الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
و{في يوم} متعلق بالعروج ولا تنازع، والمراد بيوم مقداره كذا يوم القيامة، ولا ينافي هذا قوله تعالى: {كَانَ مقْدَارُهُ خَمْسينَ أَلْفَ سَنَةٍ} بناء على أحد الوجهين فيه لتفاوت الاستطالة على حسب الشدة أو لأن ثم خمسين موطنًا كل موطن ألف سنة، وقيل: المعنى ينزل الوحي مع جبريل عليه السلام من السماء إلى الأرض ثم يرجع إليه تعالى ما كان من قبوله أو رده مع جبريل عليه السلام في يوم مقدار مسافة السير فيه ألف سنة وهو ما بين السماء والأرض هبوطًا وصعودًا، فالأمر عليه مراد به الوحي كما في قوله تعالى: {يُلْقى الروح منْ أَمْره} [غافر: 15] والعروج إليه تعالى عبارة عن خبر القبول والرد مع عروج جبريل عليه السلام والتدبير والعروج في اليوم لكن على التوسع والتوزيع فالفعلان متنازعان في الظرف ولكن لا اختلاف في الصلة ولا تنافي الآية على هذا قوله تعالى شأنه: {تَعْرُجُ الملائكة والروح إلَيْه في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ خَمْسينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] بناء على الوجه الآخر فيه وستعرفهما إن شاء الله تعالى لأن العروج فيه إلى العرش وفيها إلى السماء الدنيا وكلاهما عروج إلى الله تعالى على التجوز.وقيل: المراد بالأمر المأمور به من الطاعات والأعمال الصالحات، والمعنى ينزل سبحانه ذلك مدبرًا من السماء إلى الأرض ثم لا يعمل به ولايصعد إليه تعالى ذلك المأمور به خالصًا كما يرتضيه إلا في مدة متطاولة لقلة الخلص من العباد وعليه {يُدَبّرُ} مضمن معنى الإنزال ومن وإلى متعلقان به، ومعنى العروج الصعود كما في قوله تعالى: {إلَيْه يَصْعَدُ الكلم الطيب} [فاطر: 10] والغرض من الألف استطالة المدة، والمعنى استقلال عبادة الخلص واستطالة مدة ما بين التدبير والوقوع، و{ثُمَّ} للاستبعاد، واستدل لهذا المعنى بقوله تعالى إثر ذلك: {قَليلًا مَّا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 9] لأن الكلام بعضه مربوط بالبعض وقلة الشكر مع وجود تلك الإنعامات دالة على الاستقلال المذكور.وقيل: المعنى يدبر أمر الشمس في طلوعها من المشرق وغروبها في المغرب ومدارها في العالم من السماء إلى الأرض وزمان طلوعها إلى أن تغرب وترجع إلى موضعها من الطلوع مقداره في المسافة ألف سنة وهي تقطع ذلك في يوم وليلة.هذا ما قالوه في الآية الكريمة في بيان المراد منها، ولا يخفى على ذي لب تكلف أكثر هذه الأقوال ومخالفته للظاهر جدًا وهي بين يديك فاختر لنفسك ما يحلو.ويظهر لي أن المراد بالسماء جهة العلو مثلها في قوله تعالى: {أأمنتم مَّن في السماء أَن} [الملك: 16] وبعروج الأمر إليه تعالى صعود خبره كما سمعت عن الجماعة و{فى يَوْمٍ} متعلق بالعروج بلا تنازع، وأقول: إن الآية من المتشابه وأعتقد أن الله تعالى يدبر أمور الدنيا وشؤونها ويريدها متقنة وهو سبحانه مستوى على عرشه وذلك هو التدبير من جهة العلو ثم يصعد خبر ذلك مع الملك إليه عز وجل إظهارًا لمزيد عظمته جلت عظمته وعظيم سلطنته عظمت سلطنته إلى حكم هو جل وعلا أعلم بها وكل ذلك بمعنى لائق به تعالى مجامع للتنزيه مباين للتشبيه حسبما يقوله السلف في أمثاله، وقول بعضهم: العرش موضع التدبير وما دون موضع التفصيل وما دون السماوات موضع التصريف فيه رائحة ما مما ذكرنا، وأما تقدير يوم العروج هنا بألف سنة وفي آية أخرى بخمسين ألف سنة فقد كثر الكلام في توجيهه وقد تقدم لك بعض منه.وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه عن عبد الله بن أبي مليكة قال: دخلت على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه فسأله عن قوله تعالى: {يُدَبّرُ الأمر منَ السماء إلَى الأرض ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْه في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} فكأن ابن عباس اتهمه فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ فقال: إنما سألتك لتخبرني فقال رضي الله تعالى عنه: هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه الله تعالى أعلم بهما وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم فضرب الدهر من ضرباته حتى جلست إلى ابن المسيب فسأله عنهما إنسان فلم يخبر ولم يدر فقلت: ألا أخبرك بما سمعت من ابن عباس؟ قال: بلى فأخبرته فقال للسائل: هذا ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أبى أن يقول فيهما وهو أعلم مني.وبعض المتصوفة يسمون اليوم المقدر بألف سنة باليوم الربوبي واليوم المقدر بخمسين ألف سنة باليوم الإلهي، ومحيي الدين قدس سره يسمى الأول يوم الرب والثاني يوم المعارج، وقد ذكر ذلك وأيًا ما أخر كيوم الشأن ويوم المثل ويوم القمر ويوم الشمس ويوم زحل وأيام سائر السيارة ويوم الحمل وأيام سائر البروج في الفتوحات، وقد سألت رئيس الطائفة الكشفية الحادثة في عصرنا في كربلاء عن مسألة فكتب في جوابها ما كتب واستطرد بيان إطلاقات اليوم وعد من ذلك أربعة وستين إطلاقًا، منها إطلاقه على اليوم الربوبي وإطلاقه على اليوم الإلهي وأطال الكلام في ذلك المقام، ولعلنا إن شاء الله تعالى ننقل لك منه شيئًا معتدًا به في موضع آخر، وسنذكر إن شاء الله تعالى أيضًا تمام الكلام فيما يتعلق بالجمع بني هذه الآية وقوله سبحانه: {تَعْرُجُ الملائكة والروح إلَيْه في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ خَمْسينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] وقوله تعالى: {مّمَّا تَعُدُّونَ} صفة {أَلْفٍ} أو صفة {سَنَةٍ}.وقرأ ابن أبي عبلة {يَعْرُجُ} بالبناء للمفعول والأصل يعرج به فحذف الجار واستتر الضمير.وقرأ جناح بن حبيش {مَا نُنَزّلُ الملائكة} إليه بزيادة الملائكة قال أبو حيان: ولعله تفسير منه لسقوطه في سواد المصحف.وقرأ السلمي. وابن وثاب. والأعمش. والحسن بخلاف عنه {يَعْدُونَ} بياء الغيبة. اهـ.
.قال عبد الكريم الخطيب: قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّماوات وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما في ستَّة أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْش ما لَكُمْ منْ دُونه منْ وَليٍّ وَلا شَفيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ}.هذا من بعض ما يحمل الكتاب من نذر ينذر بها الرسول قومه.ففى هذا النذير إلفات إلى قدرة اللّه، وإلى سلطانه القائم على هذا الوجود، وأنه سبحانه هو الذي خلق السموات والأرض، وقام بسلطان قدرته عليها، وعلى تصريف كل شيء فيهما. فليؤمنوا إذن بهذا الإله المتفرد بالألوهة، وليتركوا ما هم عاكفون عليه من أصنام. فإن لم يفعلوا أخذهم اللّه بعذابه الذي لا يدفعه عنهم {ولىّ} أي قريب أو حليف، ولا يشفع لهم من بأس اللّه {شفيع} من تلك المعبودات التي يعبدونها من دونه، ليقربوهم إلى اللّه زلفى.وقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّماوات وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما في ستَّة أَيَّامٍ}. قد عرضنا لتفسيره من قبل، في غير موضع، وقلنا إنه ليس المراد بالستة الأيام هنا اشتغال اللّه سبحانه وتعالى بعملية الخلق طوال هذه المدة، كما فهم ذلك كثير من المفسرين، نقلا عن التوراة، وما جاء في أول سفر التكوين منها، من أن اللّه خلق المخلوقات في ستة أيام، ثم استراح في اليوم السابع.تقول التوراة: في البدء خلق اللّه السماوات والأرض.ثم تقول وهى تعرض ما خلق اللّه في السموات والأرض: وكان مساء وكان صباح. يوما واحدا. وكان مساء وكان صباح يوما ثانيا وكان مساء. وكان صباح يوما ثالثا. وهكذا إلى اليوم السادس، ثم تقول: فأكملت السماوات والأرض وكل جندها، وفرغ اللّه في اليوم السابع من عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل!! وهذا فهم خاطئ لقدرة اللّه، وتحديد لتلك القدرة، ومقايسة لها بقدرة المخلوقين، حتى إنه سبحانه- ليعمل في كل يوم عملا، ثم يستريح بعد أن يعمل، وحتى لكأنّ العمل قد أجهده وأتعبه. وتعالى اللّه عما يقول الضالون علوا كبيرا. {إنَّما أَمْرُهُ إذا أَرادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (82: يس).وقد قلنا إن هذه الأيام، هي العمر الذي نضج في بوتقته خلق السموات والأرض، تماما كما يتخلّق كل مخلوق في زمن محدد. من النطفة إلى الوليد، ومن البذرة إلى الثمرة. فلكل جنين زمن يتم فيه تكوينه، ولكل ثمرة وقت تبلغ به تمامها ونضجها. وهكذا كل مخلوق مما خلق اللّه!.أما حصر الخلق في الستة الأيام هذه، فذلك شأن من شئون اللّه في خلقه، لا يسأل عما يفعل. {يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ} (68: القصص).وفي قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْش} ما يسأل عنه: ألم يكن اللّه سبحانه وتعالى عرش يستوى عليه قبل أن يخلق السموات والأرض؟ ألم يكن هناك سلطان للّه قبل أن يخلق ما خلق؟.ومع أن هذا التساؤل لا محل له، لأنه مما يتعلق بذات اللّه، ومما لا تناله العقول، ولا تدركه الأفهام. فالسؤال شطط، والجواب عنه إمعان في هذا الشطط- مع هذا، فإننا لكى نرضى هذا التطلع والفضول منا، نقول: إن سلطان اللّه قائم أبدا، وجد هذا الوجود أم لم يوجد. فالعلم، والقدرة، والحكمة، والسمع، والبصر، وغير ذلك من صفات اللّه، هي صفات أزلية قائمة بالذات، سواء ظهرت آثارها أو لم تظهر. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {الَّذي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى} (50: طه).فهداية اللّه للمخلوقات قائمة قبل الخلق، ولكنها تتجلى حين يظهر المخلوق، ويأخذ الانجاه الذي توجهه قدرة اللّه، وعلمه، وحكمته إليه.ومثله قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُميتُكُمْ ثُمَّ يُحْييكُمْ} (40: الروم).فهذا الخلق، ثم الرزق، ثم الإماتة، ثم الإحياء، كلها واقعة في علم اللّه، مقدورة لقدرته، ولكنها تتجلى في كل مخلوق، حالا بعد حال، وزمنا بعد زمن، حسب علم اللّه وتقديره.واستواء اللّه سبحانه وتعالى على العرش، هو تجلّيه سبحانه على هذه المخلوقات التي خلقها، وإجراؤها على النظام الذي قدره لها.قوله تعالى: {يُدَبّرُ الْأَمْرَ منَ السَّماء إلَى الْأَرْض ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْه في يَوْمٍ كانَ مقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ممَّا تَعُدُّونَ}.تدبير الأمر، قضاؤه، والأمر بإنفاذه.والمراد بالسماء هنا، الإشارة إلى متنزل هذا الأمر المدبر، وهو أنه من سلطان عال متمكن.والمراد بالأرض: الإشارة إلى ما يقضى به اللّه في شأن الناس، وما يتصل بعالمهم الأرضى، إذ كانوا هم المخاطبين بهذا، والمدعوين إلى النظر فيه، وتلقّى العبرة منه.وعروج الأمر إلى اللّه، هو الرجوع إليه، بعد أن يقع على الصورة التي أرادها، فيعلمه سبحانه على الصورة التي وقع عليها، وهذا العلم ليس حادثا، بل هو علم قديم، لأمور حادثة. فكل الأمور تصدر عن اللّه، ثم تعود إليه، بعد أن تدور دورتها المقدورة لها، كما يقول سبحانه: {أَلا إلَى اللَّه تَصيرُ الْأُمُورُ} (53: الشورى).وقوله تعالى: {في يَوْمٍ كانَ مقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ممَّا تَعُدُّونَ} اختلفت الأقوال في هذا اليوم، وهل هو يوم القيامة، أم هو يوم من أيام اللّه في هذه الدنيا.واليوم، هو وحدة من وحدات الزمن عند الناس، في هذه الدنيا، وهو محدود بأربع وعشرين ساعة، تدور فيها الأرض دورة كاملة حول الشمس، من الغرب إلى الشرق.وقد ورد في القرآن الكريم موازنة بين أيام الدنيا هذه، وأيام أخرى عند اللّه، فكان من تلك الأيام ما يوازى ألف سنة من أيام دنيانا، كما يقول اللّه تعالى في هذه الآية، وكما يقول جل شأنه في آية أخرى:{وَيَسْتَعْجلُونَكَ بالْعَذاب وَلَنْ يُخْلفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإنَّ يَوْمًا عنْدَ رَبّكَ كَأَلْف سَنَةٍ ممَّا تَعُدُّونَ} (47: الحج).وجاء في موضع آخر من القرآن الكريم، أن من الأيام عند اللّه ما يعدل خمسين ألف سنة من أيامنا. كما يقول سبحانه: {تَعْرُجُ الْمَلائكَةُ وَالرُّوحُ إلَيْه في يَوْمٍ كانَ مقْدارُهُ خَمْسينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (4: المعارج). وهناك أيام تعدل ما لا حصر له من أيامنا في دنيانا تلك.والذي نطمئن إليه في تأويل هذا اليوم الذي مقداره ألف سنة، واليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة- هو أن هذين اليومين يوقّتان دورتين من دورات الأجرام السماوية في أفلاكها، وأن اليوم الذي مقداره ألف سنة من أيام الأرض، هو يوم كوكب من الكواكب السماوية، حيث تتم دورته في فلكه في ألف سنة. ويمكن أن يكون هذا الكوكب في السماء الدنيا.ويكون في الحديث عن هذا الكوكب، أو عن يومه وطوله بالنسبة ليوم الأرض- إشارة إلى قصر الحياة على هذه الأرض، ومع هذا، فإن الناس يستعجلون مقامهم فيها، ويستحثون مطاياهم للارتحال عنها: {خُلقَ الْإنْسانُ منْ عَجَلٍ سَأُريكُمْ آياتي فَلا تَسْتَعْجلُون}.وإذا كان في الكواكب ما يتمّ دورته في يوم. مثل فلك الأرض، وكان فيها ما يتم دورته في ألف سنة، مثل كثير من الكواكب- فإن هناك من الكواكب ما يتم في دورته في خمسين ألف سنة. وهناك ما يتم دورة في آلاف آلاف من السنين.فهناك أيام كثيرة في علم اللّه، لدورات الكواكب والنجوم المبثوثة في ملك اللّه. ولعل هذا هو السرّ في تنكير {يوم} في المواضع الثلاث التي جاء فيها تحديد الزمن اليومي، بألف سنة، وبخمسين ألف سنة. فكل يوم منها، هو بعض أيام اللّه، فللّه سبحانه أيام لا تحصى في النظام الذي أقام عليه حركات الكواكب والنجوم، التي لا يعلمها إلا اللّه. اهـ..قال ابن عاشور: {اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا في ستَّة أَيَّامٍ}.لما كان الركن الأعظم من أركان هدى الكتاب هو إثبات الوحدانية للإله وإبطال الشرك عُقب الثناء على الكتاب بإثبات هذا الركن.وجيء باسم الجلالة مبتدأ لإحضاره في الأذهان بالاسم المختص به قطعًا لدابر عقيدة الشريك في الإلهية، وخَبَرُ المبتدأ جملة {ما لكم من دونه من وليّ ولا شفيع}، ويكون قوله: {الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما} صفة لاسم الجلالة.وجيء باسم الموصول للإيماء إلى وجه بناء الخبر وأنه الانفراد بالربوبية لجميع الخلائق في السماوات والأرض وما بينهما ومن أولئك المشركون المعنيون بالخبر والخطاب موجه إلى المشركين على طريقة الالتفات.والوليّ: مشتق من الولاء بمعنى: العهد والحلف والقرابة.ومن لوازم حقيقة الولاء النصر والدفاع عن المولَى.وأُريد بالولي: المشارك في الربوبية.والشفيع: الوسيط في قضاء الحوائج من دفع ضرّ أو جلب نفع.والمشركون زعموا أن الأصنام آلهة شركاء لله في الإلهية ثم قالوا: {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس: 18] وقالوا: {ما نعبدهم إلا ليُقَرّبونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3].و{من} في قوله: {من دونه} ابتدائية في محل الحال من ضمير {لكم}، ودون بمعنى غَير، و{من} في قوله: {من ولي} زائدة لتأكيد النفي، أي: لا وليّ لكم ولا شفيع لكم غير الله فلا ولاية للأصنام ولا شفاعة لها إبطالًا لما زعموه لأصنامهم من الوصفين إبطالًا راجعًا إلى إبطال الإلهية عنها.وليس المراد أنهم لا نصير لهم ولا شفيع إلا الله لأن الله لا ينصرهم على نفسه ولا يشفع لهم عند نفسه، قال الله تعالى: {ذلك بأن الله مولَى الذين ءامنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم} [محمد: 11] وقال: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة: 255].وتقدم تفسير نظيره {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} وبيان تأويل {ثم استوى على العرش} في سورة الأعراف (54).
|