الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وعندما تسمع قول الله: {وَالله شَدِيدُ الْعِقَابِ} فالذهن ينصرف إلى أن هناك ذنبًا يستحق العقاب. وكل الأمور من المعنويات مأخوذة دائمًا من المُحسَّات؛ لأن الأصل في إيجاد أي معلومات معنوية هو المشاهد الحسِّية، وتُنقل الأشياء الحسّية إلى المعنويات بعد ذلك.لماذا؟ لأن الشيء الحسِّي مشهود من الجميع، أما الشيء المعنوي فلا يفهمه إلا المتعقلون، والإنسان له أطوار كثيرة. ففي طور الطفولة لا يفهم ولا يعقل الإنسان إلا الأمر المحسوس أمامه.وقلت قديما في معنى كلمة الغصب: أنه أخذ وسلب شيء من إنسان صاحب حق بقوة، وهذا أمر معنوي له صورة مشهدية؛ لأن الذي يسلخ الجلد عن الشاة نسميه غاصبًا. ولنر كيف يكون أخذ الحق من صاحبه، أنه كالسلخ تمامًا، فالكلمة تأتي للأيضاح.وكلمة ذنب وكلمة عقوبة مترابطتان؛ فكلمة ذنب مأخوذة من مادة ذنب؛ لأن المادة كلها تدل على التالي والذَنَب يتلو المقدمة في الحيوان. والعقاب هو ما يأتي عقب الشيء.إذن فهناك ذنب وهناك عقاب. لكن ماذا قبل الذنب، وماذا يتلو العقاب؟ لا يوجد ذنب إلا إذا وُجِدَ نص يُجرّم، فلا ذنب إلاّ بنص. فليس كل فعل هو ذنب، بل لابد من وجود نص قبل وقوع الذنب. يجرّم فعله؛ ولذلك أخذ التقنين الوضعي هذا الأمر، فقال: لا يمكن أن يعاقب إنسان إلا بتجريم، ولا تجريم إلا بنص، فلا يمكن أن يأتي إنسان فجأة ويقول: هذا العمل جريمة يعاقب عليها. بل لابد من التنبيه والنص من قبل ذلك على تجريم هذا العمل.إنه لا عقوبة إلا بتجريم، ولا تجريم إلا بنص. فالنص يوضح تجريم فعل نوع ما من العمل، وإن قام إنسان بهذا العمل فإنه يُجّرم، ويكون ذلك هو الذنب، فكأن الذنب جاء تاليًا لنص التجريم. والعقاب يأتي عقب الجريمة، وهكذا نجد أن كلا من الذنب والجريمة يأخذان واقع اللفظ ومدلوله ومعناه؛ فالذَّنَبُ هو التالي للشيء. ولذلك يسمون الدلو الذي يملأونه بالماء ذَنُوبًا لأنه هو الذي يتلو الحبل. وأيضا الجزاء في الآخرة: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوبًا مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ} [الذاريات: 59].أي ذَنوبًا تتبع، وتتلو جريمتهم. إذن فالنص القرآني في أي ذنب وفي أي عقاب يؤكد لنا القضية القانونية الاصطلاحية الموجودة في كل الدنيا: أنه لا عقوبة دون تجريم. فكان العقابُ بعد الجريمة أي بعد الذنب، والذنب بعض النص، فلا نأتي لواحد بدون نص سابق ونقول له: أنت ارتكبت ذنبًا. وهذه تحل إشكالات كثيرة، مثال ذلك: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِالله فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48].إن الله يغفر ما دون الشرك بالله، فالشرك بالله قمة الخيانة العظمى؛ وهذا لا غفران فيه وبعد ذلك يغفر لمن يشاء. ويقول الحق في آية أخرى: {قُلْ ياعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا أنه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].فهناك بعض من الناس يقولون: إن الله قال: أنه لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، حتى إنهم قالوا: إن ابن عباس ساعة جاءت هذه الآية التي قال فيها الحق: {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} قال: إلا الشرك وذلك حتى لا تصطدم هذه الآية من الآية الاخرى.والواقع أنه حين يدقق أولو الألباب فلن نجد اصطداما، لأن الذين أسرفوا على أنفسهم. هم من عباد الله الذين آمنوا ولم يشركوا بربهم أحدًا، ولكنهم زلُّوا وغووا ووقعوا في المعاصي فهؤلاء يقال عنهم: إنهم مذنبون؛ لأنهم مؤمنون بالله ومعترفون بالذي أنزله، أما المشرك فلم يعترف بالله ولا بما شرع وقنن من أحكام، فما هو عليه لا يسمى ذنبا وإنما هو كفر وشرك. فلا تعارض ولا تصادم في آيات الرحمن.وعندما يقول الحق: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ وَالله شَدِيدُ الْعِقَابِ} [آل عمران: 11].فهذا القول الحكيم متوازن ومُتّسِق، فالذنب يأتي بعد نص، والعقاب من بعد ذلك. ويقول الحق آمرا رسوله ببلاغ الكافرين: {قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}. اهـ.
.التفسير المأثور: قال السيوطي:{كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ وَالله شَدِيدُ الْعِقَابِ (11)}.أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {كدأب آل فرعون} قال: كصنيع آل فرعون.وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {كدأب آل فرعون} قال: كفعل.وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد. مثله.وأخرج ابن جرير عن الربيع {كدأب آل فرعون} يقول: كسنَّتهم. اهـ..التفسير الإشاري: قال نظام الدين النيسابوري:التأويل: {الم} الألف إظهار الوحدة مطلقًا ذاتًا وصفة. فإن الألف واحد في ذاته وصفاته في وضع الحساب، ومتفرد بالأولية والانقطاع عن غيره في وضع الحروف، ويشير باستقامته وعدم تغيره في جميع الأحوال إلى عدم تغيره عن الوجود الوحداني أزلًا وأبدًا. فإن الألف مصدر جميع الحروف، فإن من استقامته يخرج كل حرف معوج. ثم في اللام والميم المتصل كل حرف منهما بالآخر إثبات أن كل موجود سوى الوحدة موصوفة بالإثنينية وذلك قسمان: قسم لم يكن فكان ثم يزول، وقسم ما كان فكان ولا يزول. وهذان قسمان محدثان وموجدهما الواحد القديم الذي لا زال كان ولا يزال يكون وإليه الإشارة بالألف. وأما اللام فإشارة إلى القسم الذي لم يكن فكان ولا يكون باقيًا وهو عالم الصورة والملك والأجساد. فوقوعه في المرتبة الثانية، من الألف إشارة إلى أنه مسبوق بالوجود والألف سابق عليه، والانكسار فيه يشير إلى تغيره وزواله. والميم إشارة إلى القسم الذي لم يكن فكان ولا يزال يبقى وهو عالم المعنى والملكوت والأرواح. وذلك أن الميم أول حرف من اسمه المبدئ وآخر حرف من اسمه القيوم، فيشير إلى أنه كما أبدأه المبدئ حين لم يكن يقيمه القيوم حين كأن لا يزال. وبوجه آخر الألف إشارة إلى وجود حقيقي قائم بذاته، واللام يشير إلى إثبات ونفي. فالإثبات في لام التمليك {له ما في السموات وما في الأرض} والنفي في لا النافية أي لا وجود لشيء بالحقيقة سواه، والميم يشير أيضا إلى إثبات ونفي. فالإثبات ميم اسمه القيوم والنفي ما النافية أي ما في الوجود حقيقة إلا هو. ودليل الوجهين في {آلم الله لا إله إلا هو الحي القيوم} فـ {الله} إثبات ذات القديم، {لا إله إلا هو} نفى الشرك عن وجوده وإثبات وحدته في وجوده و{الحي القيوم} إثبات جميع صفات كماله ونفي جميع سمات النقص عن ذاته.وقد أودع مجموع معاني هذه الآية في قوله: {آلم} فمعنى قوله: {الله} أودع في أول حرف من حروفه وهو الألف، ومعنى قوله: {لا إله إلا هو} أودع في أول حرف من حروفه وهو اللام. ومعنى قوله: {الحي القيوم} أودع في آخر حرف من حروفه وهو الميم. وإنما أودع في آخر حروفه هاهنا ليكون السر مودعًا في الآية من أول حرفها إلى آخر حرفها مكتومًا فيما بينهما. والحروف الثلاثة من قوله: {آلم} يكون الألف من أولها دإلا على المعنى الذي هو في الكلمة الأولى وهي {الله} واللام من أوسطها دإلا على المعنى الذي في الكلمة الثانية وهي {لا إله إلا هو} والميم من آخرها دإلا على المعنى الذي هو مودع في الثالثة وهو {الحي القيوم} فيكون الاسم الأعظم مودعًا في {آلم} كما روي عن سعيد بن جبير وغيره، وهو سر القرآن وصفوته كما روي عن أبي بكر وعلي عليه السلام. ثم أنه تعالى بعد أن أظهر أسرار ألوهيته المودعة في {آلم} بقوله: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} أظهر ألطاف ربوبيته المكنونة في أستار العزة مع حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم فقال: {نزل عليك الكتاب بالحق} أي نزل حقائق القرآن وأنواره على قلبك بالحقيقة متجلية لسرك، مخيفة عن زورك، فصرت مشاهدًا لسر الله المودع في {آلم} وهو الذي بين يدي {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} فصرت مصدقًا له تصديق تحقيق لا تصديق تقليد فأفهم إذ لم تتعلم، ولا تعلم أنك لا تفهم لأنه منطق الطير وأنت بعد بيضة لا من الطيارين ولا من السيارين.{وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس} فلا تظنن يا محمد أن إنزال الكتب على الأنبياء كان كتنزيل القرآن بالحقيقة على قلبك كما قال: {ولكن جعلناه نورًا} [الشورى: 52] حتى صرت مكاشفًا عند تجلي أنواره بأسراره، وحقائق بيني وبينك لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وإنما إنزال الكتب على الأنبياء كان بالصورة مكتوبة في صحائف وألواح يقرؤها كل قارئ، ويستوي في هداها الأنبياء والأمم قاطبة {هدى للناس} وكنت مخصوصًا بالهداية عند تجلي أنوار القرآن بالتنزيل على قلبك كما قال: {ولكن جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا} [الشورى: 52] {وأنزل الفرقان} الذي يفرق بين تنزيله على قلبك وبين إنزال الكتب على صورة الأنبياء، ويفرق بين تعليمك القرآن وبين تعليمهم الكتب. فإن كانوا يتدارسون الكتب فأنت تتخلق بالقرآن، فشتان بين نبي يجيء وهو بذاته نور ومعه كتاب {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين} [المائدة: 15] وبين نبى يجئ ومعه نور من الكتاب {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس} [الأنعام: 91] وشتان بين نبي تشرف بكتابة الموعظة له في الألواح {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة} [الأعراف: 145] وبين نبي تشرف أمته بكتابة الإيمان لهم في قلوبهم {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} [المجادلة: 22] {إن الذين كفروا بآيات الله} يسترون بحجب الغفلات وتتبع الشهوات قلوبهم فتعمى عن مشاهدة هذه الآيات البينات {لهم عذاب شديد} من هذا العمى والحرمان وهم في خسران من الركون إلى هذا النقصان {والله عزيز ذو انتقام} يعز أهل الغرام بنيل المرام وينتقم من أهل السلوة بحجاب العزة. ثم أخبر تعالى عن كمال علمه بقوله: {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء} وكيف يخفى وإنه {هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز} عن نقص الأحكام {الحكيم} فيما يجري من الأزل إلى الأبد وجفت به الأقلام. وفي الآية إشارة إلى أنه إذا سقطت من صلب ولاية رجل من رجال الحق نطفة إرادة في رحم قلب مريد صادق يستسلم لتصرفات ولاية الشيخ وهو بمثابة ملك الأرحام، ويضبط المريد أحواله الظاهرة والباطنة على وفق أمر الشيخ ويختار الخلوة والعزلة لئلا يصدر منه حركة عنيفة أو يجد رائحة غريبة يلزم منه سقوط النطفة وفسادها، ويقعد بأمر الشيخ وتدبيره فالله تعالى بتصرف ولاية الشيخ المؤيد بتأييد الحق بمرور كل أربعين عليه بشرائطها يحوّلها من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام إلى أن يرجع إلى حظائر القدس ورياض الأنس التي منها صدر إلى عالم الإنس، فيتكون الجنين في رحم القلب وهو طفل خليفة الله في أرضه فيستحق الآن أن ينفخ فيه الروح المخصوص بأنبيائه وأوليائه {يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده} [النحل: 2] {كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه} [المجادلة: 22] فإذا نفخ فيه الروح يكون آدم وقته فيسجد له بالخلافة الملائكة كلهم أجمعون. الآيات المحكمات تنزيلها شرب الخواص والعوام لبسط الشرع والاهتداء، والمتشابهات تأويلها شرب الخواص وخواص الخواص لإخفاء الأسرار عن الأغيار والابتلاء {فأما الذين في قلوبهم زيغ} ألبست قلوبهم غطاء الريب وحرموا أنوار الغيب وهم أهل الأهواء والبدع {فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة} ليضلوا بأهوائهم {وابتغاء تأويله} ليضلوا الناس بآرائهم {والراسخون في العلم يقولون آمنا به} بما شاهدوا من أنوار الحق في تحقيق التأويل {كل من عند ربنا} بتوفيقه وإعلامه وتعريفه {وما يذكر إلا أولوا الألباب} الذين خرجوا في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم من ظلمات قشور وجودهم النفساني إلى نور لباب وجودهم الروحاني، وهم الراسخون في قشور العلوم الكسبية الواصلون إلى حقائق لباب العلوم اللدنية من لدن حكيم خبير. وفي الآية إشارة إلى أن علوم الراسخين كلها بتعليم الله تعالى إياهم في الميثاق إذ تجلى بصفة الربوبية للذرّات، وأشهدهم على أنفسهم بشواهد الربوبية ألست بربكم؟ فبشهود تلك الشواهد ركز في جبلة الذرّات علم التوحيد فقالوا: بلى.ويندرج في علم التوحيد كل العلوم كما قال: {وعلم ادم الأسماء كلها} [البقرة: 31] فلما ردّت الذرّات إلى الأصلاب واحتجبت بصفات البشرية، ثم نقلت إلى الأرحام وتنقلت بقدم الأربعينات من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام من مقامات البعد عن الحضرة إلى أن وضع الحمل، وردت النفس العالمة بعلم التوحيد الناطقة به إلى أسفل سافلين القالب محتجبة بحجب البشرية ناسية تلك العلوم والتنطق بها. ثم أبواه يذكرانه تلك العلوم بالرموز والقرائن حتى يتذكر بعض تلك العلوم من وراء حجب البشرية وأستار الأطوار، وينطق بلسان الأبوين لا بلسانه الذي أجاب به الرب وقال بلى، فإن ذلك اللسان كان لب هذا اللسان وهذا قشر ذلك. وكذلك جميع وجود ظاهر الإنسان وباطنه قشور لباب ذلك الوجود المستمع المجيب في الميثاق. فسمعه قشر ذلك السمع الذي استمع خطاب الحق، وبصره قشر ذلك البصر الذي أبصر جمال الحق، وقلبه قشر ذلك القلب الذي فقه خطاب الحق، وعلومه قشر تلك العلوم التي تعلمت من الحق. فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليذكره حقيقة تلك العلوم التي كان أبواه يذكرانه قشرها كما قال: {فذكر إنما أنت مذكر} [الغاشية: 21] فالتذكير عام ولكن التذكر خاص فلهذا قال: {وما يذكر إلا أولوا الألباب} إنما يتذكر أولوا الألباب {ربنا لا تزغ قلوبنا} عن صراطك بغلبات ظلمات طبائعنا وطباعنا {بعد إذ هديتنا} إلى حضرة جلالك ونور جمالك حتى سمعنا بلب سمعنا لب التنزيل، وشاهدنا بلب أبصارنا لب التأويل، وتذكرنا بلب عقولنا علومنا {وهب لنا من لدنك رحمة} تجذبنا من لدنا إلى لدنك وتغنينا عنا بك {إنك أنت الوهاب}.وفيه إشارة إلى أن وظيفة الطالب أن لا يسكن في مقام ولا يقف مع حال بل يكون إلى الأبد طلابًا كما كان الله من الأزل إلى الأبد وهابًا. وكما أنه لا نهاية لمواهبه فلا غاية لمطالب طالبه، وأن بعد هذه الدار دارًا هي دار القرار يوفى فيها جزاء الأبرار والفجار. فحصول الأرب بقدر رعاية الأدب في الطلب. ومقاساة التعب والنصب، وإن التقوى خير زاد للمعاد {إن الله لا يخلف الميعاد} {إن الذين كفروا} استروا أنوار روحانيتهم بظلمات صفات نفسانيتهم {لن تغنى عنهم} طاغوت {أموالهم وأولادهم من} أنوار الله التي حجبوا عنها {وأولئك هم وقود النار} نار الفرقة والقطيعة {نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة} [الهمزة: 6، 7] لا نار الجحيم التي لا تحرق إلا قشور الجلود ولا تخلص إلى لب القلوب. وإن عذاب حرقة لجلود بالنسبة إلى عذاب فرقة القلوب وحرقة القطيعة عن الله كنسيم الحياة إلى سموم لممات.وكذلك دأب جميع الكفار الذين ستروا أنوار روحانيتهم بظلمات صفات النفس فعموا وصموا عن مشاهدة أنوارنا ومحافظة أسرارنا، فأخذهم الله فعاقبهم بحجاب ذنبوبهم وحرقة قلوبهم {والله شديد العقاب} أليم نار فراقه عظيم عذاب بعده وإشراقه. .تفسير الآية رقم (12): قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)}
|