الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.بصيرة في الحمد والحميد: وفلان محمود إِذا حُمِد، ومحمَّد إِذا كثرت خصالُه المحمودة، ومُحْمَد كمكْرَم إِذا وُجد محمودًا. وقوله تعالى: {إِنَّهُ حَمِيد مَّجِيد} يصحّ أَن يكون في معنى المحمود، وأَن يكون في معنى الحامد. وحُمادَاك أَن تفعل كذا أَى غايتك المحمودة. وقوله تعالى: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} فأَحمد إِشارة إِلى النبي صلَّى الله عليه وسلم باسمه وفعله تنبيهًا على أَنَّه كما وُجد أَحمدَ يوجد وهو محمود في أَخلاقه وأَفعاله. وخُصّ بلفظ أَحمد فيما يبشِّر به عيسى عليه السّلام تنبيهًا أَنَّه أَحمد منه ومن الَّذين قبله. وقوله تعالى: {مُّحَمَّد رَّسُولُ اللَّهِ} فمحمّد هاهنا وإِن كان اسمًا له علمًا ففيه إِشارة إِلى وصفه بذلك وتخصيصه بمعناه كما في قوله تعالى: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى} على معنى الحياة كما يبيّن في بابه إِن شاءَ الله. اهـ. .من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {رب العالمين}: .قال الفخر: .الفصل الثاني: في تفسير قوله: {رب العالمين}: أقسام العالم وأنواع كل قسم: .الفائدة الأولى: الموجود إما أن يكون واجبًا لذاته وإما أن يكون ممكنًا لذاته: إذا عرفت هذا فنقول: كل ما سوى الله تعالى إما أن يكون متحيزًا، وإما أن يكون صفة للمتحيز، وإما أن لا يكون متحيزًا ولا صفة للمتحيز، فهذه أقسام ثلاثة: القسم الأول: المتحيز: وهو إما أن يكون قابلًا للقسمة، أو لا يكون، فإن كان قابلًا للقسمة فهو الجسم، وإن لم يكن كذلك فهو الجوهر الفرد؛ أما الجسم فإما أن يكون من الأجسام العلوية أو من الأجسام السفلية؛ أما الأجسام العلوية فهي الأفلاك والكواكب، وقد ثبت بالشرع أشياء أخر سوى هذين القسمين، مثل العرش والكرسي وسدرة المنتهى واللوح والقلم والجنة، وأما الأجسام السفلية فهي إما بسيطة أو مركبة: أما البسيطة فهي العناصر الأربعة: واحدها: كرة الأرض بما فيها من المفاوز والجبال والبلاد المعمورة، وثانيها: كرة الماء وهي البحر المحيط وهذه الأبحر الكبيرة الموجودة في هذا الربع المعمور وما فيه من الأودية العظيمة التي لا يعلم عددها إلا الله تعالى، وثالثها: كرة الهواء، ورابعها: كرة النار. وأما الأجسام المركبة فهي النبات، والمعادن، والحيوان، على كثرة أقسامها وتباين أنواعها، وأما القسم الثاني وهو الممكن الذي يكون صفة للمتحيزات فهي الأعراض، والمتكلمون ذكروا ما يقرب من أربعين جنسًا من أجناس الأعراض. أما الثالث وهو الممكن الذي لا يكون متحيزًا ولا صفة للمتحيز فهو الأرواح، وهي إما سفلية، وإما علوية: أما السفلية فهي إما خيرة، وهم صالحو الجن، وإما شريرة خبيثة وهي مردة الشياطين. والأرواح العلوية إما متعلقة بالأجسام وهي الأرواح الفلكية، وإما غير متعلقة بالأجسام وهي الأرواح المطهرة المقدسة، فهذا هو الإشارة إلى تقسيم موجودات العالم، ولو أن الإنسان كتب ألف ألف مجلد في شرح هذه الأقسام لما وصل إلى أقل مرتبة من مراتب هذه الأقسام، إلا أنه لما ثبت أن واجب الوجود لذاته واحد، ثبت أن كل ما سواه ممكن لذاته، فيكون محتاجًا في وجوده إلى إيجاد الواجب لذاته، وأيضًا ثبت أن الممكن حال بقائه لا يستغنى عن المبقي، والله تعالى إله العالمين من حيث إنه هو الذي أخرجها من العدم إلى الوجود، وهو رب العالمين من حيث إنه هو الذي يبقيها حال دوامها واستقرارها. وإذا عرفت ذلك ظهر عندك شيء قليل من تفسير قوله {الحمد لله رب العالمين}، وكل من كان أكثر إحاطة بأحوال هذه الأقسام الثلاثة كان أكثر وقوفًا على تفسير قوله رب العالمين. .الفائدة الثانية: أقسام المربي: واعلم أن تربيته تعالى مخالفة لتربية غيره، وبيانه من وجوه: الأول: ما ذكرناه أنه تعالى يربي عبيده لا لغرض نفسه بل لغرضهم وغيره يربون لغرض أنفسهم لا لغرض غيرهم، الثاني: أن غيره إذا ربى فبقدر تلك التربية يظهر النقصان في خزائنه وفي ماله وهو تعالى متعالٍ عن النقصان والضرر، كما قال تعالى: {وَإِن مّن شيء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: 21] الثالث: أن غيره من المحسنين إذا ألح الفقير عليه أبغضه وحرمه ومنعه، والحق تعالى بخلاف ذلك، كما قال عليه الصلاة والسلام «إن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء». الرابع: أن غيره من المحسنين ما لم يطلب منه الإحسان لم يعط، أما الحق تعالى فإنه يعطي قبل السؤال، ألا ترى أنه رباك حال ما كنت جنينًا في رحم الأم، وحال ما كنت جاهلًا غير عاقل، لا تحسن أن تسأل منه ووقاك وأحسن إليك مع أنك ما سألته وما كان لك عقل ولا هداية. الخامس: أن غيره من المحسنين ينقطع إحسانه إما بسبب الفقر أو الغيبة أو الموت، والحق تعالى لا ينقطع إحسانه ألبتة. السادس: أن غيره من المحسنين يختص إحسانه بقوم دون قوم ولا يمكنه التعميم أما الحق تعالى فقد وصل تربيته وإحسانه إلى الكل كما قال: {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَئ} [الأعراف: 156] فثبت أنه تعالى رب العالمين ومحسن إلى الخلائق أجمعين، فلهذا قال تعالى في حق نفسه {الحمد لله رب العالمين}. .الفائدة الثالثة: أسباب المدح والعظمة في الدنيا: .الفائدة الرابعة: كثرة وجوه تربية الله للعبد: المثال الثالث: أنه وضع الأفلاك والكواكب بحيث صارت أسبابًا لحصول مصالح العباد، فخلق الليل ليكون سببًا للراحة والسكون وخلق النهار ليكون سببًا للمعاش والحركة: {هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَاء والقمر نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب مَا خَلَقَ الله ذلك إِلاَّ بالحق} [يونس: 5]: {وَهُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ النجوم لِتَهْتَدُواْ بِهَا في ظلمات البر والبحر} [الأنعام: 97] واقرأ قوله: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا والجبال أَوْتَادًا} [النبأ: 5، 6] إلى آخر الآية واعلم أنك إذا تأملت في عجائب أحوال المعادن والنبات والحيوان وآثار حكمة الرحمن في خلق الإنسان قضى صريح عقلك بأن أسباب تربية الله كثيرة، ودلائل رحمته لائحة ظاهرة، وعند ذلك يظهر لك قطرة من بحار أسرار قوله {الحمد لله رب العالمين}.
|