الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الخازن: {والذين كذبوا بآياتنا} يعني ومن جحدوا آياتنا وكذبوا رسلنا {واستكبروا عنها} يعني واستكبروا عن الإيمان بها وما جاءت به رسلنا {أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} يعني لا يخرجون منها أبدًا. اهـ..قال أبو السعود: {والذين كَذَّبُواْ بآياتنا واستكبروا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} أي {والذين كذبوا} منكم {بآياتنا}، وإيرادُ الاتقاءِ في الأول للإيذان بأن مدارَ الفلاحِ ليس مجردَ عدمِ التكذيبِ بل هو الاتقاءُ والاجتنابُ عنه، وإدخالُ الفاءِ في الجزء الأولِ دون الثاني للمبالغة في الوعد والمسامحةِ في الوعيد. اهـ..قال الألوسي: {والذين كَذَّبُواْ} منكم {بآياتنا} التي تقص {واستكبروا عَنْهَا} ولم يقبلوها {أُولَئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} لتكذيبهم واستكبارهم.وهذه الجملة عطف على الجملة السابقة.وإيراد الاتقاء فيها للإيذان بأن مدار الفلاح ليس مجرد عدم التكذيب بل هو الاتقاء والاجتناب عنه.وإدخال الفاء في الوعد دون الوعيد للمبالغة في الأول والمسامحة في الثاني. اهـ..قال القاسمي: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ} أي: تكبروا: {عَنْهَا} فلم يؤمنوا بها: {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.تنبيه: على وجوب اتباع الرسل:قال الجشمي: تدل الآية، وقبول ما يؤدون، وتدل على أن الصلاح في الرسل أن تكون من جملة من بعث إليهم، لأنهم يكونون بطريقته أعرف، ومن النفار عنه أبعد، وإلى السكون إليه أقرب، وتدل على أن الغرض بالرسول ما يؤدي من الأدلة، فلذلك قلنا لا يجوز أن يكون رسولًا إلا ومعه ما يؤديه: وتدل على أن الجنة تنال بشيئين: بالأعمال الصالحة، واتقاء المعاصي، فبطل قول المرجئة.وتدل على أن المؤمن في الآخرة لا يخاف ولا يحزن، خلاف ما يقوله الأحسدية كذا، والحشوية هكذا، قاله أكثر أصحابنا.وقال أبو بكر أحمد بن علي: قوله: {فلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} كقول الطبيب للمريض لا بأس عليك، يعني أن أمره يؤول إلى العافية.وليس هذا بالوجه لأنه نفى الخوف والحزن مطلقًا، وتدل على الوعيد للمكذبين، كما تدل على الوعيد للمطيعين، ترغيبًا وترهيبًا، وتدل على أن التقوى والصلاح والتكذيب فعل العبد فبطل قولهم في المخلوق والاستطاعة. انتهى كلامه رحمه الله. اهـ..قال ابن عاشور: وجملة: {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار} معطوفة على جملة {فمن اتَّقى وأصلح}.والرَابط محذوف تقديره: والذين كفروا منكم وكذّبوا.والاستكبار مبالغة في التّكبّر، فالسين والتّاء للمبالغة.وهو أن يعُد المرء نفسه كبيرًا أي عظيمًا وما هو به، فالسّين والتاء لعد والحسبان، وكلا الأمرين يؤذن بإفراطهم في ذلك وأنّهم عَدَوْا قدرهم.وضمن الاستكبار معنى الإعراض.فعلّق به ضمير الآيات.والمعنى: واستكبروا فأعرضوا عنها.وأفاد تحقيق أنّهم صائرون إلى النّار بطريق قصر ملازمة النّار عليهم في قوله: {أولئك أصحاب النار} لأنّ لفظ أصحاب مؤذن بالملازمة.وبما تدلّ عليه الجملة الاسميّة من الدّوام والثّبات في قوله: {هم فيها خالدون}. اهـ..قال الشعراوي: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)}ولماذا يكون مصير المكذبين بالآيات والمستكبرين عنها أن يكونوا أصحاب النار ويكونوا فيها خالدين؟ لأنهم وإن تيسرت لهم أسباب الحياة لم يضعوا في حسابهم أن يكون لهم نصيب في الآخرة ولم يلتفتوا إلى الغاية، وغاب عنهم الإِيمان بقول الحق: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِن نَّصِيبٍ} [الشورى: 20]وهب أن الواحد منهم قد أخذ ما أخذ في الدنيا، فلماذا نسي أنها موقوتة العمر؟ ولماذا لم يلتفت إلى الزمن في الآخرة؟. عليك أن تعلم أنك في هذه الدنيا، خليفة في الأرض، ومادمنا جميعًا أبناء جنس واحد ومخلوقين فيها والسيادة لنا على الأجناس فلابد أن تكون لنا غاية متحدة؛ لأن كل شيء اختلفنا فيه لا يعتبر غاية، فالغاية الأخيرة هي لقاء الله؛ لأن النهاية المتساوية في الكون هي الموت ليسلمنا لحياة ثانية، فالذي يستكبر عن آيات الله هو من دخل في صفقة خاسرة؛ لأن من يقارن هذه الدنيا بالحياة الأخرى سيجد أن زمن الإِنسان في الدنيا قليل، وزمن الآخرة لا نهاية له. وعمر الإِنسان في الدنيا مظنون غير متيقن، والمتعة فيها على قدر أسباب الفرد وإمكاناته، لكن الآخرة متيقنة، ونعيم المؤمن فيها على قدر طلاقة قدرة الله. {أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأعراف: 36]وأصحاب النار. يعني أن يصاحب ويلازم المذنب النار كما يصاحب ويلازم الإِنسان منا صاحبه؛ لأن النار على إلف بالعاصين، وهي التي تتساءل: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ}؟. اهـ..من لطائف وفوائد المفسرين: من لطائف القشيري في الآية:قال عليه الرحمة:{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)}مَنْ قَابَلَ ربوبيتَنا بالجُحْدِ، وحكمنا بالرد، لقِيَ الهوانَ، وقاسى الآلام الأحزان، ثم العَجْزُ يلجئه إلى الخنوع، ولكن بعد ألا ينفع ولا يسمع. اهـ..تفسير الآية رقم (37): قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)}.مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما كان تكذيب الرسل تارة يكون بشرع شيء لم يشرعوه، وتارة برد ما شرعوه قولًا وفعلًا، وأخبر أن المكذبين أهل النار، علل ذلك بقوله: {فمن أظلم} أي أشنع ظلمًا {ممن افترى} أي تعمد {على الله} أي الملك الأعلى {كذبًا} أي كمن شرع في المطاعم والملابس غير ما شرع، أو ادعى أنه يوحي إليه فحكم بوجود ما لم يوجد {أو كذب بآياته} أي برد ما أخبر به الرسل فحكم بإنكار ما وجد.ولما كان الجواب: لا أحد أظلم من هذا، بل هو أظلم الناس، وكان مما علم أن الظالم مستحق للعقوبة فكيف بالأظلم قال: {أولئك} أي البعداء من الحضرات الربانية {ينالهم نصيبهم من الكتاب} أي الذي كتب حين نفخ الروح أو من الآجال التي ضربها سبحانه لهم والأرزاق التي قسمها، تأكيدًا لرد اعتراض من قال: إن كنا خالفنا فما له لا يهلكنا؟ ثم غَيَّي نيل النصيب بقوله: {حتى إذا جاءتهم رسلنا} أي الذين قسمنا لهم من عظمتنا ما شئنا حال كونهم {يتوفونهم} أي يقبضون أرواحهم كاملة من جميع أبدانهم {قالوا أين ما كنتم} عنادًا كمن هو في جبلته {تدعون} أي دعاء عبادة {من دون الله} أي تزعمون أنهم واسطة لكم عند الملك الأعظم وتدعونهم حال كونكم معرضين عن الله، ادعوهم الآن ليمنعوكم من عذاب الهوان الذي نذيقكم {قالوا ضلوا} أي غابوا {عنا} فلا ناصر لنا.ولما كان الإله لا يغيب فعلموا ضلالهم بغيبتهم عنهم، قال مترجمًا عن ذلك: {وشهدوا على أنفسهم} أي بالغوا في الاعتراف {أنهم كانوا كافرين} أي ساترين عنادًا لما كشف لهم عنه نور العقل فلا مانع منه إلا حظوظ النفوس ولزوم البؤس. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الفخر: اعلم أن قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بئاياته} يرجع إلى قوله: {والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها} [الأعراف: 36] وقوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ} أي فمن أعظم ظلمًا ممن يقول على الله مالم يقله أو كذب ما قاله.والأول: هو الحكم بوجود ما لم يوجد.والثاني: هو الحكم بإنكار ما وجد والأول دخل فيه قول من أثبت الشريك لله سواء كان ذلك الشريك عبارة عن الأصنام أو عن الكواكب أو عن مذهب القائلين بيزدان وأهرمن.ويدخل فيه قول من أثبت البنات والبنين لله تعالى، ويدخل فيه قول من أضاف الأحكام الباطلة إلى الله تعالى.والثاني: يدخل فيه قول من أنكر كون القرآن كتابًا نازلًا من عند الله تعالى وقول من أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.ثم قال تعالى: {أولئك يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ الكتاب} واختلفوا في المراد بذلك النصيب على قولين: أحدهما: أن المراد منه العذاب، والمعنى ينالهم ذلك العذاب المعين الذي جعله نصيبًا لهم في الكتاب، ثم اختلفوا في ذلك العذاب المعين.فقال بعضهم هو سواد الوجه وزرقة العين، والدليل عليه قوله تعالى: {وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [الزمر: 60] وقال الزجاج: هو المذكور في قوله تعالى: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تلظى} [الليل: 14] وفي قوله: {يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} [الجن: 17] وفي قوله: {إِذِ الأغلال في أعناقهم والسلاسل} [غافر: 71] فهذه الأشياء هي نصيبهم من الكتاب على قدر ذنوبهم في كفرهم.والقول الثاني: أن المراد من هذا النصيب شيء سوى العذاب، واختلفوا فيه فقيل: هم اليهود والنصارى يجب لهم علينا إذا كانوا أهل ذمة لنا أن لا تتعدى عليهم وأن ننصفهم وأن نذب عنهم فذلك هو معنى النصيب من الكتاب وقال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب أي ما سبق لهم في حكم الله وفي مشيئته من الشقاوة والسعادة، فإن قضى الله لهم بالختم على الشقاوة، أبقاهم على كفرهم، وإن قضى لهم بالختم على السعادة نقلهم إلى الإيمان والتوحيد، وقال الربيع وابن زيد يعني: ما كتب لهم من الأرزاق والأعمال والأعمار، فإذا فنيت وانقرضت وفرغوا منها {جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} واعلم أن هذا الاختلاف إنما حصل، لأنه تعالى قال: {أولئك يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ الكتاب} ولفظ النصيب مجمل محتمل لكل الوجوه المذكورة وقال بعض المحققين: حمله على العمر والرزق أولى، لأنه تعالى بين أنهم وإن بلغوا في الكفر ذلك المبلغ العظيم، إلا أن ذلك ليس بمانع من أن ينالهم ما كتب لهم من رزق وعمر تفضلًا من الله تعالى، لكي يصلحوا ويتوبوا، وأيضًا فقوله: {حتى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} يدل على أن مجيء الرسل للتوفي، كالغاية لحصول ذلك النصيب، فوجب أن يكون حصول ذلك النصيب متقدمًا على حصول الوفاة، والمتقدم على حصول الوفاة، ليس إلا العمر والرزق.أما قوله: {حتى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَمَا كُنتُمْ} ففيه مسائل:المسألة الأولى:قال الخليل وسيبويه: لا يجوز إمالة حتى وألا وأما وهذه ألفات ألزمت الفتح، لأنها أواخر حروف جاءت لمعان يفصل بينها وبين أواخر الأسماء التي فيها الألف، نحو: حبلى وهدى إلا أن {حتى} كتبت بالياء لأنها على أربعة أحرف فأشبهت سكرى.وقال بعض النحويين: لا يجوز إمالة {حتى} لأنها حرف لا يتصرف، والإمالة ضرب من التصرف.المسألة الثانية:قوله: {حتى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} فيه قولان:القول الأول: المراد هو قبض الأرواح، لأن لفظ الوفاة يفيد هذا المعنى.قال ابن عباس الموت قيامة الكافر، فالملائكة يطالبونهم بهذه الأشياء عند الموت على سبيل الزجر والتوبيخ والتهديد، وهؤلاء الرسل هم ملك الموت وأعوانه.والقول الثاني: وهو قول الحسن، وأحد قولي الزجاج أن هذا لا يكون في الآخرة ومعنى قوله: {حتى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا} أي: ملائكة العذاب {يَتَوَفَّوْنَهُمْ} أي يتوفون مدتهم عند حشرهم إلى النار على معنى أنهم يستكملون عدتهم، حتى لا ينفلت منهم أحد.المسألة الثالثة:قوله: {أَيْنَمَا كُنتُمْ} معناه أين الشركاء الذين كنتم تدعونهم وتعبدونهم من دون الله.ولفظة ما وقعت موصولة بأين في خط المصحف.قال صاحب الكشاف: وكان حقها أن تفصل، لأنها موصولة بمعنى: أين الآلهة الذين تدعون.ثم إنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا: {ضَلُّواْ عَنَّا} أي: بطلوا وذهبوا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين عند معاينة الموت.واعلم أن على جميع الوجوه، فالمقصود من الآية زجر الكفار عن الكفر، لأن التهويل يذكر هذه الأحوال مما يحمل العاقل على المبالغة في النظر والاستدلال والتسدد في الاحتراز عن التقليد. اهـ.
|