الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***
(و) يجوز أن (يشهد الناس) للمدين (بضعف) لحاله وقلة ذات يده لضعف صنعته أو تجارته، وصفتها أن يقولوا: يعرف شهوده فلاناً ويعلمونه ضعيف الحال بادي الإقلال قليل ذات اليد مقدوراً عليه في رزقه وحاله متصلة على ذلك إلى الآن في علمهم، فإذا ثبت هذا الرسم أخذ منه القليل الذي في يده ودفع للغرماء بعد أن يحلف أن لا شيء له غيره (أو عدم) أي كما يجوز أن يشهد الناس للمدين بالعدم المحض وأنه لا شيء له في علمهم كما مر قريباً فإن شهدت إحداهما بالضعف أو العدم وشهدت أخرى لرب الحق بالملاء فإن بينة الملاء تقدم على المعمول به بينت أم لا. كما في الأجهوري خلافاً لما في (خ) من أنها لا تقدم إلا إذا بينت أنه أخفى مالاً أو عينت له داراً مثلاً كما يأتي عند قوله: ومن بماله أحاط الدين الخ. وتقدمت هذه المسألة آخر الشهادات عند الكلام على تعارض البينات فانظرها هناك مع نظائرها. (ولا غنى في الحالتين) وهما شهادتهم بالضعف وشهادتهم بالعدم (من) أي عن (قسم) من المدين لأنه إنما شهدوا له بظاهر الحال، فلا بد من حلفه على الباطن واختلف هل يحلف. (بما) أي على وفاق ما (اقتضاه الرسم) فيقسم أنه لا يعلم لنفسه مالاً ظاهراً ولا باطناً على طبق ما شهدوا له به في الرسم و(لا) يكلف الحلف على (اليقين) والبت بأن يقول: لا مال لي وهو الذي اعتمده (خ) والناظم وعلله بقوله: (إذ لا يصح بت ذي اليمين) لإمكان إرثه مالاً لم يعلم به أو يحلف على البت والقطع فيقول: لا مال له ظاهراً ولا باطناً وإن وجده ليقضينه وهو المذهب، فإذا حلف أخر المعدم وأخذ من الضعيف ما بيده ودفع للغرماء (خ): وترك له قوته والنفقة الواجبة عليه لظن يسرته، ثم إذا ادعى الطالب عليه بعد هذه اليمين أنه أفاد مالاً لم يحلف المدين لرد هذه الدعوى لأنه قد حلف على ذلك حيث قال: وإن وجده ليقضينه إذ لا فائدة لتلك الزيادة إلا ذاك. (ومن نكوله عن الحلف بدا فإنه يسجن بعد أبدا) ولا يسرح حتى يؤدي دينه لأن نكوله تهمة. (وحيث تم رسمه) وحلف معه (وعدما) بتشديد الدال أي حكم الحاكم بعدمه أو ضعفه ( كان عديماً لأولاء الغرما) فلا مطالبة لهم عليه ولو طال الزمان. (إلا أن) يعلم أنه (استفاد من بعد العدم) الثابت بالبينة (مالاً) بإرث أو هبة أو تجارة (ف) إنهم حينئذ (يطلبونه بالملتزم) من الدين الباقي في ذمته ولو داين غيرهم من بعد ثبوت عدمه فقام عليه غير الأولين فلا دخول للأولين معهم إلا فيما يحصل له من الربح، وإذا مضت مدة من العدم الأول فإنه يكلف تجديد عدم للآخرين، وإن عدمه الأول متصل إلى الآن ولا يعلمون أنه استفاد مالاً إلى قيام هؤلاء الآخرين عليه، لأن الآخرين لم يحكم عليهم ولا عذر لهم في شهود العدم الأول فيجب أن يجدد البينة باتصال عدمه ويعذر إليهم فيها قاله في الطرر وابن سلمون. ومفهوم قوله: إلا إن استفاد مالاً أنه إذا لم يعلم أنه استفاد شيئاً فهو على عدمه وإن طال الزمان كما قررنا. قال ابن ناجي: وبه العمل، وفي المعيار وابن سلمون عن ابن الحاج: إنما ينتفع ببينة عدمه إلى ستة أشهر فإن زادت المدة عليها فلا بد من استئناف عدم آخر. قال ابن عاشر في طرره: وبقول ابن الحاج رأيت العمل بفاس اه. ونظمه في العمل المطلق. (و) إذا ثبت العدم بالبينة التي لا مطعن فيها ف (ينبغي إعلان حال المعدم) وإشهار عدمه (في كل مشهد) فيطاف به في المجالس والأسواق (بأمر الحاكم) ليعلم الناس عدمه فلا يغتر به أحد ولا يعامله أحد إلا على بصيرة من أمره قال الشارح: ما ذكره الناظم من إعلان حاله وهو الذي جرى به العمل من قضاة العدل. والأصل في ذلك فعل عمر رضي الله عنه اه. وهذا الإشهار نظير إشهار من حجر عليه القاضي وقدم عليه (خ): ونادى بمنع معاملة يتيم وسفيه، وفي المعيار عن العبدوسي في امرأة مسنة باعت حظها من دار ثم ثبت حجرها قال: وأما النداء عليها فليس من حق المشتري خاصة بل من حقوق المسلمين كافة ينادى عليها في المحافل مكشوفة الوجه لتعرف هذه فلانة الساكنة بموضع كذا ثبت عند القاضي حجرها فكونوا على حذر من معاملتها الخ. ويقام كل من المفلس والمحجر عليه من السوق قال في الشامل: ويقام المفلس من السوق على الأصح كسفيه حجر عليه اه. وذكر ابن ناجي أن العمل على عدم إشهار المعدم وعدم إطاقته قال: وكذا العمل أنه لا يقام من السوق ونظمه في العمل المطلق أيضاً، ولكن تقدم في غير ما موضع أن عمل فاس تابع لعمل الأندلس لا لعمل تونس فلا يعول على ما لابن ناجي لما فيه من غرر المسلمين، ولأن الرجل إذا علم إشهاره عند عدمه لم يتجرأ على أخذ الدين وإذا أخذه حمله ذلك على القضاء ولأنه الوارد عن السلف فلا ينبغي للقاضي إهمال هذا الفصل بحال، وإلاَّ فقد تعرض لتضييع حقوق المسلمين وهو واجب عليه حفظها والله أعلم. (ومثبت) مبتدأ سوغه تعلق (للضعف) به (حال دفعه) مبتدأ ثان (لغرمائه) يتعلق بدفع (بقدر وسعه) خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول، وتقدم أنه يدفع لغرماء ما بيده بعد حلفه وهو مراده بقدر وسعه وطاقته، وكان الأنسب تقديم هذا البيت هناك. (وطالب تفتيش دار) المدين (المعسر) أي مدعي العسر وقبل ثبوته وحلفه نازعه رب الدين وادعى أن له أموالاً وأمتعة بداره وسأل تفتيشها (ممتنع إسعافه) أي فلا يجاب إلى تفتيشها (في) قول (الأكثر) ابن عتاب وابن مالك ومن وافقهما. قال ابن ناجي: وبه العمل ومقابله لفقهاء طليطلة، وقاله ابن شعبان وابن القطان ورجحه ابن رشد. وقال ابن سهل: أنا أراه حسناً فيمن ظاهره اللدد والمطل اه. قال بعض: وهو اللائق بهذا الزمان لكثرة اللدد والمطل. قلت: وهو الذي يجب اعتماده وعليه فما ألفى في داره من متاع النساء فادعته زوجته فهو لها، وما ألفى فيها من متاع الرجال بيع وقضى منه دينه وهو محمول على أنه له كما يأتي عند قول الناظم: وهو مصدق إذا ما عينا الخ. من أنه لا يصدق في دعواه أنه عارية أو وديعة حتى يثبت ذلك بل يعين ربها ويشهد لهما الناس بذلك كما قال (خ): وقبل تعيينه القراض والوديعة إن قامت بينة بأصله أي: بأن عنده قراضاً أو وديعة وإن لم تشهد بعينها، ومفهوم دار أنه إذا سأل تفتيش جيبه أو كمه أو كيسه فإنه يجاب إلى ذلك وهو كذلك لأنه أخف من الدار. قال ابن ناجي: وبه حكمت. مشتق من الفلوس عياض: لأن المفلس صار ذا فلوس بعد أن كان ذا ذهب وفضة الخ. والمراد أنه صار وضيعاً بعد أن كان ذا عز وشرف، وفي الخبر الصحيح: (إن نفس المؤمن مرهونة بدينه) أي محبوسة عن مقامها الكريم في البرزخ فلا تكون منبسطة فيه مع الأرواح المنبسطة فيه، ومحبوسة أيضاً بمعنى معوقة عن دخول الجنة حتى يرضيه الله من عنده، أو يعوضه بقدر دينه من حسناته إن وجدت فإن لم توجد طرح عليه من سيئاته انظر (ز). واعلم أن لمن أحاط الدين بماله ثلاثة أحوال: الأولى: قبل قيام الغرماء فلا يجوز له تصرف في شيء من ماله بغير عوض كالهبة والصدقة والعتق والإقرار لمن يتهم عليه، وإلى هذه الحالة أشار الناظم بقوله: (ومن بماله أحاط الدين لا يمضي له تبرع) من عتق وما ذكر معه ولهم رده إن لم يعلموا به إلا حين قيامهم (إن) هو (فعلا) ومعنى أحاط زاد أو ساوى لأن العلة وهي إتلاف مال الغرماء داخلة في المساوى، وهذا إذا ثبتت الإحاطة فإن لم تثبت فتبرعه ماض حتى تثبت فيرد، ومفهوم تبرع أن تصرفه بالبيع والشراء ماض وهو كذلك إن لم يحاب، وإلا فالدين أحق بالمحاباة لأنه هبة وكذا تمضي نفقته على أبيه وابنه ونفقة عيدين وأضيحة لأنها ليست من التبرع ولو أسرف في ذلك وفات بذهاب عينه تبعه بالسرف فإن كانت عينه قائمة فيرد السرف ودخل في قوله: ومن بماله أحاط الدين الخ: الحميل إذا تحمل بما يحيط بماله فإنه لا يجوز له التبرع قاله أبو الحسن. ومفهوم أحاط إن من لم يحط الدين بماله إذا قام عليه ربه، فأما ان يكون معلوم الملاء أو ظاهره أو مجهول الحال فيجري على ما تقدم في الفصل قبله، فإن ادعى العدم وأثبت ربه ملكاً معيناً له، فإن أقر بذلك أمره الحاكم ببيعه فإن أبى حكم عليه بالضرب والسجن حتى يبيعه ولا يبيعه الحاكم عليه كبيعه على المفلس كما مر، لأن هذا لم يفلس وإن أنكر أنه ملكه باعه الحاكم حينئذ نقله (ح). تنبيه: وكما للغريم منعه من تبرعه كذلك له أن يمنعه من سفره إن كان الدين يحل بغيبته ولم يوكل من يقضيه ولا ضمنه موسر، وإلاَّ فلا يمنعه فإن خشي سفره حلف أنه ما يريد سفراً فإن نكل كلف حميلاً ثقة يغرم المال ومحل تحليفه إذا علم وقوفه عند اليمين، فإن علم أو ظن عدم وقوفه عندها كلف حميلاً ثقة يغرم المال لأن اليمين إنما شرعت لحفظ المال، فإن علم أو ظن عدم الحفظ لم تشرع ويكون المشروع ما يحصل به الحفظ اه. انظر شرحنا للشامل، وانظر ما تقدم عند قوله في الضمان: وهو بوجه أو بمال جار الخ. من أن الإنسان إذ باع سلعة إلى أجل فظهر من المشتري إخلال وأنه لا يوجد له عند الأجل شيء فإنه يكلف بحميل أو رهن أو يضرب على يده فيما بيده. والحالة الثانية بعد قيام الغرماء وقبل حكم الحاكم بخلع ماله فلا يجوز له تصرف ببيع ولا بغيره كما قال: (وإن يكن للغرما في أمره تشاوراً) بأن قاموا عليه وأرادوا تفليسه ولو لم يرفعوه للحاكم (فلا غنى عن حجره) لهم بأن لا يمضي له بيع وقع بعد قيامهم ولا شراء ولا قضاء بعض غرمائه دون بعض، ولا إقراره إلا إذا أقر لمن لا يتهم عليه بمجلس القيام أو قربه، والحال أن جميع دينه ثابت بإقرار لا إن ثبت جميع دينه ببينة لأنه أدخل نقصاً على من ثبت دينه بالبينة بمجرد قوله بأن كان بعضه بإقرار وبعضه ببينة، فإنه يدخل مع من ثبت دينه بإقرار لا ببينة، ولو تداين في هذه الحالة دخل الأولون مع الآخرين فيما بيده وما ذكره الناظم من أن التشاور هو حد التفليس هو قول ابن القاسم، وقيل التفليس هو حكم الحاكم، وقيل هو سجن المدين. والحالة الثالثة: أن يقوموا ويرفعوه للحاكم ويحكم بخلع ماله لهم، وفائدتها أنه إذا تداين بعد الحكم المذكور فلا دخول للأولين فيما بيده إلا أن يكون فيه فضل ربح كما أنه إذا مكنهم قبل الرفع من ماله فباعوا واقتسموا، ثم داين غيرهم فلا دخول للأولين مع الآخرين إلا إذا بقي بيده فضل ربح أيضاً وأشار (خ) إلى الحالة الأولى بقوله: للغريم منع من أحاط الدين بماله من تبرعه وسفره إن حل بغيبته، وإلى الحالة الثانية بقوله: وفلس حضر أو غاب إن لم يعلم ملاؤه بطلبه ديناً حل فمنع من تصرف مالي الخ. فقوله: فلس أي حجر، والضمير المجرور بالمصدر في قوله: بطلبه يعود على رب الدين لا على التفليس كما لشراحه أي: بطلب رب الدين دينه الحال زاد على ماله أو بقي ما لا يفي بالمؤجل وطلبه هو قيامه عليه به فيستتر المدين عنه أو يواعده للمحاسبة ونحو ذلك، فيبيع أو يشتري في ذلك الوقت فإن ذلك يرد لأنه بقيامه حكم الشرع بحجره له، وإلى الثالثة بقوله: ولو مكنهم الغريم فباعوا واقتسموا ثم داين غيرهم فلا دخول للأولين مع الآخرين كتفليس الحاكم الخ. وكل حالة من هذه الأحوال تمنع بما تمنعه التي قبلها ولا عكس. ولما كانت الحالة الثانية حجراً شرعياً كالثالثة قسم ابن عرفة التفليس إلى أعم وأخص فقال في الأعم: قيام ذي دين على مدينه ليس له ما يفي به موجبه أي ثمرته منع دخول إقرار المدين على متقدم دينه، وقال في الأخص: حكم الحاكم بخلع كل مال المدين لغرمائه لعجزه عن قضاء ما لزمه موجبه منع دخول دين سابق عليه على لاحق بمعاملة بعده اه. واعترض بأن من شأن الأعم صدقه على الأخص، وهو هنا ليس كذلك إذ الأعم قيام الغرماء. والأخص حكم الحاكم وهما متباينان، وتقدم مثل هذا الاعتراض عليه في الشركة حيث قسمها إلى أعم وأخص، وما أجيب به عنه هنا من الأعمية باعتبار الأحكام لا باعتبار الصدق، ولا شك أن الأخص إذا ثبت منع من كل ما منعه الأعم وزيادة دون العكس فغير ظاهر لأنه يقتضي أن يكون حكم الحاكم هو الأعم، وقيام الغرماء هو الأخص، والواقع في كلام ابن عرفة خلافه، وإنما الجواب الحق أن يقال إنه لا مباينة بين الرسمين لأنه اعتبر في الأخص قيدين. أحدهما: حكم الحاكم، وثانيهما: قوله لغرمائه إذ اللام فيه يتعين أن تكون بمعنى (عند) كقوله تعالى: { أقم الصلاة لدلوك الشمس} (الإسراء: 78) وهو على حذف مضاف دل عليه المعنى أي: هو حكم الحاكم عند قيام الغرماء فكأنه قال هو قيام الغرماء مع حكم الحاكم ولم يعتبر في الأعم حكماً والشيء مهما ازداد قيداً ازداد خصوصاً نظيره الحيوان مع الحيوان الناطق، فالأول أعم من الثاني قطعاً لصدقه بالناطق وبغيره، وكذا قيام الغرماء في كلام ابن عرفة هو مقيد في الأخص بالحكم، ولم يقيد به في الأعم. فالأحكام المترتبة على الأعم في كلام ابن عرفة توجد بوجوده وجد مع ذلك الأعم حكم حاكم أم لا. والأحكام المترتبة على الأخص لا توجد إلا مع حكم الحاكم. لا يقال: إذا مكنهم الغريم فباعوا واقتسموا فقد وجد الحكم المرتب على الأخص وهو عدم دخول الأولين مع الآخرين مع أنه لا حكم هنا لأنا نقول: تمكينه من البيع والقسمة بمنزلة حكم الحاكم، إذ لو رفع الأمر إليه لم يفعل غير ذلك، وإذا علمت صحة تقسيم التفليس بمعنى التحجير إلى أعم وأخص وأن كلاً منهما يترتب عليه حكم لم يترتب على الآخر سقط بحث مصطفى رحمه الله مع ابن عرفة بأن ابن رشد لم يعبر بالأعم والأخص، وبأن حدّه للأخص غير مطابق لابن رشد لأن ابن رشد لم يجعله حكم الحاكم بخلع كل ماله بل جعله التمكين من البيع واقتسام المال إنما هو المانع من دخول الأولين الخ. ووجه سقوط بحثه أن ابن رشد جعل كلاً من التمكين وحكم الحاكم مانعاً من دخول الأولين، لأنه قال: إذا مكنهم فباعوا واقتسموا فذلك مانع من دخول الأولين كتفليس السلطان الخ. وتفليس السلطان هو حكمه بخلع كل المال الخ. وإذا صحت الأعمية والأخصية معنى صح التعبير بهما وإن لم يعبر بهما ابن رشد ولا غيره، والله أعلم. فرع: قال في المدونة: وإذا كان لشخصين دين منجم فأذن أحدهما للآخر بقبض نجم من نجومه على أن يقبض هو النجم الذي بعده، فلما قبضه الأول فلس المدين فليرجع هذا على صاحبه لأنه سلف منه اه. (و) إذا قام عليه الغرماء فمكنهم من ماله فأرادوا البيع والقسمة أو حكم الحاكم بخلع كل ماله (حل) بواحد من الأمرين (ما عليه من ديون إذ ذاك) ولو دين كراء ولو لم تستوف منفعته كدار مثلاً اكتراها وجيبة وفلس قبل مضي المدة، فإن المكري يحاصص بكرائه (كالحلول) أي كحلول الدين ولو كراء لم تستوف منفعته أيضاً ( بالمنون) أي بالموت (خ): وحل به وبالموت ما أجل ولو دين كراء، ثم إذا حل غير المستوفي منفعته ففي الموت يبقى الكراء لازماً للمكري والورثة ويحاصص المكرى به ولا خيار له، وأما في الفلس فيخير المكري بين أن يسلم المنفعة للغرماء ويحاصص بالكراء، وبين أن يرجع في عين شيئه كله إن لم يستوف شيئاً من المنفعة فإن استوفى بعضها حاصص بما يقابل ما استوفى منها ويخير فيما لم يستوف في الرجوع فيما بقي من المنفعة وفي إسلامه والمحاصصة بما ينوبه من الكراء. تنبيهان: الأول: يباع ماله بالخيار ثلاثاً إذ بيع الحاكم إنما يكون بما ذكر فإن باع بغير خيار فللغرماء أو للمفلس رده كما في (ز). وأما بيعهم حيث مكنهم منه بغير حكم فهو بغير خيار ويترك له قوته والنفقة الواجبة عليه لظن يسرته، ويقسم ما حصل من ثمن ماله بنسبة الديون الخ كما في (خ). الثاني: ما قررناه به من إدخال صورة تمكين الغريم من البيع والقسمة في كلامه هو المتعين كما هو ظاهر إطلاقه واطلاق غيره خلافاً لما في الزرقاني من أنه لا يحل الدين في تلك الصورة قائلاً، وإنما يحل بالحكم فقط أو الموت الخ. لما علمت من أنه إذا مكنهم من بيع كل ماله لم يبق شيء للمؤجل دينه فيكون مخالفاً لما مّر عن (خ) أو بقي ما لا يفي المؤجل الخ. وقد قال اللخمي: الديون المؤجلة لا حجر بسببها إلا أن تتغير حاله أو يظهر منه إتلاف يخشى معه أن لا يوجد عنده عند الأجل شيء فيحجر عليه، ويحل دينه إلا أن يضمن له أو يجد ثقة يتجر له به ويحال بينه وبينه اه. ومخالف أيضاً لما مر عن ابن رشد من أن اقتسامهم للمال بمنزلة تفليس السلطان سواء، وبعد كتبي هذا وجدت للشيخ بناني اعتراضاً عليه بمثل ما ذكر. (و) إذا كان المدين قد وهب لولده شيئاً قبل إحاطة الدين بماله فالهبة صحيحة فإذا فلس بعد ذلك ف (الاعتصار) للهبة المذكورة (ليس بالمكلف) أي اللازم (له) فإن اعتصر كان للغرماء أخذها (ولا) يكلف عليه أيضاً (قبول غير السلف) من هبة أو صدقة أو مداينة وكل ما تلحقه فيه منة، وأما السلف كما لو طاع شخص بأداء الدين عن المدين وبقائه فإذا حصل له يسر ما رجع به عليه فإنه لا كلام للمدين حاضراً كان أو غائباً أذن في الأداء عنه أم لا (خ): تشبيهاً في اللزوم كأدائه رفقاً لا عنتاً الخ. وتقدم قول الناظم: إذ قد يؤدي الدين من لا أذنا الخ. فإن قال المسلف: أنا لا أسلفه إلا إذا رضي المدين بقبوله أو طلبه مني فإن المدين لا يلزمه القبول حينئذ ولا الطلب، فمفهوم النظم فيه تفصيل. وهذا الثاني هو المشار له بقوله (خ): ولا يلزم بتكسب وتسلف واستشفاع وعفو للدية وانتزاع مال رقيقه وما وهبه لولده الخ. فلا معارضة بين مفهوم النظم، وما لخليل من عدم لزوم تسلفه، وقوله: ولا يلزم بتكسب الخ. تقدم أن محل هذا إذا لم يداين ليقضيهم من صنعته وإلاَّ أجبر عليها كما مّر عند قوله: أو معدم وقد أبان معذره الخ. (وهو) أي المفلس (مصدق إذ ما قد عينا مالاً له وما) أي ومالاً (عليه أمنا) بأن قال: هذا مالي وهذا أمانة عندي قراض أو وديعة أو عارية أو بضاعة فلا تقربوه ويكون للمقر له بيمينه كما في الطرر، وقيل لا يصدق، وثالثها المشهور يصدق إن قامت بأصله بينة تشهد أنهم يعلمون أن عنده سلعة وديعة أو قراضاً وإن لم يعينوها ولا سموا ربها ويكون ربها الذي أقر به المقر أحق بها ولو ممن يتهم عليه كأخيه وابنه لأن قيام البينة ينفي تهمته فإن لم يعينه المقر ولا البينة ولم يدع تلك السلعة أحد فتوضع في بيت المال على قاعدة المال الذي ضل صاحبه (خ): وقبل تعيينه القراض والوديعة إن قامت بينة بأصله الخ. وظاهره أنه يأخذه ذو البينة بغير يمين وهو كذلك، ومثل البينة بأصله ما إذا شهدت أنه أقر قبل التفليس أن بيده للمقر له قراضاً أو وديعة كما في ابن يونس: ومن اكترى أرضاً بثمن إلى أجل فزرعها ثم فلس أو مات فإن المكري يقدم في أخذ كراء أرضه من زرعها على سائر الغرماء، بل وعلى ساقي الزرع ومرتهنه فلا شيء لهم من زرعها حتى يستوفي المكري كراءه كما قال: (ورب الأرض المكتراة إن طرق تفليس أو موت بزرعها حق). لأن الزرع كرهن بيده في كرائها فيباع ويؤخذ الكراء من ثمنه وحوز الأرض للزرع كحوزه هو له فيقدم على حوز مرتهنه وساقيه لأن حوزها أشد من حوزهما لأنه نشأ عنها، وليس المراد أنه يأخذ الزرع في الكراء لئلا يؤدي إلى كراء الأرض بما يخرج منها، ثم ما ذكره من أنه أحق في الموت والفلس خلاف المشهور، ومذهب المدونة من أنه يكون أحق به في الفلس لا في الموت فلا يكون أحق به بل هو إسوة الغرماء فيه (خ): وقدم في زرعها في الفلس ثم ساقيه ثم مرتهنه أي ما فضل عن المكري يقدم فيه الساقي، وما فضل عنه يقدم فيه المرتهن، ثم ما فضل يكون للغرماء. (واحكم بذا) أي بكونه أحق في الموت والفلس (لبائع) سلعة مثلاً (أو صانع) كنساج وخياط فلس المشتري قبل قبض السلعة والمستأجر قبل أخذ الثوب من الصانع، فإن البائع أو الصانع أحق (فيما) أي في السلعة والثوب اللذين (بأيديهم) حتى يباع ويستوفي الأول ثمنه والثاني أجرته. (فما من مانع) لهم من ذلك (خ): والصانع أحق ولو بموت ما في يده الخ. ومفهوم بأيديهم أما بالنسبة للصانع فإنه إذا سلم المصنوع لربه فهو إسوة الغرماء كما لو لم يحزه أصلاً كالبناء فإن رد لربه البعض وبقي البعض الآخر ففيه تفصيل، فإن كانا بعقد واحد ولم يسم لكل واحد قدراً فله حبس الباقي في أجرته وأجرة المردود، وإن تعدد عقدهما أو اتحد ولكن سمى لكل واحد قدراً فليس له أن يحبس الباقي في أجرة المردود قاله ابن يونس. وأما بالنسبة للبائع فهو قوله: (وما) بيع من السلع و(حواه) أي حازه (مشتر) من بائعه وقبل أن يدفع ثمنه فلس (و) الحال أن المبيع (محضر) بعينه قائم بذاته ثابت أنه له ببينة أو اعتراف المفلس قبل التفليس (فربه) البائع له أو القائم مقامه بإرث أو هبة الثمن أو صدقته (في فلس مخير) إن شاء تركه وحاص بثمنه وإن شاء أخذه ولا شيء له وظاهره أن التخيير المذكور ثابت ولو زادت في سوقها أو بدنها أو نقصت فيهما وهو كذلك. (إلا إذا ما الغرماء دفعوا) له (ثمنه) ولو من مالهم (فأخذه) له (ممتنع) حينئذ. فهذا أحد شروط التخيير، وثانيهما: أن يمكن أخذه لا إن لم يمكن كبضع، وثالثها: أن لا يتغير عن حالته لا إن تغير كما لو طحنت الحنطة أو فصل الثوب ونحو ذلك. ورابعها: أن يكون المبيع مما يعرف بعينه لا إن كان مما لا يعرف بعينه بعد الغيبة عليه كالمكيل والموزون والمعدود، ومفهوم في فلس أنه في الموت إسوة الغرماء (ح): وللغريم أخذ عين ماله المحاز عنه في الفلس لا الموت ولو مسكوكاً أو آبقاً ولزمه أي الآبق خلافاً لمن قال: لا يلزمه لأن أخذ الآبق ابتداء شراء فيكون فاسداً ثم قال: إن لم يفده غرماؤه وأمكن لا بضع وعصمة وقصاص ولم ينتقل لا إن طحنت الحنطة أو خلط بغير مثلي الخ. ومحضر اسم مفعول خبر لمبتدأ محذوف، والجملة حالية كما قررنا، وفي بعض النسخ ويحضر بالمضارع المبني للمفعول فإعرابه كالأول، ومن اشترى شيئاً فوجد عيباً به فرده على بائعه ففلس البائع بعد رده عليه، وقبل أن يرد الثمن للمشتري فإن الراد لا يكون أحق به بل إسوة الغرماء كما قال: (وليس من رد بعيب ما اشترى) بالبناء للفاعل (أولى به) من الغرماء (في فلس إن اعترى) وغشي بل هو إسوتهم كما مر بناء على أن الرد بالعيب نقض للبيع، وأما على أنه ابتداء بيع فيكون أحق به كما في المقدمات، وظاهره أنه لا يكون أحق به ولو أخذ عن دين وهو كذلك (خ) عاطفاً على ما لا يكون أحق به ما نصه: ورد السلعة بعيب وإن أخذت بدين واحترزت بقولي بفلس بعد ردها مما لو ردها عليه بعد فلسه فإنه لا يكون أحق بها مطلقاً سواء بنينا على أن الرد بالعيب نقض للبيع أو ابتداء بيع لأن ابتداء البيع بعد الفلس يمنع من أخذ البائع عين شيئه كما قال (خ) كبيعه ولم يعلم بفلسه، وأما لو أراد الرد وأقر بذلك على نفسه فوجد البائع قد فلس ففي كونه أحق بها وتباع في الثمن، أو لا يكون أحق بها وهو بمنزلة من ردها قبل الفلس، وصوبه ابن عاشر ومصطفى قولان. (والخلف في سلعة بيع فاسد) كما لو ابتاعها بشرط الثنيا أو بشرط الحمل أو وقت نداء الجمعة بثمن نقده فيها أو صيرت له في دين في ذمة بائعها، واطلع على الفساد بعد تفليس البائع أو موته وفسخ البيع والسلعة لم تفت بيد المشتري وفات ثمنها، أو كان لا يعرف بعينه فقال سحنون: المشتري أحق بها مطلقاً وهو المعتمد، وقال ابن المواز: لا يكون أحق بها مطلقاً (ثالثها) لابن الماجشون (اختصاصها بالناقد) فيكون أحق بها فيه دون الآخذ لها عن دين فلا يكون أحق بها بل هو إسوة الغرماء (خ) وفي كون المشتري أحق بالسلعة تفسخ لفساد البيع أو لا أو في النقد أقوال الخ. وقد علمت أن محل الخلاف إذا اطلع على الفساد بعد الفلس وأما لو اطلع عليه قبله فهو أحق بها باتفاق كذا في الرزقاني، والذي في الرجراجي أن من اشترى شراء فاسداً ففلس البائع بعد أن رد المشتري السلعة فلا سبيل له إليها قولاً واحداً، وإنما حقه في عين ثمنه إن وجده فإن فلس بعد أن فسخ البيع وقبل أن يرد المشتري السلعة فهل يكون أحق بالسلعة أم لا؟ فذكر الأقوال المتقدمة. وقولي: والسلعة لم تفت احترازاً مما إذا فاتت فإنه يمضي بالقيمة ويحاصص بباقي الثمن إن كانت أقل، وقولي: وفات ثمنها احترازاً مما إذا لم يفت وكان يعرف به فإنه يكون أحق به اتفاقاً. (وزوجة) ولو لم يدخل بها الزوج حيث لم يكن دفع لها الصداق. (في مهرها كالغرما. في فلس لا في الممات فاعلما) كذا في الجلاب. قال اللخمي: ولا وجه لهذه التفرقة وقيل لا تحاصص فيهما. وثالثها المشهور تحاصص فيهما (خ): وحاصت الزوجة بما أنفقت وبصداقها كالموت الخ. وظاهره أنها تحاصص بجميعه ولو فلس قبل البناء وهو كذلك لأنه دين في ذمته حل بموته أو تفليسه، وإذا حاصت بجميعه ثم طلقها قبل البناء فإنها ترد ما زاد على تقدير المحاصة بنصفه وقوله: بما أنفقت أي على نفسها أو على الزوج حال يسره في غيبته أو حضرته، لكن في الغيبة إنما تحاصص بما أنفقت على نفسها من يوم الرفع للحاكم، وسواء تقدم إنفاقها على دين الغرماء أو تأخر ولو بعد تفليسه لكنه يترك له النفقة الواجبة عليه ومنه نفقة الزوجة إل أن أنفقت عليه حال عسره، فإنها لا تحاصص بها ولو غاب لسقوطها عنه بالعسر. (وحارس المتاع والزرع وما أشبهه) كأجير رعي أو علف ونحوه (معهم) أي الغرماء ( قد قسما) أي حاصص بأجرته في الموت والفلس ولا يكون أحق بما يحرسه ويرعاه إلا أن يكون الراعي لا يبيت بالماشية عند ربها بل يبيت بها بداره فيكون أحق بها، ومثل الحارس في عدم الاختصاص صاحب الحانوت يحمل كراؤه على مكتريه حتى فلس أو مات فإنه لا يكون أحق بما في الحانوت (خ): تشبيهاً فيما لا اختصاص فيه كأجير رعي ونحوه وذي حانوت فيما به الخ. وأما مكتري الدابة يفلس مكريه أو يموت فإنه أحق بالمعينة أو بمنفعتها قبضت أم لا حيث نقد كراءها حتى يستوفي ما نقده، وأما غير المعينة وهي المضمونة فإنه أحق بها إن قبضت (خ): والمكتري بالمعينة وبغيرها إن قبضت ولو أديرت الخ. تتمة: قال المازري: لا يختلف أن الورثة منهيون عن البيع قبل وفاء الدين فإن فعلوا فللغرماء فسخه هذا إن لم يقدروا على أداء الدين إلا بالفسخ، وأما إن قضاه الورثة من أموالهم أو أسقط الغرماء حقوقهم فالأشهر من المذهب أن البيع لا يفسخ لأن النهي عن البيع لحق المخلوقين، وقد سقط اه. ابن عبد السلام: وخرج بعضهم على رواية أشهب عن مالك أن الورثة إذا عزلوا للدين أضعافه وباعوا ليرثوا أن البيع باطل ويفسخ فيكون لجميع الغرماء إذا لم يحضروا البيع أخذ السلع من أيدي المشترين إلا أن يشاء المشترون أن يدفعوا قيمة ما في أيديهم أو ثمنه أو بعضه إن كان قائماً اه. وقد تقدم في القسمة والصلح أن الورثة إذا باعوا التركة قبل القسم أو بعده فبيعهم ماض لا ينقض للدين كان فيه محاباة أم لا وإنما كررناها في هذه الأبواب لكثرة وقوعها وكثرة التنازع فيها. (ومحدث) بكسر الدال (ما) أي شيئاً (فيه للجار ضرر محقق) بالبينة كونه ضرراً كالأمثلة الآتية لا محتمل كونه ضرراً أو كان غير ضرر كصوت الصبيان في المكتب وصوت الرحى ونحوهما مما يأتي في الثاني عند قوله: فإن يكن يضر بالمنافع (يمنع) من إحداثه ويزال ما أحدثه (من غير نظر) ولا توقف لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرار) أبو الحسن: اختلف في معناه فقيل معناه لا تدخل على أحد ضرراً فالضرار تأكيد للأول، وقيل الضرر الذي لك فيه منفعة، والضرار ما ليس لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة، وهذا وجه حسن في الحديث قاله ابن عبد البر اه. فاحترز الناظم بالمحقق من المحتمل كما قررنا، والمحقق شامل لمحقق الوقوع في الحال أو في المستقبل وعبارة (م): واحترز بوصف الضرر بالمحقق من الضرر الذي يكون متوقعاً غير واقع ولا محقق يعني الوقوع في المستقبل، وذكر الناظم للمحقق أمثلة فقال: (كالفرن) يحدث قرب من يتضرر بدخانه أو ناره ومثله الحمام (خ): وقضى بمنع دخان ورائحة كدباغ الخ. وأما دخان المطابخ ونحوها مما لا يستغنى عنه في المعاش ويكون في بعض الأوقات فقط ولا يستدام أمره فلا يمنع منه، ولو أراد صاحب الدخان القديم إحداث آخر ويضيفه للقديم يمنع من ذلك لزيادة الضرر، وفيها لو اتخذ مكتري الدار تنوراً يجوز له عمله فيها فاحترقت منه الدار وبيوت الجيران لم يضمن ولو شرط ربها عليه أن لا يوقد فيها ناراً ففعل ضمن (والباب) يعني في السكة الغير النافذة أي: فلا يجوز لواحد من سكانها إحداث باب يقابل باب جاره ويشرف عليه منه، وظاهره ولو نكب أي حرف الباب المحدث عن باب جاره بحيث لا يشرف منه على ما في دار جاره ولا يقطع عنه مرفقاً من إنزال أصحابه ومربط دابته، وإليه ذهب ابن زرب وابن رشد، وبه العمل بقرطبة. ابن ناجي: وبه العمل عندنا اه. وقال في التبصرة: إنه الصحيح في المذهب اه. ومقابله أنه إن نكب عن باب جاره بحيث لا يشرف عليه منه ولا يقطع عنه مرفقاً لم يمنع من إحداثه، وبه أفتى (خ) إذ قال: إلا باباً إن نكب الخ. ومفهوم الباب أن الروشن أو الساباط لمن له الجانبان يجوز له إحداثه بغير النافذة ولو بغير إذن ممن يمر تحتهما وهو كذلك على المشهور كما في الزرقاني، وقيل يمنع إلا بإذن من يمر تحته، ابن ناجي: وبه العمل. وفي نوازل الدعاوى من المعيار: أن من أراد أن يحدث ساقية أو قادوساً من الماء الحلو أو غيره في غير النافذة ويغطي ذلك بالحجر بحيث لا يضر أحداً فإنه لا يمنع من ذلك ولو بغير إذنهم، وبنحوه أفتى السراج حسبما نقلناه في نوازلنا، وأما السكة النافذة فقال في المدونة: لك أن تفتح فيها ما شئت وتحول بابك حيث شئت منها. ابن ناجي: ظاهرها وإن كان مقابلاً لباب غيره وبه العمل اه. ونحوه للمعلم محمد بن الرامي قائلاً: الذي به العمل أن لا يمنع من فتح باب وإن قابل باب رجل آخر إذا كانت الطريق بينهما نافذة اه. ومفهومه أن إنشاء الحانوت قبالة باب آخر يمنع منه ولو في النافذة، وهو كذلك لأنه أشد ضرراً لتكرر الوارد عليه قاله البرزلي: ابن ناجي: وبه العمل، وقيل لا يمنع منه كالباب. قال ابن رشد: وهو مذهب ابن القاسم في المدونة. قال ابن رحال في شرحه المذهب في الحانوت قبالة الباب المنع مطلقاً بسكة نافذة أم لا. ولفق ذلك في بيتين نصهما: إحداث حانوت لباب غيره *** يمنع مطلقاً لدى المنتبه في نافذ وغيره لما يرى *** من علة قد فهمت بلا مرا ومفهوم قبالة الباب أنه إذا نكبه عن الباب جاز. قال المتيطي: إن الحانوت لا تتخذ للتجارة قبالة باب دار جاره إلا مع التنكيب وإلاَّ منع. (ومثل الأندر) فإنه يمنع من إحداثه قبالة دار وبستان لأن ربهما يتضرر بتبنه عند الذرو قاله ابن رشد ( خ) عاطفاً على ما يمنع منه وأندر قبل بيت الخ. ومثله نفض الحصير على باب داره لتضرر المارة أو الجار بغباره (أو) إحداث (ما له مضرة بالجدر) جمع جدار كحفر مرحاض بقرب جدار جاره أو بناء رحى تضر به أو حفر بئر كذلك، فإنه يمنع من ذلك اتفاقاً (خ): عاطفاً على المنع ومضر بجدار كاصطبل الخ. قال في المتيطية: ومن بنى ما يضر بجاره من حمام أو فرن أو لتشبيب ذهب أو فضة أو كير لعمل حديد أو رحى مما يضر بجاره فقال في المجموعة: يمنع من ذلك، وقاله مالك. قال ابن حبيب: وجوه الضرر كثيرة، وإنما تتبين عند نزول الحكم فيها فمن ذلك دخان الحمامات والأفران وغبار الأندر ونتن الدباغ. الخ. ومنه إحداث إصطبل فإنه يمنع من إحداثه ملاصقاً لدار جاره مطلقاً كان قبالة باب جاره أم لا لما فيه من الضرر ببول الدواب وزبلها وحركتها كما في شرح ابن حال لأنها لا تسكن أصلاً بخلاف البقر اه. ففي البرزلي سئل اللخمي عمن يدق النوى في بيته لبقره ويبيتها في بيته فقال: يمنع من ذلك لأنه يضر بالبناء، وأما تبييت البقر فلا ضرر على الجار فيه اه. البرزلي: ظاهره ولو كان يقع منه الندا، ويحتمل أن لا يكون فيه إلا حركة البقر خاصة، وأما لو كان معه نداً وضرر للحائط لوجب منعه كما تمنع الأروية المعدة للبهائم اه. تنبيهان: الأول: تقدم أن حفر البئر إذا كان يضر بجدار جاره فإنه يمنع منه، وأما إذا كان لا يضر بالجدار وإنما يضر ببئر جاره في تقليل مائها أو إعدائه بالكلية ففيه أقوال. صدر في الشامل في باب الموات بعدم منعه وهو قول أشهب، وروايته عن مالك قال: لأنه قد أضر به تركه كما أضر بجاره حفره فهو أحق أن يمنع جاره من أن يضر به في منعه الحفر، وعليه اقتصر ابن شاس وابن الحاجب وهو ظاهر النظم هنا حيث خصص المنع بضرر الجدار لا بماء بئر جاره، واستظهره ابن بعد السلام أيضاً قائلاً: لأن ضررهما متقابل ويترجح جانب من أراد الإحداث بأنه تصرف في ملكه، وأما إن وجد عنه مندوحة ولم يتضرر بترك حفره فلا يمكن من حفره لتمحص إضراره بجاره حينئذ، ومقابله لابن القاسم في المدونة إنه يمنع من حفره وإن اضطر إلى ذلك. اللخمي: ووجهه أن الماء في يد الذي حفر أولاً مع احتمال أن يكون هو الذي اختط تلك الأرض أولاً أو آباؤه أو الذي ابتاع منه فلا ينتزع الماء من يده بالشك، وثالثها يمكن من حفره ما لم يضر ببئر جاره ضرراً بيناً، وقد علمت أن الأول هو أقواها نقلاً وعلة، وإن قال في التبصرة: ليس عليه عمل لأنه أي الأول مروي عن مالك، ورجحه ابن عبد السلام واقتصر عليه الفحول فلا يعدل عنه بحال. الثاني: ذكر في المعيار عن ابن الرامي أن ضرر الرحى والإصطبل يرتفع عن الجدار ببعدهما عنه بثمانية أشبار أو يشغل ذلك بالبنيان بين دوران البهيمة وحائط الجار انظر كلامه في (م). (فإن يكن) الشيء المحدث (يضر بالمنافع) فقط (كالفرن) يحدثه (ب) قرب ( الفرن) أو الرحى يحدثها بقرب أخرى أو حمام كذلك فتقل غلة الأول أو تنقطع بالكلية (فما من مانع) من ذلك اتفاقاً حيث كان المحدث لا يضر بالقديم بشيء من وجوه الضرر، بل في نقصان الغلة أو انقطاعها فقط قاله ابن سهل. ولا مفهوم للمنافع بل كذلك إذا كان ينقص الثمن لا غير كما أفتى به ابن عتاب وصوبه ابن سهل خلافاً لأبي المطرف، ونقله المتيطي وابن عرفة ونصه: في كون إحداث حمام أو فرن قرب دار تجاوره لا يضرها بدخان ولا غيره إلا أنه يحط من ثمنها ضرراً يمنع أم لا. نقل المتيطي مع ابن سهل عن أبي المطرف مع بعض شيوخ ابن عتاب وله مع بعض شيوخه اه. فلو قال الناظم: فإن يكن يضر بالمنافع *** أو ثمن فما له من مانع لشملهما. واستدل ابن عتاب لفتواه بعدم اعتبار نقص الأثمان باتفاقهم على عدم اعتبارهم نقص المنافع إذ من لازمها نقص الأثمان، لكن قال (ت): أفتى ابن منظور بمقابل ما في النظم وإن ضرر المنافع يمنع منه وفي البيان أنه المشهور ذكره في كتاب السداد والأنهار في رجل أحدث رحى قرب أخرى اه. قلت: فانظره مع ما نقله الشارح و(ح) عن ابن رشد أوائل فصل مسقط القيام بالضرر من أنه قسم الضرر إلى ثلاثة أقسام: منه ما يمنع عنه باتفاق كالحمام والفرن ومنه ما لا يمنع منه باتفاق كإحداث فرن قرب فرن آخر يضر به في غلته فقط، ومنه ما يختلف فيه كأن يحدث في أرضه بناء قرب أندر جاره يمنعه به الريح فقال ابن القاسم: يمنع، واختلف فيه قول سحنون. قال ابن رشد: والأظهر أنه لا يمنع اه. فأنت ترى ابن رشد بنفسه حكى في مسألة النظم الاتفاق على عدم المنع كما ذكره ابن سهل أيضاً محتجاً به على عدم اعتبار نقص الأثمان، وراجع ما أشار له (ت) عن البيان فلم يسعني الآن مراجعته، والذي في المعيار عن العبدوسي مثل ما للناظم ولم يحك فيه خلافاً، وكذا البرزلي ونحوه في مفيد الحكام والتبصرة، فما للناظم هو المعتمد الذي عليه الجادة ولا يعدل عنه إلى سواه وإن صح تشهيره والله أعلم. ثم بعد كتبي هذا وقفت على رجوع (ت) عما حكاه عن البيان من التشهير انظر نصه في نوازل الضرر من نوازلنا. تنبيهان: الأول: هل يمنع أرباب النحل أو الحمام أو الدجاج من اتخاذه حيث أضرت بالناس في زروعها وبساتينها، وهو رواية مطرف عن مالك وعدم منعهم وعلى أرباب الزرع والشجر حفظها وهو قول لابن القاسم وابن كنانة. قال ابن حبيب: ولا يعجبني قول ابن القاسم، بل قول مطرف أحب إلي، وبه أقول وهو الحق إن شاء الله ابن عرفة: هذه النازلة تقع كثيراً والصواب أن يحكم فيها بقول مطرف وابن حبيب، وإن كان خلاف قول ابن القاسم لأن منع أرباب الحيوان أخف ضرراً من ضرر أرباب الزرع والثمار لأنه لا يتأتى لهم حفظها ولا يمكنهم نقل زرعهم ولا أشجارهم، وإذ التقى ضرران ارتكب أخفهما قال: وبعضهم يذكر ارتكاب أخف الضررين حديثاً، وبعضهم يذكره أثراً، وبعضهم يذكره حكماً مجمعاً عليه اه. وما ذكره ابن عرفة من تصويبه لقول مطرف نحوه لعيسى حسبما في نوازل الضرر من المعيار قائلاً: هذه الأشياء لا يستطاع الاحتراز منها، وقد قيل فيمن له كوى في حائطه تجتمع فيها البراطيل فتؤذي الناس في زروعهم أنه يؤمر بسدها. وقال مالك أيضاً في الدابة الضارية بإفساد الزرع تغرب أو تباع على صاحبها لأنه لا يستطاع الاحتراز منها. وانظر ما مر آخر فصل الإجارة في الدواب تتلف الزرع ونحوه. الثاني: ظاهر النظم أن ضرر الأصوات غير معتبر، وحكى ابن ناجي فيه أربعة أقوال. قيل بلغوه مطلقاً قال: وبه العمل عندنا، وقيل يمنع مطلقاً قاله ابن عتاب، وبه أفتى شيوخ طليطلة، وقيل إن عمل بالنهار فالأول وبالليل فالثاني، وقيل: يجوز إن خف ولم يكن فيه كبير مضرة اه. وما حكى به العمل هو المشهور قال في المعيار عن ابن رشد: والمشهور عدم منع الأصوات مثل الحداد والكماد والنداف اه. وظاهره ولو اشتد ودام وهو ظاهر (خ) أيضاً حيث قال عاطفاً على ما لا يمنع منه وصوت ككمد الخ. وقال ابن رحال في شرحه بعد: نقول قد تبين من هذا أن الصوت إذا كان قوياً مستداماً في الليل فإنه يمنع على ما يظهر رجحانه من النقول اه. فانظره. (وهو) أي الضرر إذا تنازعا في قدمه وحدوثه محمول (على الحدوث حتى يثبتا خلافه بذا) أي بهذا القول (القضاء) والعمل (ثبتا) عند الموثقين كابن سلمون وابن فرحون وصاحب المفيد والمتيطي وغيرهم وهذا على أن الضرر يحاز بما تحاز به الأملاك كما يأتي في فصل مسقط القيام بالضرر. وأما على القول بأنه لا يحاز بما تحاز به الأملاك فلا يحتاج إلى النظر في كونه قديماً أو حادثاً بل يجب رفعه وإزالته ولو طالت حيازته. (وإن يكن) الضرر الحادث (تكشفاً) كما لو فتح كوة أو باباً في غرفة يشرف منها على ما في دار جاره أو اسطوانه أو بستانه الذي جرت العادة بالترداد إليه بالأهل ولو في بعض الأوقات كزمن الصيف كما في (ح) وابن سلمون عن ابن الحاج (فلا يقر) ذلك التكشف بل يزال وتغلق الكوة والباب بالبناء وتقلع عتبتهما لئلا يحتج بها إذا طال الزمان، ويقول: إنما أغلقتها لأعيدها (خ) وقضى بسد كوة فتحت أريد سد خلفهما الخ. ومحل إزالته إذا كان قريباً (بحيث الأشخاص تبين و) تتميز (الصور) فيعرف زيد من عمرو والذكر من الأنثى والحسن من القبيح، وإلا فلا يقضي بإزالته وظاهره ولو كانت الكوة عالية بحيث لا يمكن الاطلاع منها إلا بسرير ونحوه وهو كذلك على المعمول به كما في المدونة عن مالك. قال ابن فتوح وغيره: وبه العمل خلافاً لما روي عن عمر رضي الله عنه من أنه يوضع السرير من جهة المحدث للكوة وأن يقف عليه واقف، فإن أطلعه على دار جاره منع من ذلك وإلاَّ فلا. وجعله (ح) تقييداً لقول (خ) وقضى بسد كوة الخ. وقد علمت أن المعمول به هو قول مالك أنه يمنع مهما يشهد به أنه ضرر من غير تقييد بسرير ولا غيره كما لأرباب الوثائق ابن فتوح وابن فرحون وابن سلمون وغيرهم فلا يعول على تقييد (ح) وما في المعيار والتبصرة من أن الكوة التي لا يمكن الاطلاع منها إلا بسلم وشبهه لا يقضي بسدها كله خلاف المعمول به من قول مالك فيما يظهر كما مر. وقولي في الحادث احترازاً من القديم فإنه لا يقضي بإزالته على المشهور ولو لم تكن فيه منفعة. قال في المدونة: فأما كوة قديمة أو باب قديم لا منفعة له فيه ولا مضرة على جاره فلا يمنع منه اه. ويستثنى من القديم المنار فإنه يمنع المؤذن من الصعود إليه ولو قديماً حتى يجعل به سائراً يمنع من الاطلاع على الجيران من كل جهة حتى لا تتبين أشخاص ولا هيئات ولا أثاث قربت الدار أو بعدت كما في (ح) في فصل الآذان. تنبيهات: الأول: من أحدث كوة يطلع منها على ما يطلع عليه غيره فإنه يمنع من ذلك ولا حجة له في اطلاع غيره لأن هذا زيادة ضرر بمنزلة ما تقدم في زيادة الدخان وسواء كان الزقاق نافذاً أو غير نافذ. الثاني: من أحدث كوة تقابل أخرى فطلب سد المحدثة فقال له الآخر: سد أنت القديمة فإني إنما سكت عنها نحو خمس سنين أو أربع على حسن الجوار، ففي كتاب ابن سحنون يحلف صاحب الكوة المحدثة أنه ما ترك القديمة إلى هذه المدة إلا على حسن الجوار غير تارك لحقه ثم تسدان معاً. قاله ابن الرامي قال: ونزلت نازلة في رجل فتح كوة في داره لا يتكشف منها على جاره غير أنه يسمع كلامه فرأى بعضهم أنه ضرر ولم يعتبره آخرون وحكم بقول من لم يعتبره قال: ونزلت أيضاً نازلة وهي أن رجلاً كان له مطلع إلى سطح داره بسترة فسقطت السترة وصار كل من يطلع إلى السطح ينظر لما في دار الجار فطلب منه إعادة السترة فحكم بعدم إعادتها ولكن ينذرهم إذ صعد إلى سطحه قال: وسألت القاضي ابن عبد الرفيع عمن أحدث كوة يرى منها سطوح جيرانه وبعض الجيران يتصرف في سطحه بالنشر ونحوه. فقال: لا يمنع اه. قلت: تأمل قوله: لا يمنع فإنه مخالف ما قالوه من أن البستان الذي يتردد ربه إليه بالأهل ولو في بعض الأوقات على المعمول به كان به بناء أم لا. كما قاله ابن زيتون فإنه يمنع من إحداث المتكشف عليه والسطوح أكثر تردداً وأقوى فما قالوه من عدم المنع مقابل والله أعلم. الثالث: من بنى عرصة وفتح فيها أبواباً أو كوة يطلع منها على قاعة غيره فأراد صاحب القاعة منعه وقال: هذا يضرني إذا بنيت أنا قاعتي داراً، فقال ابن القاسم: وهو الأصح كما في الشامل إنما يمنعه إذا بنى فيقضي عليه حينئذ بسدها ولا يمنعه قبل البناء، وقال مطرف: يمنعه مطلقاً. وقال ابن الماجشون: لا يمنعه مطلقاً. (وما بنتن الريح يؤذي) جاره (يمنع) منه (فاعله) ومحدثه وذلك (كالدبغ) والمجزرة والمرحاض الذي لا يغطيه (مهما يقع) لأن الرائحة المنتنة تخرق الخياشيم وتصل إلى الأمعاء فتؤذي الإنسان والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام حسبما في الموطأ: (من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقرب مسجدنا يؤذينا). وتقدم قول (خ) ورائحة كدباغ. (وقول من) أي شاهد (يثبته) أي الضرر (مقدم) عند التعارض (على مقال من) أي شاهد (بنفي) له (يحكم) أي يشهد قاله في المتيطية. قال في التبصرة: وبه القضاء وعليه العمل أي لأن المثبت مقدم على من نفى كما مر آخر الشهادات خلافاً لما في المعيار من أنه ينظر إلى أعدل البينتين، وإذا شهد بنفي الضرر وحكم بمقتضاه ثم تبين خلافه نقض الحكم قاله في الوثائق المجموعة يعني: وكذلك إذا شهد بالضرر ثم تبين خلافه. (وإن جدار ساتر) بين دارين مملوك لأحدهما فقط وليس بمشترك (تهدما) وحده بأمر سماوي (أو كان) لم يتهدم وحده بل (خشية السقوط هدما) أي هدمه مالكه لميلانه وتلاشيه وخشية سقوطه ولو بقضاء الحاكم عليه بذلك لخشية سقوطه على المارة أو على الجار. (فمن أبى بناءه) أي الساتر المتهدم وحده أو خشية السقوط (لن يجبرا) عليه إذا طلبه صاحبه على الأصح وهو قول ابن القاسم (وقيل) أي والحكم إذا لم يجبر أن يقال (للطالب إن شئت استرا) على نفسك أو اترك وظاهره أنه لا يجبر، وإن كان قادراً على بنائه وهو كذلك على المشهور فلو قال المالك: إني محتاج إلى هدمه فقال مطرف وابن الماجشون: ينظر الحاكم في ذلك فإن ظهر صدقه ترك يصلح على نفسه وأمر بإعادته للسترة التي قد لزمته. وقال أصبغ: لا تلزمه إعادته. ابن حبيب: وبقول مطرف أقول نقله في ضيح، فلو قال الجار للمالك: أعطني أرض حائطك بترابه وعلي الطوب والنفقة فإذا تم حملنا عليه معاً فقال سحنون: لا يجوز لأنه عقد لغير أجل معلوم ولا سمى كل واحد منهما ما يحمل عليه، وحينئذ فعلى رب القاعة والتراب أن يعطي لرب الطوب والعمل قيمة طوبه وعمله ويكون الجدار له ولو سأل من ذي الجدار المائل أن يأذن له في هدمه وبنائه له على أن يحمل عليه ففعل فقال ابن دينار: سبيل هذا سبيل الشراء فليس لرب الحائط أن يرفع خشب الباني عنه وإن احتاج إليه. ثم أشار إلى مفهوم ما مرّ وهو ما إذا تعمد الهدم فقال: (وعامد للهدم) للجدار الساتر بينه وبين جاره (دون) منفعة له في الهدم ولا ( مقتض) لذلك بل إنما قصد به الضرر لجاره أو العنت (عليه بالبناء وحده) حال والمجروران متعلقان بقوله: (قضي) والجملة خبر عامد أي قضى عليه بإعادته كما كان اتفاقاً لأنه مضار بجاره (خ): وقضى بإعادة الساتر لغيره أن هدمه ضرراً لا لإصلاح أو انهدم الخ. وظاهر كلام (خ) هذا كغيره أنه يجبر على إعادته ولو لم يكن له مال يعني ويباع ممن يبنيه وهو الذي لابن رشد عن سماع يحيى وعيسى وهو المعتمد كما يدل عليه ابن عرفة، وقيل إنما يجبر على إعادته إذا كان له مال وإلا أدب ولا شيء عليه، وعليه عول الناظم فقال: (إن كان ذا وجه) أي محل القضاء عليه بإعادته كما كان إذا كان الهادم ذا مال ( وكان) الجدار (ماله) أي ملكه وحده، وهذا قيد في أصل المسألة أي وإن جدار ساتر تهدما وكان ماله أي غير مشترك (والعجز عنه) أي عن بنائه حيث هدمه ضرراً (أدبا) مفعول بقوله (أناله) والجملة خبر العجز، ومفهوم قوله: ماله أنه إذا كان لغيره فعليه قيمته إلا أن يكون وقفاً فعليه إعادته على خلاف فيه كما مر في باب الحبس، وأما إن كان مشتركاً فهو قوله: (وإن يكن) الجدار الساتر (مشتركاً فمن هدم. دون ضرورة) توجب هدمه من تلاشيه وخشية سقوطه (بناءه) مفعول بقوله (التزم) أي لزمه أن يبنيه كما كان لأنه أتلف مال غيره بغير موجب. (وإن يكن) هدمه (لمقتض) كخشية سقوطه، وأثبت ذلك بأرباب البصر وبعد الإثبات هدمه أو انهدم الحائط وحده. (فالحكم أن يبني). ذلك الحائط الساتر (مع شريكه وهو السنن) أي الطريق المشروع. (من غير إجبار) له على البناء معه يعني بل يؤمر أن يبني مع شريكه من غير قضاء عليه ابتداء على السنن المشروع (فإن) أمر بالبناء معه ف (أبى) وامتنع (قسم موضعه بينهما) عرضاً ويأخذ كل واحد منهما نصفه مما يليه وبنى في نصيبه (إذا حكم) أي أمكن قسمه فعبر بالحكم عن الإمكان لأنه لازمه إذ من لازم الحكم بالقسم إمكانه فإن لم يمكن قسمه لكونه لا يصير لكل منهما ما ينتفع به ببناء معتاد فيه فأما بنى معه أو باع لمن يبنيه. فالحاصل أنه يؤمر أولاً بالبناء معه من غير إجبار فإن أبى قسم بينهما إن أمكن فإن لم يمكن أجبر على البناء أو البيع على المعتمد كما في (ح) قائلاً: هذا هو الذي رجحه صاحب الكافي وابن عبد السلام وغيرهما، ويكون حين لم يمكن قسمه من إفراد قول (خ): وقضى على شريك فيما لا ينقسم أن يعمر أو يبيع الخ. وقولي: وبعد الإثبات هدمه الخ. احترازاً مما لو هدمه قبل الإثبات ونازعه شريكه في خشية سقوطه وافتقاره للهدم فإن الهادم حينئذ لا يصدق ويلزمه بناؤه وحده. تنبيهان: الأول: لو كانت دابة أو معصرة أو سفينة بين رجلين ولأحدهما ما يطحن أو يحمل عليها وليس للآخر شيء يطحنه أو يحمله وضع صاحبه من الحمل والطحن إلا بكراء وقال الآخر: إنما أطحن وأحمل في نصيبي، فالحكم أنه يمنع من الحمل والطحن حتى يتراضيا على كراء أو غيره وإلا بيع المشترك عليها كما في (ح). الثاني: سئل اللخمي عن حائط فاصل بين جنتين يعمل عليه السدرة والشوك لدفع الضرر فدعا أحد الرجلين للبناء وأبى الآخر وقال: من شكا الضرر فليبن. فأجاب: إن كان بقاؤه مهدوماً يضرهما فمن دعا إلى البناء فالقول قوله، وإن كان الضرر ينال أحدهما فبناؤه على من يناله الضرر دون صاحبه، وإن لم يكن هناك حائط فليس على من أبى أن يحدث حائطاً جبراً إلا أن يدخل ضرر على أصحاب الجنات بعضهم من بعض، فالقول لمن دعا إلى التصوين والبناء.
|