الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***
أخذهما من مشتريهما والثمن قد ضاع على المشتري، ومفهوم قوله في سوى مصلحة أنه إذا أتلفه في مصلحته بأن أكله أو لبسه أو صرف ثمنه فيما لا بد له منه فإنه يضمن الأقل منه ومما صونه كما مر في الوديعة، وهو محمول مع جهل الحال على أنه صرفه في غير مصلحة حتى يثبت أنه صرفه فيها على المعتمد كما مر. (وفعله) أي المحجور صبياً كان أو سفيهاً مولى عليه أم لا (بعوض) كبيعه لشيء من ماله أو إجارته ونحو ذلك (لا يرتضى) أي لا يمضي بل هو موقوف على إجازة وليه أو الحاكم إن لم يكن له ولي (و) لذلك (إن أجازه وصيه) ونحوه من أب أو مقدم أو الحاكم إن كان مهملاً (مضى) حيث كان فعله من بيع ونحوه سداداً أو عبطة أو محتاجاً إليه في نفقته وإلاَّ لم يمض، ولو أمضاه من ذكر لأنهم معزولون عن غير المصلحة، وتقدم قريباً لأنه لا يمين على الولي إن ادعى المشتري من المحجور أن وليه أذن له في البيع ونحوه، وتقدم قريباً أيضاً أنه إذا تصرف بمحضر وليه وسكوته فإنه ماض لأن سكوته رضا بفعله، وهذا إذا كان فعله سداداً ومصلحة وإلاَّ فلا، فإن لم يكن له ولي أو كان ولم يعلم بفعله حتى رشد كان النظر إليه في الإجازة والرد ولو كان سداداً، وهذا إذا لم يغير الحال فيما باعه بزيادة أو نقصان فيما اشتراه كما لابن رشد، وانظر ما تقدم في اختلاف المتبايعين عند قوله: وعكس هذا لابن سحنون نمى الخ. وتعتبر المصلحة في رده وإمضائه يوم النظر فيه لا يوم عقده على المعتمد، وهذا في عقد المميز. وأما غيره فبيعه باطل (خ): وشرط عاقده تمييز الخ. (وفي التبرعات) الصادرة من المحجور كعتق وهبة وصدقة أو حبس (قد جرى العمل بمنعه) منها (ولا يجاز) فعله لها (إن) هو (فعل) بل يتعين على الولي ردها، فإن أجازها الولي أو سكت عنها حتى رشد وملك أمره كان النظر في الرد والإجازة ولا يخرج من ذلك إلا عتق أم ولده فإنه يمضي وكذا وصيته فإنها ماضية كما يأتي. (وظاهر السفه) ثابتة بالبينة من نعته وصفته (جاز الحلما) حال كونه (من غير حجر) عليه بل بقي مهملاً لم يول عليه (فيه) أي في جواز فعله وعدم جوازه (خلف علما) أي قولان. أحدهما. (جواز فعله) ولو بغير عوض كعتق (بأمر لازم) وهو (لمالك) وكبراء أصحابه لأنه يراعي في رد أفعاله وجود الولاية وهي مفقودة الآن. (و) ثانيهما (المنع) من جوازه ولو بعوض ووافق السداد (لابن القاسم) فيكون لمن يولي عليه بعد النظر في الرد والإجازة وإن لم يول عليه فالنظر له إن رشد وبهذا العمل كما مرّ، لأن ابن القاسم يعتبر الحال وبه تعلم أن خلاف ابن القاسم ليس خاصاً بالمهمل بل هو حتى في المولى عليه فإنه يجوز فعله إذا ظهر رشده ولو لم يطلقه وليه كما مر عند قوله: والبالغ الموصوف بالإهمال الخ. فالبيتان تكرار معه. (وبالذي) ثبت بالبينة العادلة (على صغير مهمل) لا وصي له ولا مقدم (يقضي) أي يقضي القاضي بالذي ثبت على المهمل من الحقوق ديون أو غيرها من استحقاق أصول أو غيرها بعد يميني القضاء والاستحقاق (إذا صح) الذي ثبت عليه (بموجب) بكسر الجيم (جلي) بيِّن لا مطعن فيه، ولا مفهوم لصغير بل غيره من سفيه مهمل أحرى. (وهو) أي المهمل باق (على حجته) إذا وجد براءة من الحق أو جرح ببينته فإنه ينفع (كالغائب) المتقدم في فصله (إلى بلوغه) رشيداً حال كون بقائه على الحجة ( بحكم واجب) فقوله: إلى بلوغه يتعلق بالاستقرار في الخبر الذي هو باق على حجته إلى بلوغه ورشده، كما أن الغائب باق عليها إلى قدومه وإلى بمعنى (عند) ولا مفهوم لقوله مهمل بل ذو الولي كذلك في بقائه على حجته وإليه أشار بقوله في اللامية: بتعجيز ذي الإيصاء قولان حصلا الخ. وأصحهما كما في أقضية المعيار أنه باق على حجته لأن وليه يعرف حججه التي تبطل ما أثبته القائم. (ويدفع الوصي كل ما يجب) ويثبت على محجوره بعد عجزه عن الطعن فيما يثبت عليه ( من مال من في حجره) لا من مال نفسه (مهما طلب) بذلك الدفع وحكم عليه الحاكم به ويبقى المحجور على حجته على أصح القولين كما مرّ. (ونظر الوصي في المشهور) الذي به القضاء والعمل كما في ابن سلمون عن ابن عتاب وابن القطان (منسحب على بني المحجور) وبناته تبعاً له، وظاهره كانوا موجودين وقت الإيصاء أو حدثوا بعده، وخالف ابن زرب في ذلك وقال: لا نظر للوصي على بني محجوره إلا بتقديم من القاضي قال المكناسي في آخر مجالسه: وبه العمل والقضاء، ونحوه في وثائق الغرناطي والخرشي والزرقاني عند قوله: والولي الأب الخ. فتبين أن كلاً من القولين عمل به، ولكن الذي عول عليه ناظم عمل فاس هو ما للمكناسي ومن معه فقال: ولا انسحاب الموصي على *** أولاد محجور بموت حصلا أي: بموت الوصي لا بموت المحجور، وإن كان أبو العباس المقري قال: يظهر لي أن محل القولين في انسحاب نظر الوصي على أولاد محجوره إنما هو إذا كان المحجور حياً، أما بعد موته فينبغي أن يتفق أن لا يبقى له نظر عليهم لأن النظر عليهم إنما كان بحسب التبع لأبيهم، والقاعدة أنه إن عدم المتبوع عدم التابع اه. بنقل (م) لكن بحث في شرح العمل مع المقري المذكور وقال: إنه مخالف للمنصوص فانظره فوجب حمل ما لناظم فاس على موت الموصي كما مر عن المكناسي وغيره لا على ما قال المقري إذا لم يذكر أحد أن العمل عليه مع أنه مخالف للمنصوص، وأما مقدم القاضي فالذي به العمل فيه كما في ابن سهل أنه لا نظر له على أولاد محجوره إلا بتقديم من القاضي، وأما الأب فالمنصوص عن مالك أنه ينطر لأولاد ابنه السفيه كما ينظر له ويوصي عليهم كما يوصي على ابنه السفيه كما في (ح) عند قوله: وإنما يوصى على المحجور عليه أب الخ. نقل ذلك كله شارح العمل، وعليه ففي مفهوم الوصي في النظم تفصيل، وظاهر كلام الشامل أن العمل على أنه لا نظر للولي على أولاد محجوره وصياً كان أو أباً أو مقدماً لأنه قال: وفي نظر ولي السفيه على ابنه أو لا نظر له إلا بتقديم مستأنف وبه العمل قولان اه. (ويعقد) الوصي (النكاح للإماء) اللاتي يملكهن محجوره بلا خلاف (والنص في عقد) النكاح على (البنات) أي بنات محجوره (جاء) اسم فاعل أي مروي عن مالك فيعقد على الأبكار البالغات والثيبات اللاتي لم يملكن أمر أنفسهن ورآه وصياً عليهن بكونه وصياً على أبيهن وقيل لا يكون وصياً عليهن إلا بتقديم وهو ما تقدم عن ابن زرب، وأما بناته اللاتي ملكن أمر أنفسهن فلا يعقد عليهن وكذا لا يعقد على أخوات محجوره وسائر قراباته فإن فعل مضى على ما ذهب إليه ابن الهندي قاله في المفيد. وفي وثائق ابن فتحون: أن للوصي أن يعقد على كل من كان يعقد عليه المحجور لو كان رشيداً فيدخل إماؤه وأخواته وسائر قراباته لأنه منزل في ذلك منزلة محجورة، وهذا كله في الأبكار والثيبات البالغات. (و) أما (عقده) على بنات محجوره (قبل البلوغ) فهو (جار بجعله) أي العقد ( في البكر) من بنات صلبه أي: فإذا جعل له أن يعقد على بنات صلبه من غير جبر كان له أن يعقد على بنات ذكور محاجيره من غير جبر أيضاً (كالإجبار) أي كما أنه إذا جعل له إجبار على بنات صلبه كان له أن يجبر بنات ذكور محاجيره وإن جعله وصياً وأطلق ولم يقيد بجبر ولا عدمه فعلى القول بأنه يجبر بنات صلبه فإنه يجبر بنات محجوره كذلك، وعلى القول بعدم جبر بنات صلبه فلا يجبر بنات محجوره، وهذا كله هو الملائم لقوله: منسحب على بني المحجور. وقد قال (خ): وجبره وصي أمره أب به أو عين الزوج وإلا فخلاف، وسبك كلام الناظم وعقده على بنات محجوره قبل بلوغهن جار أي جائز نافذ بسبب جعله له في أبكار بناته كما أن إجبارهن كذلك جار على جعله له في أبكار بنات صلبه، وهذا ظاهر إذا كان للموصي ذكور وإناث وجعل له الجبر وعدمه في الإناث، فإن لم يكن له إلا الذكور وأوصى عليهم فيجري في جبر بناتهم الخلاف المذكور في بنات الصلب إن أوصى عليهن وأطلق والله أعلم. (والنقل للإيصاء غير معمل) يعني أن الحاكم إذا أراد أن ينقل الإيصاء عن الوصي إلى غيره، أو أراد الوصي أن يتخلى عن الإيصاء بعد قبوله إياه وموت الموصي سواء قبل باللفظ أو بالتصرف له فإنه لا يعمل على ذلك (إلا لعذر) كاختلال عقل الوصي أو طرو فسقه أو سفره سفراً بعيداً (أو حلول أجل) موته فإن للحاكم أن ينقل الإيصاء حينئذ مع العذر المذكور، وللوصي أن يوصي به إلى غيره عند وفاته أو سفره سفر انقطاع أو بعيداً، وهذا إذا أراد أن يعزل نفسه بعد موت الموصي وقبوله الإيصاء كما قررنا، وأما في حياة الموصي فله أن يعزل نفسه (خ): وله عزل نفسه في حياة الموصي ولو قبل لا بعدهما أي بعد القبول وموت الموصي أي قبل ثم مات الموصي أو مات ثم قبل، وهذا هو المشهور خلافاً لما في الطرر عن ابن زرب من أنه إذا قبل في حياة الموصي فلا يقبل منه عزل نفسه إلا لعذر، وإن قبل بعد موته فللقاضي أن يعفيه لغير عذر الخ فإنه مقابل لا يعول عليه، والمراد بالعذر في كلام الناظم العذر الشديد الذي تنتفي معه قدرة الموصي على القيام بمصالح المحجور بالكلية لا العذر الذي يشق معه القيام قاله في الطرر ونقله شارح العمل عند قوله: ولا انحلال لوصي التزم *** إلا لعذر بين لما التزم هذا البيت غير ضروري الذكر لأن ما قبله يغني عنه كما قررنا، وقوله: إن قبل أي باللفظ أو بما يدل عليه كالتصرف بالبيع وقبض الدين ونحوهما، وسواء قبل في حياة الموصي واستمر عليه إلى أن مات الموصي أو قبل موته، وأما إن قبل في حياة الموصي ولم يستمر عليه بل رجع عنه فإن له ذلك وإن لم يقله الموصي كما مر عن (خ) خلافاً لما في المفيد من أنه إذا قاله الموصي جازت إقالته وإلا لزمه النظر اه. (ولا رجوع) للوصي إلى قبول الإيصاء (إن) كان قد (أبى تقدمه) أي قبوله إياه (من بعد أن مات الذي قد قدمه) (خ): وإن أبى القبول بعد الموت فلا قبول له بعده أي: لأن إبايته صيرته أجنبياً فقبوله بعد إبايته يحتاج لاستئناف إيصاء وهو مفقود بفقد محله، ولا مفهوم للظرف بل كذلك إن أبى القبول قبل موت الموصي، ثم أراد أن يقبل بعد موته فيما يظهر بدليل التعليل المتقدم، وهذا على أن من بعد يتعلق بأبى، ويحتمل أن يتعلق بقوله: ولا رجوع أي لا رجوع له لقبول الإيصاء بعد موت الموصي إن كانت سبقت منه إباية في حياة الموصي أو بعد موته. أي: فلا يوكل غيره على أمور محجوره ولا يوصى عليه عند حضور وفاته بخلاف الوصي، فله أن يوكل ويوصي، وما ذكره الناظم هو المشهور كما مر في الوكالة وتقدم هناك أن الذي به العمل جواز توكيله ولا زال العمل على ذلك إلى الآن. تنبيه: كل من الوصي والمقدم إذا وكلا غيرهما ليس لهما أن يجعلا الإقرار للوكيل كما أنهما ليس لهما الإقرار على المحجور، وقد وقعت نازلة في هذا الأوان وهي أن رجلاً ادعى على وصي أو مقدم أن أبا محاجيره كان تولى قبض متروك والده بوكالة منه وزمم له زمامات تركة أبيه أحدها باسكندرية وآخر بالجزائر وآخر بفاس وحاز الزمامات الثلاث وطلب الآن منه إحضار الزمامات المدعي بها على أبي محاجيره وإعمال الحساب فيها، أو الجواب بما يظهر له حضر وصي المحاجير أو مقدمهم، وأجاب: بأن أبا محاجيره كان وكيلاً للمدعي المذكور وقبض ما وجب من متروك والده بالزمامات الثلاث المذكورة، وإن أراد الحساب يعطيه إياه والنظر للشرع المطاع عرفاً قدره الخ. وتقيد عقبه بعدل واحد ما نصه بعدما طلب المدعي أعلاه من المجيب إحضار زمام تركة الجزائر، وزعم المجيب المذكور أن الزمام المذكور تلف له وطولب بإحضاره حضر أحمد بن عبد الله وأشهد أنه ضمن عنه ما يجب عليه شرعاً في إحضار الزمام المذكور ضماناً لازماً برضا المضمون له عرفاً قدره الخ. وقد كان القاضي سدده الله سجن الوصي المذكور حتى يحضر الزمام المذكور وطال سجنه، وسئلت عن ذلك فأجبت بأن نائب المحاجير من وصي ومقدم ووكيل لا يؤمر واحد منهم بجواب المدعي على موروثهم إذ من شرط صحة الدعوى التي يكلف المطلوب بجوابها أن تكون بحيث لو أقر بها المطلوب لزمه إقراره احترازاً من الدعوى على المحجور أو موروثه، فإن المحجور ونائبه لا يكلف واحد منهما بجوابها إذ إقرارهما بها لا يفيد كما في التبصرة و(ح) وشراح اللامية، وقد قال (خ): يؤاخذ المكلف بلا حجر بإقراره لأهل ونائب المحجور كالمحجور فكما لا يؤاخذ المحجور بإقراره كذلك لا يؤاخذ نائبه فتكليف نائب المحجور بالجواب خطأ ممن فعله، وكذا أخذ الضامن منه، ولذا قال ابن عرضون وغيره: ولتحذر أبداً أن تبيح للوكيل المذكور الإقرار إذ ذاك لا يلزم المحجور وإن وكل الأب أو الوصي عن نفسه وعن محجوره. قلت: وكل فلان فلاناً عن نفسه وعن محجوره لينوب عنه في المحاكمة والمخاصمة والإقرار والإنكار في حق نفسه وعلى الإنكار دون الإقرار في حق محجوره اه. وقال في المتيطية: إن قام الطالب بدين على ميت فإن القاضي يأمره أن يثبت موت المطلوب وعدة ورثته من أجل ما يحتاج من الإعذار إليهم إن كانوا مالكين أمر أنفسهم، وإن كانوا صغاراً وجعل عليهم وصي كلفه القاضي إثبات الإيصاء وقبول الوصي بالشهادة على عينه والإعذار فيها إليه بما ثبت عنده من ذلك وإثبات صغار الورثة، فإذا أثبت الطالب جميع ذلك كانت الخصومة بينه وبين الوصي أو المالك أمر نفسه أن الوصي لا يكلف جواباً لأن إقراره لا يعمل، وإنما يقال للمدعي أُثبت ما تدعيه على المحجور فإن أثبته مكن الوصي من الطعن فيه فإن عجز عن الطعن حكم على الميت بالدين بعد يمين القضاء اه. وقال في نظم عمل أهل فاس في باب الوصايا منه: وما من الدين به الوصي قد *** أقر في تركة الميت فسد فهذه النصوص كلها صريحة في أن نائب المحجور لا يؤمر بالجواب، وأن جوابه بأن موروثهم قد قبض جميع ما وجب له غير لازم للمحاجير ولا إشكال، وكذا لا يلزمه هو لأنه لم يقر على نفسه بشيء، وإنما أقر عن الغير وقد قال ابن عرفة في حد الإقرار: هو خبر يوجب حكم صدقه على قائله فقط الخ. فخرج بقوله على قائله كما للرصاع الشهادة إذ الخبر إن أوجب حكمه على غيره هو الشهادة والوصي أو المقدم أو الوكيل إذا شهد على منوبه بشيء وكان عدلاً واستمر عليها ولم يرجع عنها جازت شهادته، وإلاَّ فلا. ونحوه في المدونة ونقله (ح) وغيره عند قوله في الشهادات: ولا من شهد له بكثير ولغيره بوصية الخ. هذا كله لو كان المدعي به معروف القدر والجنس وأما حيث كانت الدعوى في الزمامات من غير بيان قدر ما فيها ولا جنسه ولا صفته فلا يكلف المطلوب بجوابها، ولو كان غير محجور فضلاً عن كونه محجوراً أو نائباً عنه لكونها من الدعوى بالمجهول ففي الجواهر لو قال: لي عليك شيء لم تسمع دعواه لأنها مجهولة، والحكم بالمجهول متعذر إذ ليس بعضه أولى من بعض اه. فقوله في المقال قبض له متروك والده مجهول القدر والجنس كقوله: قبض له أشياء من متروك والده ولا يدري ما هي تلك الأشياء هل هي من ذوات القيم أو ذوات الأمثال ولا يدري عددها ولا وزنها. وقد قال ابن سهل: فإن كانت الدعوى في شيء في الذمة بين قدره أو في شيء من ذوات الأمثال بين الكيل والوزن والعدد أو فيما تضبطه الصفة فلا بد من بيان القيمة اه. وهو معنى قول اللامية: لكن إن كان مجملاً كلام يبين الخ. وهو معنى قول (خ) فيدعي بمعلوم محقق الخ. وإذا كان البالغ الرشيد لا يجب عليه أن يجيب عن الدعوى بالمجهول لأنه لو أقر وقال: نعم له علي ما يدعيه وأنكر وقامت البينة بذلك لم يحكم عليه بذلك الإقرار ولا بتلك البينة إذ الكل مجهول والحكم به متعذر كما مر، فكيف يقضى به على المحجور أو نائبه ويلزم بضامن فيه، وأما قوله بالعدل الواحد أن الزمام قد تلف له فقد ساقه هذا العدل مساق الحكاية فلا يفيد، نعم استفسر عنه وقال: إنه أقر عندي بذلك أو أشهدني به فإنه حينئذ يسأل الوصي أو المقدم عن ذلك، فإن قال: إنه تلف بعد وجوده في تركة أبي محاجيره وقبل دخوله ليده أو بعد دخوله، ولكن بغير سببه ولا تفريطه فهو مصدق إذ الأصل عدم العداء وهو حينئذ مقر عن الغير إذ لا يضمن ما فيه حينئذ لعدم تسببه في تلفه ويجري حكمه على ما مر من كونه مقراً أو شاهداً، وإن قال: تلف بسببه فهو ضامن لما فيه لقول (خ) في الزكاة عاطفاً على ما فيه الضمان أو بإمساك وثيقة أو تقطيعها ولكن يصدق بقدر ما فيه بيمينه حيث لم تقم عليه بينة بذلك لقوله أيضاً في الغصب والقول له أي للغاصب في قدره وتلفه وبالله التوفيق. (كذاك لا يجوز) للمقدم من قول القاضي (أن ينعزلا) أي يعزل نفسه أو يعزله القاضي عن التقديم (إلا لعذر بين) من طرو فسق أو اختلال عقل كما مر (إن) كان ( قبلا) فإن كان لم يقبل فلا إشكال في أن له أن لا يقبل. (و) شخص (صالح) في دينه لا يشرب ولا يفسق (ليس يجيد) أي لا يحسن (النظر في المال) الذي بيده (إن خيف الضياع) على ماله لكونه لا يحسن إمساكه بل يبذره لكونه لا يعده شيئاً أو لكونه يخدع في تصرفاته مما لا يتغابن الناس بمثله (حجرا) عليه أي ولى الحاكم عليه من يتصرف له ويحفظ ماله وأحرى أن لا يطلق من الحجر إذا كان مولى عليه، وهذا البيت مستغنى عنه بقوله أول الباب الرشد حفظ المال الخ. إذ مفهومه أنه إذا لم يكن حافظاً لماله لم يكن رشيداً ووجب تحجيره وإن كان صالحاً في دينه. (و) شخص (شارب الخمر) فاسق في دينه (إذا ما) زائدة (ثمرا) أي أحسن النظر والتنمية (لما يلي من ماله لن يحجرا) عليه لأن التحجير إنما هو لضبط المال لا لفساد الأموال لأن فساد أموال الرجل لا تعدوه إلى غيره، وإذا بذر ماله وأتلفه صار عالة على المسلمين ورجعت نفقته إلى بيت مالهم فوصل ضرره بتبذيره إلى جميع المسلمين، فلهذا وجب تحجيره قاله في المتيطية. وهذا البيت مستغنى عنه أيضاً بمنطوق قوله: الرشد حفظ المال مع حسن النظر فيه الخ. إذ لا يشترط صلاح الدين على المشهور المعمول به خلافاً للمدنيين من اشتراط صلاح الدين أيضاً كما مر. (وللوصي جائز أن يتجرا) بأموال اليتامى على أن الربح لهم والخسارة عليهم (خ): وله دفع ماله قراضاً أو بضاعة ولا يعمل هو به الخ. وإنما لم يجز أن يعمل هو به مخافة أن يحابي نفسه فإن عمل به بنفسه بقراض مثله جاز ولم يكن عليه فيه ضمان إن تلف وكان الربح بينهما على ما شرط، وإن خسر لم يضمن وإن عمل به يجزء أكثر من قراض مثله فإنه يرد إلى جزء قراض مثله فإن خسر أو تلف فاختلف هل يضمن أم لا؟ والمعتمد عدم الضمان قاله ابن رشد، وظاهره أن له أن يدفعه قراضاً وبضاعة ولو براً وبحراً وهو كذلك مع الأمن كما يفيده قوله: (لكنه يضمن مهما غررا) في تجره هو به في وقت فتنة وبلد خوف لا تنالها الأحكام أو يدفعه لغير أمين يتجر به، أو لمن يسافر به في البحر في وقت هوله، أو يسلك به في طريق مخوف ونحو ذلك وأشعر قوله: وللوصي جائز أن يتجرا الخ. أنه لا يجب عليه ذلك وهو كذلك إذ لا يجب عليه تنمية مال محجوره على المشهور، وقول عائشة رضي الله عنها: اتجروا بأموال اليتامى لئلا تأكلها الزكاة الخ. محمول على الندب كما لابن رشد، ولا مفهوم لقوله؛ أن يتجرا بل كذلك له أن يشتري لهم الرقيق والغنم للغلة ويبيع عليهم ولا يحتاج في ذلك إلى إثبات سداد كما تقدم عند قوله: وجاز للوصي فيمن حجرا الخ. لكن هذا كله على أن أموال اليتامى تبقى بيد الأوصياء على وجه الوديعة ولا تدخل في ذمتهم، وأما على ما به العمل من إدخالها في ذمتهم كما تقدم عند قوله: ويجعل القاضي بكل حال الخ. فإن الوصي ونحوه إذا اتجر بها فإن الربح له والخسارة عليه بل لو بقيت بيده على وجه الإيداع ولم تدخل في ذمته واتجر بها لنفسه لا لهم لكان الربح له والخسارة عليه كما مرَّ عند قوله في الوديعة: واتجر بالمودع من أعمله الخ. تنبيهات: الأول: لو قال الموصي: قبضت القراضات أو الديون ممن هي عليه فذلك براءة للغرماء، وكذا الوكيل المفوض إليه بخلاف الوكيل المخصوص فإن ذلك لا يكون براءة إلا ببينة على الدافع، ولو قال الوصي أو المفوض إليه: قبضت وتلف مني صدق أيضاً وكان براءة لهم فإن ادعى الغرماء أنهم دفعوا للوصي الدين أو القراض وأنكر ذلك حلف وإن نكل ضمن وإن قضى الوصي غرماء الميت بغير بينة فأنكر وأضمن قاله في المدونة. وإذا دفع ديناً على الميت بلا يمين القضاء فإنه ضامن قاله (م) في شرح اللامية عند قوله: يمين قضاء ذي وتلزم مطلقاً الخ. وتقدم في باب الصلح أن للوصي أن يصالح عن محجوره ولو في يمين القضاء إذا رأى غريمه الخصم عليها ونقله (ح) في الصلح والبرزلي في الوكالة. الثاني: ذكر أبو الحسن عن ابن زرب أنه سئل عن الوصي يقول: دفعت عن اليتيم العشر والمغارم والجعائل لأهل الشرطة ونائب العمل فقال: إن كان ذلك معروفاً بالبلد وادعى ما يشبه أن يؤخذ به عنه صدق اه. وتأمله مع ما في وصايا المعيار من أن الوصي إذا زعم أنه كان يخرج زكاة يتيمه في حال صغره وخالفه اليتيم في ذلك فإن الوصي لا يصدق حتى يثبت ذلك اه. ومثله في نوازل السجستاني وفي (ح) عند قول (خ): وإخراج فطرته وزكاته الخ. أن الوصي إذا لم يشهد على إخراج زكاته يصدق إن كان مأموناً قال: وانظر إذا لم يكن مأموناً هل يلزمه غرم المال أو يحلف لم أر فيه نصاً اه. قلت: والظاهر أن ما في وصايا المعيار إنما هو إذا لم يكن مأموناً وهو الموافق لما تقدم عن اللخمي وابن عطية عند قوله: ويكتفي الوصي بالإشهاد الخ. من قلة أمانة أوصياء الزمان، وتقدم أيضاً أن ذلك هو الموجب لإدخال مال المحاجير في ذمتهم، وعليه فإذا أخذ نائب الشرطة الوصي بمال المحجور فهل يغرمه الوصي للمحجور بناء على أن ما في الذمة يتعين أو لا يغرمه بناء على أنه لا يتعين؟ وعلى الأول اقتصر ناظم العمل حيث قال: وما من الدين لها رب دفع *** لغاصب غريمه لم يتبع وفي وصايا المعيار أن المحجور إذا جنى جناية فأخذ وصيه في جنايته فإن ثبت أن الوصي أخذ بسبب محجوره وأنه امتنع حتى أكره بالتهديد فإنه يكون ما التزمه من المال متعلقاً بمال المحجور، وأما القريب إذا أخذ بجناية قريبه فقد بينا حكمه في أسئلة محيي الدين. الثالث: على القاضي أن يفرض للوصي أجرة على نظره بقدر شغله بالنظر في مال اليتيم من تصرف في غلات أصوله وشراء نفقته إذا طلب الوصي أو المقدم ذلك فإن تورعا عن ذلك فهو خير لهما وللوصي والكافل والحاضن والمقدم أن يؤاجروا محجورهم صبياً كان أو سفيهاً ويجوز دفع الأجرة له ما لم يكن لها بال ويكون الدفع بمعاينة الشهود قاله في المتيطية. وانظر ابن سلمون وأوائل الإجارة من شرح الشامل. الرابع: قال في المدونة: ويصدق الوصي في الإنفاق على اليتيم إن كان في حجره ما لم يأت بسرف وإن ولي النفقة عليهم غيرهم ممن يحضنهم من أم أو غيرها لم يصدق في دفع النفقة إلى من يليهم إلا ببينة اه. فقولها في الإنفاق أي في أصله وقدره والحاضن والمقدم والكافل مثل الوصي في ذلك، وظاهر قولها لم يصدق في دفع النفقة الخ. أنه لا يصدق ولو علم فقر الحاضن من أم ونحوها، وللخمي في ذلك تفصيل (خ) والقول له في قدر النفقة الخ. الخامس: قال مالك في رجل أوصى لزوجته فتزوجت فخيف على المال فإنها تكشف عما قبلها اه. وفي الطرر: إذا علم أنها صالحة الحال وافرة المال ظاهرة السداد حسنة النظر أقرت بعد أن يحصى المال عندها بالإشهاد عليه فإن جهل حالها شورك في النظر معها غيرها ويكون المال عنده ولا يترك عندها ولا تعزل عن الإيصاء إلا أن يثبت ما يوجبه، ولابن رشد إن جهل حالها جعل القاضي عليها مشرفاً اه. وهو الذي اقتصر عليه الزرقاني عند قوله: وطرو الفسق يعزله، وفي ابن سلمون إذا قام قريب المحجور يريد كشف وصيه عما بيده لم يكن له ذلك إلا أن يكون الوصي لا مال له أو يكون عليه ديون فإن القاضي ينظر في ذلك حينئذ. أنظر بقيته فيه وانظر المعيار في الوصايا. (وعندما يأنس) يبصر الولي أباً كان أو غيره والظرف مضمن معنى الشرط معمول لجوابه وما مصدرية (رشد) مفعول به (من) مضاف إليه واقع على المحجور (حجر) صلة من والتقدير وعند إيناس الولي رشد محجوره (يطلقه) أي يجب عليه أن يطلقه من ثقاف الحجر (وماله) مفعول بقوله. (له يذر) أي يترك له ماله ويدفعه إليه لقوله تعالى: {فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم} إلى قوله: فأشهدوا عليهم} (النساء: 6) أي لئلا تغرموا لأن القول للمحجور في عدم الدفع على المشهور. (وحيث) علم الولي رشده ووجب عليه إطلاقه ودفع ماله إليه و(لم يفعل فقد تصدى) أي تهيأ (أن يضمن المال) إذا تلف سواء تلف ببينة أو بغيرها كان مما يغاب عليه أم لا. (لأن تعدى) أي لأنه قد تعدى بعدم إطلاقه ودفع ماله إليه فهو كغاصب حينئذ والغاصب يضمن مطلقاً، وظاهره لا فرق بين أن يعلم الوصي وحده برشده ولم تقم بينة به أو لم يعلمه وقامت به بينة لم يجد مطعناً فيها فإنه يضمن في ذلك كله، وهذا ظاهر على ما درج عليه الناظم في قوله: ويكتفي الوصي بالإشهاد الخ. وأما على ما تقدم هناك عن اللخمي وابن عطية من عدم قبول قوله في ترشيده فإنه لا ضمان عليه فيما إذا علم هو فقط، وإنما يضمن مع بينة الرشد. وهي كما لابن عرفة عقد يوجب حقاً في ثلث عاقده يلزم بموته أو نيابة عنه بعده فقوله: يوجب حقاً الخ. أخرج به ما يوجب حقاً في رأس ماله مما عقده على نفسه من دين ونحوه ولو بإقرار في صحته أو مرضه لمن لا يتهم عليه أو هبة ونحوها في صحته لا في مرضه، فإنها في ثلثه. وقوله: يلزم بموته أخرج به المرأة إذا وهبت أو التزمت ثلث مالها ولها زوج، أو من التزم ثلث ماله لشخص فإنه يلزم بعقده لا بموته، وكذا يخرج به التدبير أيضاً لأنه يلزم بعقده، وقوله: أو نيابة عنه بعده عطف على حقاً، والتقدير أو يوجب نيابة عن عاقده بعد موته فيدخل الإيصاء بالنظر الذي تضمنه الكلام على الأوصياء في الباب قبله. (وما يجري مجراها): من عدم محاسبة الأولاد بما أنفقة الأب عليهم إذا أوصى بذلك أو كان مالهم عيناً،. وهي أي الوصية بالمال مندوبة من خصائص هذه الأمة تكثيراً للزاد وأهبة للمعاد، وفي صحيح مسلم: (ما من حق امرىء مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إل ووصيته مكتوبة عند رأسه) اه. أي: ليس من حقه أن يبيت ليلتين دون أن يكتب وصيته وقد تجب كدين لا يتوصل له إلا بها وتحرم بمحرم كنياحه وتكره بمكروه كوصية بإطعام كافر من أضحيته المذبوحة في حياته، أو يوصي بجز صوفها قبل الذبح ثم تذبح وتباح بمباح كبيع كذا وتنفيذ الواجب والمندوب واجب وغيرهما حكمه حكم أصله. (في ثلث المال فأدنى) كالربع والخمس، وقد استحب بعض العلماء أن لا تبلغ الثلث لقوله (صلى الله عليه وسلم): (والثلث كثير). (في المرض) الذي مات منه (أو صحة وصية) مبتدأ (لا تعترض) خبره وفي ثلث الخ. يتعلق به، والتقدير: والوصية لا تعترض في ثلث المال فأدنى سواء كانت في المرض أو في الصحة بل هي صحيحة. (حتى من السفيه والصغير) بشرط وهو (إن عقل القربة في الأمور) فإن لم يعقل القربة فلا تصح وصيته، وأما إصابته وجه الوصية بأن لا يكون فيها تناقض ولا تخليط فإنه شرط في صحة كل وصية كانت من صغير أو غيره كما يشترط أن يكون الموصى له غير وارث وإلاَّ بطلب كما يأتي في قوله: وامتنعت لوارث الخ. وظاهره أن الوصية بالثلث فدون نافذة، ولو قصد الموصي بها الضرر بالورثة وهو كذلك على الصحيح، وبه الحكم كما في ابن ناجي على المدونة. (والعبد لا تصح) الوصية (منه مطلقا) كان خالص الرق أو ذا شائبة، وكذا لا تصح من المجنون إلا أن يوصي حال إفاقته التي يعقل فيها ما يوصي به فإن شهدوا بأنه أوصى حالة إفاقته وشهد آخرون أنه كان ذاهب العقل فشهادة الإفاقة أولى. (وهي من الكافر ليست تتقى) بل تمضي وإن لمسلم إلا بكخمر (خ) صح إيصاء حر مميز وإن سفيهاً وصغيراً وكافراً إلا بكخمر لمسلم. ولها أركان: أولها: الموصي وقد تقدم، وثانيها: الموصى له وإليه أشار بقوله: (وهي) تصح (لمن تملك منه يصح) حقيقة كآدمي أو حكماً كقنطرة ومسجد بل تصح أيض (حتى لحمل واضح) أي ظاهر (أو لم يضح) أي لم يظهر كقوله: أوصيت لمن سيوجد من ولد فلان أو فلانة أو لمن يولدهما (خ) صح إيصاء لمن يصح تملكه كمن سيكون إن استهل. (لكنها تبطل إن لم يستهل) صارخاً ولا تحققت حياته بكثرة رضاع ونحوها لأن الميت لا يملك (وللعبيد) ولو (دون إذن) من السيد في قبولها (تستقل) وتصح وتكون للعبد حتى ينتزعها منه السيد (خ) ولم يحتج رق لإذن في قبول كإيصائه بعتقه الخ. أي بل يقبلها وإن بغير إذن سيده وتنفذ وصيته بالعتق وإن لم يقبل، وإذا بطلت حيث لم يستهل فترجع ميراثاً ثم إذا أوصى لمن سيوجد من ولد فلان فإنه يختص بها ما يتكون من حمل زوجته أو أمته ولا يدخل الحمل الموجود إلا أن يعلم أنه قصد دخوله بقرينة خارجة عن اللفظ فإن قال: أوصيت لمن يولد له فالظاهر شمول اللفظ للحمل الموجود بوقت الإيصاء، وأما لو قال: أوصيت لولده والحال أنه لا ولد له حين الوصية ولا حمل فلا يخلو فإما أن يعلم الموصى بذلك أم لا. فإن لم يعلم فالوصية باطلة كما في الزرقاني، وإن تنازعا في العلم وعدمه فالقول للورثة كما في (ح) وإن علم فهي صحيحة وتكون لكل من يولد له، وإذا صحت في هذه الصور وولد له ولد واستهل فيكون جميع الوصية بيده على معنى الانتفاع على الراجح وكل من ولد بعد ذلك يدخل فيها والذكر والأنثى في ذلك سواء إلا أن ينص على التفضيل، ومن مات منهم لم يمكن ورثته من الدخول في حقه حتى ينقرضوا جيمعاً ثم يكون لورثتهم أجمعين، وإذا أخذ المال من وجد من الأولاد فإنه يشتري به أصل لتبقى عينه وينتفع بغلته، وقيل يتجر له بذلك المال ثم كذلك كلما ولد ولد يتجر له مع الأول، ومن بلغ التجر تجر لنفسه فإن خسر فيه أو ضاع منه شيء في حين التجر للصغير لم يضمن لأن الصغير لا تعمر ذمته بذلك وقد رضي الموصى بالوصية له على ما توجبه الأحكام في الضمان وإن بلغ وتجر لنفسه فإن خسر فيه أو ضاع منه شيء ضمن الخسارة والتلف قاله الرجراجي واختلف إذا قال: أوصيت لولد فلان والحال أن له ولداً موجوداً وحملاً ثابتاً هل يختص بها الموجود من الحمل والولد أو تعم الموجود ومن لم يوجد وهو الراجح كما في تكميل المنهج قال: ........................*** والخلف في ولده ولم يزد هل يدخل الوجود قط أو يشتمل *** جميعهم وذا ارتضى إذ ينتقل خلافاً لما في الزرقاني، وعليه فيجري على حكم الأقسام قبله في التجر وغيره، وأما إن قال: أوصيت لأولاد فلان وهم عشرة مثلاً ولا ترجى لفلان ولادة بعد، فإن من مات منهم قبل القسم فورثته يقومون مقامه سواء سماهم أو عينهم بإشارة كهؤلاء النفر أو لم يسمهم ولم يعينهم بإشارة ولا غيرها اتفاقاً في الأول وعلى المشهور في الثاني، وكذا إذا كان له أولاد وترجى له ولادة فإنه إذا سماهم أو عينهم بإشارة فإن الوصية مقصورة عليهم، ومن مات منهم فوارثه قائم مقامه ولم يدخل معهم من يوجد بعد وإن لم يسمهم ولا عينهم بإشارة فتقدم أن الراجح دخول من يوجد بعد. تنبيهات: الأول: مسألة التنزيل وهي أن ينزل الإنسان أولاد ولده الميت منزلة أبيهم جارية مجرى الوصية وتقسم بين المنزلين للذكر مثل حظ الأثنين، كما أفتى به أبو عبد الله المنصوري والشيخ (ت) وغيرهما. الثاني: اختلف في الغلة الحاصلة قبل الوضع والاستهلال هل هي لورثة الموصي لأن الموصى له لا يكمل إلا بعد استهلاله وتحقق الحياة فيه أو هي للموصى له أو لورثته إلى أن يستهل فتوقف إلى وضعه والمعتمد الأول قال ناظم العمل: وغلة قبل وجود الموصى *** له لوارث أنل تخصيصا الثالث: إذا تعلقت الوصية بمن يولد له مستقبلاً ومات قبل أن يولد له أو أيس من ولادته رجعت الوصية ميراثاً، وكذا إذا مات الموصى له قبل موت الموصي وهو معنى قوله: على ما يوجد في بعض النسخ. وظاهره أنه لا شيء له إذا مات قبل موت الموصي ولو كان قبلها وهو كذلك ثم أشار إلى الركن الثالث وهو الموصى به فقال: (وهي) تصح (بما يملك) أي بكل ما يصح ملكه وإن مجهولاً (حتى الثمر) الموجود في رؤوس الشجر أو قبل وجودها كغلة هذا العام (والدين) ولو على غائب أو معدم ( والحمل) الظاهر في جاريته أو ناقته بل (وإن لم يظهر) كقوله: ما تلده أمتي أو ناقتي في هذه السنة أو إلى عشر سنين فهو لفلان وتصح أيضاً بآبق وبعير شارد ولا تصح بما لا يملك كخمر وخنزير. تنبيهان: الأول: قبول الوصية شرط في لزومها (خ): وقبول المعين شرط بعد الموت فالملك له بالموت وقوم بغلة حصلت بعده أي بعد الموت وقبل القبول ويكون له ما حمله الثلث من ذلك، فإذا أوصى له بحائط يساوي ألفاً وهي ثلث الميت وحصل فيه بعد الموت وقبل القبول غلة تساوي مائتين فإنه يكون له خمسة أسداس الحائط وثلث سدسه كما في طفي. قلت: وهذا في الوصية، وأما ما بتله المريض من حبس أو صدقة أو نحوهما، فهو وإن كان يجري على حكم الوصية في كونه يصح في الثلث أو فيما حمل منه لكن الغلة إذا حدثت بعد التبتيل فإنها تكون للمعطى له حيث حمل الثلث قاله أبو الحسن في كتاب الحبس. قال: والفرق أن له الرجوع في الوصية ولا رجوع له في التبتيل قال: فلا يخلو إما أن يلفظ بلفظ البتل أو بلفظ الوصية أو بلفظ يصلح لهما، فإن لفظ بالبتل كان بتلاً، وبالوصية كان وصية، وبالمحتمل ينظر للقرائن فإن لم تكن قرينة فإن كان في الصحة حمل على البتل لأنه الغالب في الصحيح، وإن كان في المرض حمل على الوصية لأنه الغالب فيه اه. الثاني: إذا مات الموصى له في حياة الموصي بطلت الوصية كما مر، وإن مات بعده من قبل العلم بالوصية أو علم ولم يقبل كان ورثته مكانه قاله اللخمي ونحوه في المدونة. ابن رحال: وهذا هو الراجح وأن الوارث يتنزل منزلة الموصى له علم بذلك أم لا. قبل ذلك الموصى له قبل موته أم لا. فإذا قبل بعضهم ورد البعض الآخر فحظ من رد ولم يقبل يرجع ميراثاً، وإذا رد الموصى له الوصية في حياة الموصي فله قبولها بعد موته كما لابن الحاج عن مالك قائلاً: لأنه ردها في وقت لم تجب له لأنها إنما تجب بالموت. (وامتنعت لوارث) لقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) (إلا متى إنفاذ باقي الوارثين ثبتا) أي إلا أن يجيزها بقية الورثة فهو ابتداء عطية منهم على المشهور فتفتقر للحوز بمعاينة البينة كسائر العطايا، وقد تقدم في الحبس أن الحوز أقوى في الدلالة على القبول فلا وجه لاعتراض الشيخ الرهوني على مصطفى بأن القبول العاري عن الحوز والقبض لا أثر له، فإن لم تحز حتى حصل المانع من استحداث دين ونحوه بطلت ولو كان قد قبلها لأن الدين الحادث للمجيز من موانع الحيازة. (خ): وبطلت إن تأخر لدين محيط، وقوله في التوضيح: إذا أجاز الوارث الوصية ولا دين عليه ولم يقبل ذلك الموصى له حتى استدان الوارث أو مات الخ. صوابه ولم يقبض من القبض الذي هو الحوز كما في نقل (ح) والمتيطي وكما في مصطفى وشارح العمل، واعتراض الرهوني على مصطفى ساقط لا وجه له كما مر. تنبيهان: الأول: ظاهر النظم أن إجازة الوارث لازمة له ولو أجاز في مرض الموصي الذي مات منه وهو كذلك لكن بشروط أشار لها (خ) بقوله: ولزوم إجازة الوارث بمرض لم يصح بعده إلا لتبين عذر ككونه في نفقته الخ. الثاني: قال الباجي: تجوز الوصية لابن وارثه أو لأحد من قرابته ممن يظن أنه يردها للوارث. روى ذلك يحيى عن ابن القاسم وقاله مالك في المجموعة، ووجهه أنه وصية لغير وارث وما يظن به من صرف ذلك للوارث لا يمنع الوصية لأن مقتضى ملكه لمن أوصى له به أنه يعطيه لمن شاء، فإن قصد ذلك الموصي فهو آثم قال: ولا يمين على الموصى له أن الوصية على وجه التوليج لأنها يمين تهمة فيما لا يمكن الاحتراز منه ولا المنع ثم قال: وإذا صرفه الموصى له إلى الوارث جاز ذلك وكان للوارث أخذه أو تركه اه. وما ذكره من عدم اليمين نحوه في ابن سلمون عن أصبغ، لكن قال ابن رشد: هو جار على الخلاف في يمين التهمة يعني: والمشهور توجيهها. قال: وإن قطع الوارث بأن ذلك كان توليجاً ووجه الدعوى بذلك فاليمين واجبة باتفاق اه. ونقل (م) عن أوائل وصايا المعيار إنه إذا اتهم أن يكون اتفق مع الموصى له أن يردها على الوارث وأن ذلك تحيل على الوصية للوارث فإن الموصى له يحلف للتهمة المذكورة، فإن لم يحلف لم يعط الوصية اه. فهو جار على توجه يمين التهمة. وفي المنتخب وصيته لأم ولده ومعها ولد جائزة ولا ترد الوصايا بالمظنة إذ الأمة غير وارثة، وفيه أن الزوجة لا توصي لأم ولد زوجها إلا باليسير قال: وأما لأقارب زوجها كأبويه وصديقه الملاطف وكل ما يخشى أن يكون أرادت أن يرد ذلك على زوجها فهو ماض، ولو كان الإيصاء بالمهر الذي على زوجها اه. وهذا كله إذا لم يثبت أنه أراد صرفها لبعض الورثة. قال في المعيار عن ابن لب: إن قامت شهادة في العهد بالثلث أنه كان من المعاهد على وجه الصرف على بعض الورثة دون بعض فسد العهد وصار المعهود به ميراثاً، والشهادة تكون بالسماع أي الفاشي أو باشتراط من العاهد أو باعتراف المعهود له بذلك وإن لم تقم بينة بذلك حلف المعهود له أن العهد لم يكن من العاهد على وجه الصرف وكان له ملكاً اه. (وللذي أوصى) في صحة أو مرض بعتق أو غيره (ارتجاع ما يرى) من وصيته كلها أو بعضها أو تغيرها لأنها لا تلزم إلا بالموت كما مر (من غير ما بتل) في مرضه من صدقة وعتق وأحرى في صحته (أو ما دبرا) فيهما أيضاً فإنه لا رجوع فيما بتل أو دبر. قال في المعونة: الوصية في الصحة والمرض سواء لأنها تنفذ بعد الموت وليست بلازمة وله الرجوع فيها متى شاء إلا التدبير فلا رجوع فيه لأنه إيجاب في الحياة، وإن كان له حكم الوصية من بعض الوجوه وهو خروجه من الثلث، وكذلك العتق المبتل في المرض اه. والصدقة ونحوها في المرض مثل العتق فيه فإنها تخرج من الثلث إن مات منه ولا رجوع له فيها. انظر ما تقدم في التدبير، وظاهر قوله: ارتجاع ما يرى الخ. سواء كان الارتجاع في الصحة أو في المرض كان بالقول كرجعت عنها أو أبطلتها أو لا تنفذوها أو بالفعل كبيعها أو عتقها (خ): وبطلت برجوع فيها وإن بمرض بقول أو بيع أو عتق وكتابة وإيلاد الخ. تنبيه: ظاهر النظم أن له أن يرجع وإن التزم فيها عدم الرجوع وهو أحد قولين، وذكر ابن ناجي في الرهون وكتاب التخيير والتمليك أن به العمل، وصرح بعضهم بمشهوريته والقول الآخر إنه لا رجوع له. قال ابن عرفة: إنه الأصح، وقال (ح) في التزاماته: أنه الراجح، وذكر القوري عن العبدوسي أن به العمل والقضاء وهو الأقوى من جهة النقل إذ به أفتى أكثر الشيوخ، وقد علمت أن عمل فاس لا يتبع عمل تونس، وإنما يتبع عمل الأندلس كما مر، وعليه فلا وجه لما ذكر ناظم عمل فاس من جريان العمل بالصلح فيها حيث قال: والصلح في الوصية التي التزم *** أنه لا يرجع فيها قد حكم وإن قال إنه قد حكم به سيدي علي بن هارون وسيدي عبد الواحد الونشريسي لأن العمل لا يثبت بحكم قاض أو قاضيين، وأيضاً فإن ذاك العمل لا يوافق قولاً من أقوال المسألة فلا ينبغي أن يلتفت إليه لأن العمل لا بد أن يستند فيه إلى قول، وإنما ينبغي التعويل على قول الأكثر المعمول به في هذا القطر من لزوم عدم الرجوع ومحل الخلاف ما لم يقل في التزامه كلما رجعت عنها فرجوعي تأكيد لها. أو مهما وجد رسم برجوعي عنها فهو كذب فإن ذلك لازم له خارج عن محل الخلاف كما في أجوبة الفاسي. (و) الوصية (في الذي علم موص) به قبل موته (تجعل) ولو أفاده بعد الوصية ولو عمرى كان مرجعها إليه بعد انقضاء مدتها أو بعيراً شارداً أو آبقا رجعا بعد موته أو هبة أو صدقة لم تقع فيهما حيازة حتى مات على ما رجحه ابن منظور ولأن ذلك كله معلوم له لا فيما جهله قبل موته ولم يعلم به فإنها لا تكون فيه (خ): وهي ومدبر إن كان بمرض فيما علم الخ. أي لا فيما أقر به في مرضه لمن يتهم عليه، وهو يظن أن إقراره عامل في ذلك أو أقرَّ به في صحته وكذبه المقر له ولم يعلم بتكذيبه حتى مات ولا فيما ورثه ولم يعلم به ولا فيما أوصى به لوارث ولم تجزه الورثة، وإنما تجعل فيما علمه قبل موته كما مر ونحوه (و) في (دين من عن اليمين ينكل) قال ابن سلمون: ولا تدخل الوصايا إلا فيما علمه الموصي دون ما لم يعلمه من إرث ونحوه، ثم قال: فإن أقر بدين لمن يجب إقراره له فنكل عن يمين القضاء فإن الوصية تدخل في ذلك اه. وكذا إذا نكل عن يمين النصاب حيث لم يكن له إلا شاهد واحد فيجمع ذلك الدين لبقية ماله وتخرج الوصية من المجموع. قال ابن زرب: لو قال الورثة بعض المال لم يعلم به الموصي، وقال الموصى له: بل علمه فعلى الموصى له إثبات أنه علمه وإلاَّ فليس له إلا ما أقر الوارث بعلمه. (وصححت) الوصية (لولد الأولاد و) الحال أن (الأب) وهو أب الموصى له ( للميراث بالمرصاد) خبر عن قوله الأب وللميراث يتعلق به أي يرصد ميراث أبيه الموصى ويرتقيه. قال تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} (الفجر: 14) أي يرصد أعمال العباد لا يفوته منها شيء فيجازيهم عليها يقال: رصدته أي ارتقبته، وإنما صحت لولد الولد لأنه غير وارث، ولذا صار وارثاً كما لو مات أبوه قبل موت الموصي لم تصح (خ): والوارث يصير غير وارث وعكسه المعتبر مآله الخ. وظاهر النظم كان الولد الموصي لولده موجوداً وقت الإيصاء أم لا. وهو كذلك كما تقدم عند قوله: حتى لحمل واضح أو لم يضح *** لكنها تبطل إن لم يستهل... الخ وهذا البيت ربما يستغنى عنه بذلك وبمفهوم قوله: وامتنعت لوارث ولعله إنما ذكره دفعاً لما يتوهم من أن الوصية لولد الولد وصية للولد، وأنها تبطل بالتهمة. وقد تقدم أنها لا تبطل، وتقدم أيضاً أن ما حصل من الغلة قبل وجود الأحفاد هو للورثة على المعمول به، وأنها إذا لم يكن فيها لفظ حبس فهي محمولة على التمليك وتقسم رقبتها على الأحفاد بالسوية بعد انقطاع ولادة الأب بيأس منها أو موته، وتقدم أيضاً أن من وجد من الأحفاد يختص بالغلة وتقسم بينه وبين من وجد معه بالسوية إلا أن ينص الموصي على التفضيل وينتقض القسم كلما وجد ولد أو مات إلى أن ينتهوا بموت الأب، أو اليأس من ولادته فيقسم الأصل على الموجودين من الأحفاد ولا يحيى الميت بالذكر، ومن مات منهم فيكون نصيبه لباقي الأحفاد فإن ماتوا كلهم قسم الأصل على ورثة من تقدم في الموت، ومن تأخر فيحيى الميت بالذكر ويكون نصيبه لورثته فإن قال: ثلث مالي لأولاد أولادي فلان وفلان وفلان فمات أحدهم بعد موت الموصي وقبل أن يولد به رجع حظه لأولاد أخويه ولا يرجع لورثة الموصي، وإذا عقبوا وولد لكل منهم فإنه يقسم الثلث على عدد من حضر من الأحفاد يوم القسم دون من مات قبله، وهذا إذا أجمل في الوصية، وأما إذا عين لأولاد كل قدراً من ذلك كما لو قال: ثلث مالي لأولاد زيد وأولاد عمرو وأولاد بكر لأولاد كل واحد ثلثه، فإن حظ من مات منهم قبل أن يولد له يكون للورثة وتبطل الوصية فيه ولا تدخل الوصايا فيما بطل من ذلك وتقسم الغلة أثلاثاً لأولاد كل فريق ثلثاً قلوا أو كثروا، ومحل بطلان حظ من مات إذا لم يقل من مات عن غير عقب يرجع نصيبه لأولاد أخويه فإن قال ذلك فلا تبطل ويرجع لأولادهما، وهل يقسم هذا الراجع على عدد الرؤوس أو لا يجري فيه ما تقدم في الحبس عند قوله: وكل ما يشترط المحبس الخ. فرع: قال في المتيطية في باب الصدقة: من تصدق على ابنه الصغير وعلى من يولد للمتصدق جاز، فإن مات الابن المتصدق عليه في حياة أبيه وقفت الصدقة بيد الأب حتى ينظر أيولد له شيء أم لا. ولا يجوز له بيعها فإن مات الأب عن زوجة في حياة الابن فلا يجوز للابن أن يحدث فيها شيئاً إلا بعد أربع سنين أو خمس على الاختلاف في أقصى أو بالحمل، وذلك إذا لم تتزوج المرأة بعده فإن لم يترك الأب زوجة انطلقت يد الابن في الصدقة، وقد قيل أنه إذا تصدق على ابنه وعلى من يولد للأب من مجهول من يأتي فذلك حبس لا سيما إذا أدخل فيه أعقابهم اه. وتقدم في الصدقة أن القول بأنها حبس هو قول مالك، وانظر التزامات (ح) في الكلام على الشروط في الهبة. فرع: لو قال الموصي الذي كتب وصيته بخطه: فليشهد على خطي من وقف عليه فإنها تنفذ ولو لم يشهد عليها قاله اللخمي. ونقله في المجالس ومثله لعياض قائلاً: وأما لو كتبها بخطه وقال: إذا مت فلينفذ ما كتب بخطي فإنها تنفذ إذا عرف أنه خطه اه. فقوله: وقال الخ. يعني كتب لذلك ليوافق كلام اللخمي لا أنه قال ذلك للناس لأنه في معنى الإشهاد عليها، ولا خلاف حينئذ في تنفيذها وهو معنى قول (خ): وإن ثبت أن عنده خطه أو قرأها ولم يشهد أو يقل أنفذوها لم تنفذ الخ. فمفهومه أنه لو كتب بخطه أنفذوها فإنها تنفذ ونحوه قول صاحب العمل: وكاتب بخطه لم يشهد *** عليه أو يقل تنفذ أردد (وإن أب من ماله قد أنفقا على ابنه) الصغير وله مال وقت الإنفاق حال كون الابن ( في حجره ترفقا) أي على وجه الترفق فهو راجع لقوله في حجره لا للإنفاق لأنه لو أنفق عليه ترفقاً لم يكن له عليه رجوع.. (فجائز رجوعه في الحال) أي حال قيامه (عليه من حين اكتساب المال) بإرث أو هبة أو وصية، ومفهومه أن ما أنفقه عليه قبل كسبه المال لا رجوع له به عليه وهو كذلك لأن نفقته حينئذ واجبة على أبيه قال في المدونة: يلزم الأب نفقة أولاده الذكور حتى يحتلموا والإناث حتى يدخل بهن أزواجهن إلا أن يكون للصبي كسب أي عمل يد يستغني به أو مال ينفق عليه منه اه. ومحل رجوع الأب على ولده إذا كانت عادة الآباء الرجوع بالنفقة على أولادهم كما تقدم عن السيوري في النفقة، وظاهره أنه لا يمين على الأب أنه أنفق ليرجع وهو كذلك كما قال (خ) في الفلس كاليمين المتوجهة على أحد أبويه فإنهما لا يحلفان وأما إذا مات الابن وطلب الأب النفقة فأراد ورثة الابن إحلافه فسيأتي آخر الباب، هذا حكم رجوع الأب بنفسه فإن مات الأب وأراد الورثة أن يحاسبوا الابن بما أنفقه عليه أبوه من وقت اكتسابه للمال فقال ابن رشد: لا يخلو مال الولد من أربعة أوجه. أحدها: أن يكون عيناً قائماً في يد الأب. والثاني: أن يكون عرضاً قائماً في يده أيضاً. والثالث: أن يكون الأب قد استهلك مال ابنه العين وحصل في ذمته. والرابع: أن يكون مال الابن لم يصل إلى يده. فأشار الناظم إلى الوجه الأول بقوله: (وإن يمت) الأب (و) الحال أن (المال) أي مال الابن (عين باقي) في تركة الأب معروف بالكتابة عليه أو الشهادة عليه أنه ماله (وطالب الوارث) الرجوع على الابن (بالانفاق) مصدر بمعنى المفعول أي بالمال المنفق عليه. (فما لهم) أي الورثة (إليه) أي الرجوع (من سبيل وهو) أي المال المنفق ( للابن دون ما) زائدة (تعليل) لأن ترك الأب الإنفاق منه عليه مع تيسره دليل على تبرعه. (إلا إذا أوصى) الأب (على الحساب و) كان قد (قيد الانفاق بالكتاب) بأن كتبها بخطه وأحرى إن أشهد عليه عدلين أنه يحاسب، فحينئذ يمكن الوارث من الرجوع في المال العين، ومفهومه أنه إذا أوصى ولم يكتبها أو كتبها ولم يوص لم يكن للوارث رجوع على الولد وهو كذلك كما صرح به ابن رشد، ووجهه في الأول أنها وصية لوارث، وفي الثاني أنه قد يكتبها متروياً كما يأتي عند قوله: وترك الكتب فلن يطالبوا. ثم أشار إلى الوجه الثاني وهو ما إذا كان مال الابن عرضاً فقال: (وإن يكن عرضاً) كأثاث ولباس وفراش وأصول ورثها من أمه أو تصدق بها عليه (وكان) ذلك (عنده) أي عند الابن موجوداً بعينه في تركته (فلهما الرجوع) على الابن كتبها عليه الأب أم لا (فيه) أي في ذلك المال بعينه (بعده) أي بعد الأب فإن زاد الإنفاق على ذلك المال فلا تباعة على الابن بالزائد. (إلا إذا ما) زائدة (قال لا تحاسبوا و) كان قد (ترك الكتب فلن يطالبوا) الابن بشيء، ومفهومه أنه إذا لم يقل لا تحاسبوا فإنه يحاسب ولو كتبها لأنه قد يكتبها متروياً غير عازم عليها، ومفهوم وترك الكتب أنه إذا كتب فإنه يحاسب وإن أوصى أن لا يحاسب لأنه لما كتب تقوى جانب عدم التبرع فكانت وصيته بعدم المحاسبة وصية لوارث. (وكالعروض الحيوان مطلقا) عاقلاً كان كالرقيق أو غير عاقل كالدواب والأنعام ( فيه الرجوع) للوارث على الابن (بالذي قد أنفقا) عليه أبوه إلا أن يقول: لا تحاسبوه ويترك الكتب كما مر في العرض. ثم أشار للوجه الثالث، وهو ما إذا كان الأب قد استهلك مال الابن العين فقال: (وإن يكن عيناً) سواء كان عيناً بالأصالة أو كان عرضاً واستهلكه الأب وترتبت قيمته في ذمته أو باعه واستهلك ثمنه (ورسماً أصدرا) أي أشهد الأب عدلين في رسم ( بأنه) أي المال العين أدخله في (ذمته) وأنه (قد عمرا) ذمته به. (فما تحاسب لمستحق وهو) أي المال المشهود به في الذمة (كالحاضر) عيناً (دون فرق) بين هذا الوجه والوجه الأول فكما لا يحاسب في الوجه الأول إلا إذا أوصى وقيد بالكتاب فكذلك الحكم ههنا. وقد سئل ابن رشد عن وصي أشهد عند موته أن ليتيمة عنده عشرين ديناراً، فلما طالبت بها قال لها الورثة: إنه كان ينفق عليك وأثبتوا ذلك فقال إشهاد الوصي لها عند موته بالعشرين ديناراً يوجبها لها وتبطل حينئذ دعوى الورثة عليها ولا يحاسبونها بشيء اه. وأشار لمفهوم قوله: ورسماً أصدرا والموضوع بحاله فقال:
|