليه بسهولة دون ما تضيق به ذرعًا، والجملة اعتراض وسط بين المبتدأ وهو الموصول والخبر الذي هو جملة {أُوْلَئِكَ أصحاب الجنة} للترغيب في اكتساب ما يؤدي إلى النعيم المقيم ببيان سهولة مناله وتيسر تحصيله.وقيل: المعنى لا نكلف نفسًا إلا ما يثمر لها السعة أي جنة عرضها السموات والأرض وهو خلاف الظاهر وإن كانت الآية عليه لا تخلو عن ترغيب أيضًا.وجوز أن يكون اسم الإشارة بدلًا من الموصول وما بعده خبر المبتدأ، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الفضل والشرف.وجوز أيضًا أن تكون جملة {لاَ نُكَلّفُ} إلخ خبر المبتدأ بتقدير العائد أي منهم.وقوله سبحانه: {هُمْ فِيهَا خالدون} حال من {أصحاب الجنة}، وجوز كونه حالًا من {الجنة} لاشتماله على ضميرها أيضًا والعامل فيها معنى الإضافة أو اللام المقدرة.وقيل: خبر لأولئك على رأي من جوزه.و{فِيهَا} متعلق بخالدون قدم عليه رعاية للفاصلة. اهـ.
|