الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.[سورة الجاثية: الآيات 14- 15]. {قُلْ لِلَّذِينَ آمنوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)}.حذف المقول لأن الجواب دال عليه. والمعنى: قل لهم اغفروا يغفروا {لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} لا يتوقعون وقائع اللّه بأعدائه. من قولهم لوقائع العرب: أيام العرب. وقيل: لا يأملون الأوقات التي وقتها اللّه لثواب المؤمنين ووعدهم الفوز فيها. قيل: نزلت قبل آية القتال. ثم نسخ حكمها. وقيل: نزولها في عمر رضي اللّه عنه- وقد شتمه رجل من غفار فهمّ أن يبطش به.وعن سعيد بن المسيب: كنا بين يدي عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فقرأ قارئ هذه الآية. فقال عمر: ليجزي عمر بما صنع {لِيَجْزِيَ} تعليل الأمر بالمغفرة. أي: إنما أمروا بأن يغفروا لما أراده اللّه من توفيتهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة. فإن قلت: قوله: {قَوْمًا} ما وجه تنكيره وإنما أراد الذين آمنوا وهم معارف؟ قلت: هو مدح لهم وثناء عليهم. كأنه قيل. ليجزي أيما قوم وقوما مخصوصين. لصبرهم وإغضائهم على أذى أعدائهم من الكفار. وعلى ما كانوا يجرعونهم من الغصص {بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} من الثواب العظيم بكظم الغيظ واحتمال المكروه ومعنى قوله عمر: ليجزي عمر بما صنع: ليجزي بصبره واحتماله.وقوله لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم عند نزول الآية: والذي بعثك بالحق لا ترى الغضب في وجهى. وقرئ: {ليجزي قوما}. أي: اللّه عز وجل. و{ليجزي قوم} و{ليجزي قوما} على معنى: وليجزي الجزاء قوما..[سورة الجاثية: الآيات 16- 17]. {ولقد آتينا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16) وآتيناهم بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)}.{الْكِتابَ} التوراة {وَالْحُكْمَ} الحكمة والفقه. أوفصل الخصومات بين الناس. لأن الملك كان فيهم {والنبوّة} {مِنَ الطَّيِّباتِ} مما أحل اللّه لهم وأطاب من الأرزاق {وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ} حيث لم نؤت غيرهم مثل ما آتيناهم {بَيِّناتٍ} آيات ومعجزات {مِنَ الْأَمْرِ} من أمر الدين. فما وقع بينهم الخلاف في الدين {إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ} ما هو موجب لزوال الخلاف وهو العلم. وإنما اختلفوا لبغى حدث بينهم. أولعداوة وحسد..[سورة الجاثية: الآيات 18- 19]. {ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها ولا تَتَّبِعْ أَهواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أولياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وليُّ الْمُتَّقِينَ (19)}.{عَلى شَرِيعَةٍ} على طريقة ومنهاج {مِنَ الْأَمْرِ} من أمر الدين. فاتبع شريعتك الثابتة بالدلائل والحجج. ولا تتبع ما لا حجة عليه من أهواء الجهال. ودينهم المبنى على هو ى وبدعة. وهم رؤساء قريش حين قالوا. ارجع إلى دين ابائك. ولا توالهم. إنما يوالى الظالمين من هو ظالم مثلهم. وأما المتقون: فو ليهم اللّه وهم موالوه. وما أبين الفصل بين الولايتين..[سورة الجاثية: آية 20]. {هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)}.هذا القرآن {بَصائِرُ لِلنَّاسِ} جعل ما فيه من معالم الدين والشرائع بمنزلة البصائر في القلوب. كما جعل روحا وحياة وهو هدى من الضلالة. ورحمة من العذاب لمن امن وأيقن.وقرئ: {هذه بصائر} أي: هذه الآيات..[سورة الجاثية: آية 21]. {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (21)}.{أَمْ} منقطعة. ومعنى الهمزة فيها إنكار الحسبان. والاجتراح: الاكتساب. ومنه الجوارح وفلأن جارحة أهله. أي: كاسبهم.{أَنْ نَجْعَلَهُمْ} أن نصيرهم. وهو من جعل المتعدي إلى مفعولين فأولهما الضمير. والثاني: الكاف. والجملة التي هي {سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ} بدل من الكاف. لأن الجملة تقع مفعولا ثانيا. فكانت في حكم المفرد. ألا تراك لوقلت: أن نجعلهم سواء محياهم ومماتهم: كان سديدا. كما تقول: ظننت زبدا أبوه منطلق.ومن قرأ {سَواءً} بالنصب: أجرى سواء مجرى مستويا. وارتفع {محياهم ومماتهم} على الفاعلية. وكان مفردا غير جملة. ومن قرأ: {ومماتهم} بالنصب. جعل {محياهم ومماتهم} ظرفين. كمقدم الحاج وخفوق النجم. أي: سواء في محياهم وفي مماتهم. والمعنى: إنكار أن يستوي المسيئون والمحسنون محيا. وأن يستووا مماتا. لافتراق أحوالهم أحياء. حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات. وأولئك على ركوب المعاصي. ومماتا. حيث مات هؤلاء على البشرى بالرحمة والوصول إلى ثواب اللّه ورضوانه. وأولئك على اليأس من رحمة اللّه والوصول إلى هول ما أعدّ لهم. وقيل: معناه إنكار أن يستووا في الممات كما استو وا في الحياة. لأن المسيئين والمحسنين مستومحياهم في الرزق والصحة. وإنما يفترقون في الممات. وقيل: {سواء محياهم ومماتهم}: كلام مستأنف على معنى: أن محيا المسيئين ومماتهم سواء. وكذلك محيا المحسنين ومماتهم: كل يموت على حسب ما عاش عليه. وعن تميم الداري رضي اللّه عنه أنه كان يصلى ذات ليلة عند المقام. فبلغ هذه الآية. فجعل يبكى ويردّد إلى الصباح: ساء ما يحكمون.وعن الفضيل: أنه بلغها فجعل يردّدها ويبكى ويقول: يا فضيل. ليت شعري من أي الفريقين أنت..[سورة الجاثية: آية 22]. {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ولتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (22)}.{ولتُجْزى} معطوف على بالحق. لأن فيه معنى التعليل. أو على معلل محذوف تقديره: خلق اللّه السماوات والأرض. ليدل به على قدرته ولتجزى كل نفس..[سورة الجاثية: آية 23]. {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هواه وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23)} أي: هو مطواع لهوى النفس يتبع ما تدعوه إليه. فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه.وقرئ: {الهة هواه} لأنه كان يستحسن الحجر فيعبده. فإذا رأى ما هو أحسن رفضه إليه. فكأنه اتخذ هواه الهة شتى: يعبد كل وقت واحدا منها {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ} وتركه عن الهداية واللطف وخذله على علم. عالما بأنّ ذلك لا يجدى عليه. وأنه ممن لا لطف له.أو مع علمه بوجوه الهداية وإحاطته بأنواع الألطاف المحصلة والمقرّبة {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ} إضلال {اللَّهُ} وقرئ: {غشاوة} بالحركات الثلاث. و{غشوة} بالكسر والفتح.وقرئ: {تتذكرون}..[سورة الجاثية: آية 24]. {وَقالوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (24)}.{نَمُوتُ وَنَحْيا} نموت نحن ويحيا أولادنا. أو يموت بعض ويحيا بعض. أونكون مواتا نطفا في الأصلاب. ونحيا بعد ذلك. أو يصيبنا الأمران: الموت والحياة. يريدون: الحياة في الدنيا والموت بعدها. وليس وراء ذلك حياة. وقرئ: {نحيا} بضم النون. وقرئ: {إلا دهر يمرّ} وما يقولون ذلك عن علم. ولكن عن ظنّ وتخمين: كانوا يزعمون أنّ مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس. وينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح بأمر اللّه. وكانوا يضيفون كل حادثة تحدث إلى الدهر والزمان. وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان.ومنه قوله عليه السلام: «لا تسبوا الدهر. فإنّ اللّه هو الدهر» أي: فإنّ اللّه هو الاتي بالحوادث لا الدهر..[سورة الجاثية: الآيات 25- 26]. {وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالوا ائْتُوا بِآبائنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ ولكن أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (26)}.وقرئ: {حجتهم} بالنصب والرفع. على تقديم خبر كان وتأخيره. فإن قلت: لم سمى قولهم حجة وليس بحجة؟ قلت: لأنهم أدلوا به كما يدلى المحتج بحجته وساقوه مساقها. فسميت حجة على سبيل التهكم. أولأنه في حسبانهم وتقديرهم حجة. أولأنه في أسلوب قوله:كأنه قيل: ما كان حجتهم إلا ما ليس بحجة. والمراد: نفى أن تكون لهم حجة البتة.فإن قلت: كيف وقع قوله: {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ} جوابا لقولهم {ائْتُوا بِآبائنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}؟ قلت: لما أنكروا البعث وكذبوا الرسل. وحسبوا أنّ ما قالوه قول مبكت. ألزموا ما هو مقرّون به: من أنّ اللّه عز وجل هو الذي يحييهم ثم يميتهم. وضم إلى إلزام ذلك إلزام ما هو واجب الإقرأر به إن أنصفوا وأصغوا إلى داعى الحق. وهو جمعهم إلى يوم القيامة. ومن كان قادرا على ذلك كان قادرا على الإتيان بآبائهم. وكان أهون شيء عليه. .[سورة الجاثية: الآيات 27- 31]. {وللَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هو الفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31)}.عامل النصب في {يَوْمَ تَقُومُ} يخسر. و{يَوْمَئِذٍ} بدل من {يَوْمَ تَقُومُ} {جاثِيَةً} باركة مستوفزة على الركب. وقرئ: {جاذية}. والجذو: أشد استيفازا من الجثوّ. لأن الجاذى هو الذي يجلس على أطراف أصابعه: وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما: جاثية مجتمعة.وعن قتادة: جماعات من الجثوة. وهي الجماعة. وجمعها: جثى. وفي الحديث «من جثى جهنم» وقرئ {كُلَّ أُمَّةٍ} على الابتداء: و{كل أمة}: على الإبدال من كل أمة إِلى كِتابِهَا إلى صحائف أعمالها. فاكتفى باسم الجنس. كقوله تعالى: {ووضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ}.{الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ} محمول على القول. فإن قلت: كيف أضيف الكتاب إليهم وإلى اللّه عزّ وجل؟ قلت: الإضافة تكون للملابسة. وقد لا بسهم ولا بسه. أما ملابسته إياهم. فلان أعمالهم مثبتة فيه. وأما ملابسته إياه. فلانه مالكه. والامر ملائكته أن يكتبوا فيه أعمال عباده {يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ} يشهد عليكم بما عملتم بِالْحَقِّ من غير زيادة ولا نقصان {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ} الملائكة {ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي نستكتبهم أعمالكم {فِي رَحْمَتِهِ} في جنته. وجواب أما محذوف تقديره: وأما الذين كفروا فيقال لهم {أَفَلَمْ تَكُنْ آياتي تُتْلى عَلَيْكُمْ} والمعنى ألم يأتكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم. فحذف المعطوف عليه..[سورة الجاثية: الآيات 32- 33]. {وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (33)}.وقرئ: {والساعة} بالنصب عطفا على الوعد. وبالرفع عطفا على محل إن واسمها {مَا السَّاعَةُ} أي شيء الساعة؟ فإن قلت: ما معنى {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا}؟ قلت: أصله نظن ظنا.ومعناه: إثبات الظن فحسب. فأدخل حرفا النفي والاستثناء. ليفاد إثبات الظن مع نفى ما سواء وزيد نفى ما سوى الظن توكيدا بقوله: {وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} {سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا} أي قبائح أعمالهم. أو عقوبات أعمالهم السيئات. كقوله تعالى: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها}..[سورة الجاثية: الآيات 34- 35]. {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (34) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيات اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها ولا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)}.{نَنْساكُمْ} نترككم في العذاب كما تركتم عدة {لِقاءَ يَوْمِكُمْ} هذا وهي الطاعة. أونجعلكم بمنزلة الشيء المنسي غير المبالى به. كما لم تبالوا أنتم بلقاء يومكم ولم تخطروه ببال. كالشيء الذي يطرح نسيا منسيا. فإن قلت: فما معنى إضافة اللقاء إلى اليوم؟ قلت: كمعنى إضافة المكر في قوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ} أي نسيتم لقاء اللّه في يومكم هذا ولقاء جزائه. وقرئ: {لا يخرجون} يفتح الياء {ولا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} ولا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم أي يرضوه..[سورة الجاثية: الآيات 36- 37]. {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) ولهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وهو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)}.{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ} فاحمدوا اللّه لذي هو ربكم ورب كل شيء من السماوات والأرض والعالمين. فان مثل هذه الربوبية العامة يوجب الحمد والثناء على كل مربوب. وكبروه فقد ظهرت اثار كبريائه وعظمته {فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} وحق مثله أن يكبر ويعظم.عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حم الجاثية ستر اللّه عورته وسكن روعته يوم الحساب». اهـ..قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {حم تنزيلُ الكتاب}.قد شرحناه في أول المؤمن.قوله تعالى: {وفي خَلْقكم} أي: من تراب ثم من نُطْفة إِلى أن يتكامل خَلْق الإنسان {وما يَبُثُّ مِنْ دابَّة} أي: وما يُفرِّق في الأرض من جميع ما خلق على اختلاف ذلك في الخَلْق والصُّوَر {آيات} تدُلُّ على وحدانيَّته.قرأ ابن كثير. ونافع. وعاصم. وأبو عمرو. وابن عامر: {آيات} رفعًا {وتصريفِ الرِّياحِ آيات} رفعًا أيضًا.وقرأ حمزة. والكسائي: بالكسر فيهما.والرِّزق هاهنا بمعنى المطر.قوله تعالى: {تلك آيات الله} أي: هذه حُجج الله {نتلوها عليك بالحق فبأيِّ حديثٍ بَعْدَ الله} أي: بعد حديثه {وآياته} يؤمِن هؤلاء المشركون؟!.قوله تعالى: {وَيْلٌ لكل أفّاكٍ أثيمٍ} روى أبوصالح عن ابن عباس أنها نزلت في النضر بن الحارث.وقد بيَّنّا معناها في [الشعراء: 222] والآية التي تليها مفسَّرة في [لقمان: 7].
|