الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ} يعني ضيف لوط وهم الملائكة الذين نزلوا عليه في صورة الرجال، وكانوا على أحسن صورهم، فراودوا لوطًا عليهم طلبًا للفاحشة.{فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ} والطمس محو الأثر ومنه طمس الكتاب إذا محي، وفي طمس أعينهم وجهان:أحدهما: أنهم اختفوا عن أبصارهم حتى لم يروهم، مع بقاء أعينهم، قاله الضحاك.الثاني: أعينهم طمست حتى ذهبت أبصارهم وعموا فلم يروهم، قاله الحسن، وقتادة.{فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ} فيه وجهان:أحدهما: أنه وعيد بالعذاب الأدنى، قاله الضحاك.الثاني: أنه تقريع بما نالهم من عذاب العمى الحال، وهو معنى قول الحسن، وقتادة.{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ} يعني أكفاركم خير من كفار من تقدم من الأمم الذين أهلكوا بكفرهم.{أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} يعني في الكتب السالفة براءة من الله تعالى أنكم ليس تهلكون كما أهلكوا، ومنه قول الشاعر:
{أَمْ يَقولونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} يعني بالعدد والعدة، وقد كان من هلك قبلهم أكثر عددًا وأقوى يدًا، ويحتمل انتصارهم وجهين:أحدهما: لأنفسهم بالظهور.الثاني: لآلهتهم بالعبادة.فرد الله عليهم فقال: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيْوَلُّونَ الدُّبُرَ} يعني كفار قريش وذلك يوم بدر، وهذه معجزة أوعدهم الله بها فحققها، وفي ذلك يقول حسان: {بَلِ الْسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} يعني القيامة.{وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} يحتمل وجهين:أحدهما: أن موقف الساعة أدهى وأمر من موقف الدنيا في الحرب التي تولون فيها الدبر.الثاني: أن عذاب الساعة أدهى وأمر من عذاب السيف في الدنيا.وفي قوله: {أدْهَى} وجهان:أحدهما: أخبث.الثاني: أعظم.{وَأَمَرُّ} فيه وجهان:أحدهما: معناه أشد لأن المرارة أشد الطعوم.الثاني: معناه أنفذ، مأخوذ من نفوذ المرارة فيما خالطته.{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} روى إسماعيل بن زياد عن محمد بن عباد عن أبي هريرة أن مشركي قريش أتوا النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر، فنزلت.{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} فيه وجهان:أحدهما: على قدر ما أردنا من غير زيادة ولا نقصان، قاله ابن بحر.الثاني: بحكم سابق وقضاء محتوم، ومنه قول الراجز: {وَمَآ أَمْرُنْآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بَالْبَصَرِ} يعني أن ما أردناه من شيء أمرنا به مرة واحدة ولم نحتج فيه إلى ثانية، فيكون ذلك الشيء مع أمرنا به كلمح البصر في سرعته من غير إبطاء ولا تأخير.{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ} فيه وجهان:أحدهما: أن المستطر المكتوب، قاله الحسن وعكرمة وابن زيد، لأنه مسطور.الثاني: أنه المحفوظ، قاله قتادة.{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: أن النهر أنهار الماء، والخمر، والعسل، واللبن، قاله ابن جريج.الثاني: أن النهر الضياء والنور، ومنه النهار، قاله محمد بن إسحاق، ومنه قول الراجز: الثالث: أنه سعة العيش وكثرة النعيم، ومنه اسم نهر الماء، قاله قطرب.{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِند مَلِيكٍ مّقْتَدِرِ} فيه وجهان:أحدهما: مقعد حق لا لغو فيه ولا تأثيم.الثاني: مقعد صدق لله وعد أولياءه به، والمليك والملك واحد، وهو الله كما قال ابن الزبعري: ويحتمل ثالثًا: أن المليك مستحق الملك، والملك القائم بالملك والمقتدر بمعنى القادر.ويحتمل وصف نفسه بالاقتدار ها هنا وجهين:أحدهما: لتعظيم شأن من عنده من المتقين لأنهم عند المقتدر أعظم قدرًا، وأعلى مجزًا.الثاني: ليعلموا أنه قادر على حفظ ما أنعم به عليهم ودوامه لهم، والله أعلم. اهـ.
قال المفسرون: والمعنى أن أبصارهم ذليلة خاضعة عند رؤية العذاب.والأجداث: القبور، وإنما شبَّههم بالجراد المنتشِر، لأن الجراد لا جِهةَ له يَقْصِدها، فهو أبدًا مختلف بعضه في بعض، فهم يخرُجون فزعين ليس لأحد منهم جهة يَقْصِدها.والدّاعي: إِسرافيل.وقد أثبت ياء {الدّاعي} في الحالين ابن كثير، ويعقوب؛ تابعهما في الوصل نافع، وأبو عمرو؛ والباقون بحذفها في الحالين.وقد بيَّنّا معنى {مُهْطِعين} في سورة [إبراهيم: 43] والعَسِر: الصَّعب الشَّديد.قوله تعالى: {كذَّبتْ قَبْلَهم} أي: قبل أهل مكة {قومُ نُوح فكذَّبوا عَبْدَنا} نوحًا {وقالوا مجنونٌ وازْدُجِرَ} قال أبو عبيدة: افتُعِل مِن زُجِر.قال المفسرون: زجروه عن مقالته {فدعا} عليهم نوح {ربَّه} ب {أنِّي مغلوبٌ فانْتَصر} أي: فانتَقِم لي ممَّن كذَّبني.قال الزَّجاج: وقرأ عيسى بن عمر النحوي: {إنِّي} بكسر الألف، وفسرها سيبويه فقال: هذا على إِرادة القول، فالمعنى: قال: إني مغلوب؛ ومن فتح، وهو الوجه، فالمعنى: دعا ربَّه ب {أنِّي مغلوب}.
|